abbasbusafwan@gmail.com

‏في البحرين… «حياة الشيعة مهمّة»!

Unknown

سُنيّون ضد التمييز..
‏في البحرين… «حياة الشيعة مهمّة»!

عباس بوصفوان
صحيفة الأخبار – ٥ سبتمبر (أيلول) ٢٠٢٠

(1)

لم يُفلح السود، في بريطانيا وأميركا وعموم الغرب، في تحقيق إنجازٍ نوعي نحو تحرير أنفسهم من العبودية، ثم حصولهم على حقوقهم المتساوية، دستورياً، إلّا بانخراط بعض الجماعات البيضاء ضمن الحركة المناهضة للرق والانتهاكات المروِّعة الموجهة ضد السود.

هذا، فضلاً ـــــ بطبيعة الحال ـــــ عن تضحيات كبرى قدّمها الأفارقة السود، طوال عقود مديدة، وتغيّرات حيوية طالت تركيبة العالم، والمستعمرات البريطانية، و«الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس».

جون غريفز سيمكو، لم يكن رجلاً أسود حين منع استيراد العبيد، في عام 1793. كان من علية القوم، وحاكماً لمستعمرة بريطانية في أجزاء واسعة من كندا. وتطورت الجهود التي بُذلت نحو إعلان لندن قراراً بإلغاء العبودية، في عام 1833، ولم يكن الذين ألغوها سوداً.

(2)

صحيح أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب متّهم بالعنصرية لصالح البيض، بيد أنّ الحزبين الجمهوري والديموقراطي يضمّان عناصر بيضاء وسوداء وملوّنة تناهض الانتهاكات ضد السود. ومع أنّ تلك الحركة الإصلاحية بطيئة نوعاً ما، ولم تحقّق غاياتها في المساواة الكاملة، إلّا أنّه لا بدّ من التنويه إلى أنّ حركة «حياة السود مهمّة»، التي تفجّرت بعد مقتل جورج فلويد، على يد شرطي أبيض، في آذار 2020، لم تكن لتشكّل ظاهرة عامّة بهذه القوة التي أحرجت النظام الأميركي، من دون مساندة جزء مُعتبر من الرأي العام الأبيض.

(3)

وهكذا إذاً، يبدو مُفهوماً بأنّ إحداث اختراق جوهري على صعيد إقرار المساواة للمواطنين الشيعة مع غيرهم من مواطني البحرين، يتطلّبُ اقتناع قطاعات مؤثّرة من النخبة السُنيّة بعدم جواز استمرار التمييز ضد المواطنين الشيعة، إلى الدرجة التي يتمّ وصفهم بالحيوانات في الصحف الرسمية، ويُمنعون أو لا يُمنحون فرصاً متساوية للعمل في الجيش والبنوك، ويُميَّز ضدهم في سائر الخدمات، ويتمّ التعاطي مع عقائدهم وتاريخهم ورجالاتهم وممارساتهم الشعبية بازدراء واحتقار، ولا يُكتفى بتهميش جلّ ما سبق.

(4)

البحارنة أصيلون في هذه الجزر الصغيرة، ولا وجود لتاريخ البحرين إلا بهم، كغيرهم من إخوانهم السُنّة، لكنّ الشيعة باتوا مضطرّين للدفاع عن أبسط حقوقهم، كما الفلسطينيين الذين يحتاجون ــــــ على الدوام ــــــ تكرار التأكيد على أنّهم أبناء الأرض، فيما يفترض أنّ ذلك بديهي جليّ.

في عشرينيات القرن الماضي، تخلّص شيعةُ البحرين من السُخرة، وهو نوع من العبودية كان يمارَس ضدهم لعقود، من قِبل شيوخ آل خليفة. وقد تحقّق ذلك بفضل تضحيات الجمهور الشيعي ونضالات قياداته، وأيضاً ضمن متغيّرات عالميّة، أجبرت البريطانيين على إدخال بعض التحسينات في بعض مستعمراتها، لكن تلك الإجراءات «الإصلاحية» أفضت في المقابل إلى تعزيز الحكومة المركزية، وعزّزت من سطوة العائلة الحاكمة.

(5)
لا يزال البون واسعاً نحو حصول الشيعة على حقوق مواطنية متساوية في العمل والترقّي والسكن والبعثات والحقوق السياسية كغيرهم من المواطنين. ويمكن الإشارة إلى مكانين أساسيين لوقوع التمييز:

الأول: الجيش وعموم المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث النخبة الخليفية المهيمنة (لاحظ أسماء الضباط، ومسؤولي الأمن والدفاع مثلاً).
الثاني: البنوك وعموم المؤسسات المالية، حيث النخبة السُنيّة المهيمنة، (لاحظ أسماء مسؤولي البنوك مثلاً).

ويمتدّ التمييز إلى القصور الحاكمة، ودوائر الحكومة المختلفة، ومؤسّساتها الاقتصادية الكبرى. كما تُمنع قطاعات واسعة جداً من المواطنين الشيعة من العمل، حتى في النشاط الحقوقي أو النقابي أو المدني بأنواعه، بدعوى أنّهم كانوا يوماً ما، أعضاء في جمعية «الوفاق». وليس ذلك إلا سبباً مُفتعلاً لإقصاءٍ شبه كامل للنخبة الشيعية، وللجمهور الشيعي العريض في البلاد، من أي نشاط سياسيّ أو مدنيّ مشروع.

(6)

مسؤولو الدولة، بأعلى رتبهم، من الملك إلى ولي العهد ورئيس الوزراء، هم المعنيون الأساسيون عن هذه الممارسات المذمومة، والمخالفة للقانون والحسّ الإنساني، والتي طالما كانت سبباً رئيسياً وراء عدم الاستقرار.

(7) لا شكّ في أنّ هناك بحرينيين سُنّة يتوجّعون من الظُلم الفادح الذي يطال الشيعة، ومن العقاب الجماعي المستمر والمُمنهج ضد البحارنة، والذي يغطّي مساحات واسعة من المعاملات اليومية، ويطال عائلات من مختلف الشرائح والتوجّهات والمناطق، قبل عام 2011 وبعده. لكن علينا الإقرار بكلّ جرأة وشجاعة، بأنّ قطاعات مُؤثّرة من الجماعات السُنيّة تعيش وكأنّها لا ترى الفواجع حولها، والتي تطال معظم البيوت الشيعية، إما بسبب عدم قدرة بعض أفرادها على الحصول على فرصة عمل، أو التضييق على نشاطهم المهني أو التجاري، أو التعامل معهم في الشارع ومراكز الشرطة والمؤسّسات الرسمية ووسائل الإعلام بازدراء واحتقار وقلّة احترام، في مخالفة صريحة للدستور والقانون ومفاهيم حقوق الإنسان. نعم، تبدو مُفجعة مواجهة الحقيقة المُرّة، أي أنّ قطاعات وازنة من النخبة السُنيّة، تمارس صمتاً إزاء التمييز الحاصل، أو تفهّماً له، أو تبريراً لمجموعة كبيرة من الممارسات القبيحة. وفي حالات مرصودة، فإنّ بعض هذه النخبة تمارس انخراطاً وحماساً كبيرين لتثبيت التمييز واقعاً، في كلّ ركن من أركان البلاد، ولا تتورّع عن دعم الإجراءات الحكومية البغيضة ضدّ الشيعة، بل وتزايد عليها.

(8)

إنّ ما سبق من انتهاكات وفظائع، لا يمكن تصوّر وقوعها في دولة خليجية أو عربية، في القرن الحادي والعشرين، لكنّه الواقع المرير الذي يُراد من المواطنين الشيعة قبوله، عبر مواصلة الهجوم من كلّ حدب وصوب، لفرض التمييز أمراً حتمياً.

وبالمقارنة، فإنّ أوضاع السود في أميركا أفضل من أحوال الشيعة في البحرين. ومع ذلك، فإنّ هؤلاء هناك يرفعون شعار «حياة السود مهمّة»، بينما يَخشى بعض الشيعة على أنفسهم من الحديث عن المساواة، بل أصبحوا يخشون من أن يُعرفوا بأنهم شيعة، وينصحون غيرهم بالصمت. ومن المؤكّد، أنّه إذا اكتفى الشيعة بطلب السلامة، ودعوة الحكومة بعدم احتقارهم، فإنّ ذلك ينبئ بأن ينالوا مزيداً من التمييز والإجحاف والاحتقار والتهميش، كما يعلّمنا التاريخ.

(9)

إذاً، ومن دون ريب، فإنّ العبء الأكبر لتحقيق المساواة يقع على المواطنين الشيعة ونخبتهم، كما وقع العبء ذاته على النخبة السوداء لتحقيق المساواة. ويُفترض، في ظنّي، أن لا يُكتفى بممارسة الضغوط المدنية السلمية على السلطة، مع التأكيد على أنّ ذلك أمر حيوي وأساسي، بالنظر إلى أنّ معركة المساواة هي الواقعة الكبرى، ومنها تتفرّع المعارك السياسية الأخرى. فالحاجة ماسّة أيضاً لكسب عناصر سُنيّة، تعلن رفضها بكل صراحة وعلنية وجرأة للحقارة الراهنة، وللعُفونة التي تفوح من سياسات التمييز وتطبيقاتها.

(10)

إنّ الجيل الحالي والأجيال المقبلة من الشيعة، لن تتسامح بقبول المواطنة من الدرجة الثانية، كما حصل لآبائهم وأجدادهم. فهل تهبُّ بعض الجماعات السُنيّة لتشكيل حركة مدوّية ضد التمييز، وترفع شعار: حياة الشيعة مهمّة، وتنخرط في مشروع كهذا، جنباً إلى جنب مع إخوانهم الشيعة، أملاً في تحقيق المساواة للجميع، كما هو منطق العقل والعدل والإنسانية والدين والوطن؟

* كاتب وصحافي من البحرين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة