abbasbusafwan@gmail.com

استهداف موكب عزاء المحرق.. محاولة للفهم

 

ما الذي يفسر قيام القوى الأمنية وبلطجتها باستهداف موكب العزاء، بالمحرق، مساء يوم السادس (ليلة السابع) من محرم الحرام، الموافق يوم الجمعة الثالث من ديسمبر الجاري.في الحقيقة، فإن تفسير ذلك يحتاج إلى كثير من التمعن، في سياق الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية، والذي يمر بمرحلة جديدة بعد تقرير بسيوني، وما كشف عنه من إن الاستهدافات الجماعية لجماهير 14 فبراير تستدعي إعادة هيكلة منظومة الدولة البوليسية السائدة.

قبل أن أسوق الفرضيات التي قد تعطي تفسيرا لفعل عدواني وأهوج وذي مردودات سلبية على علاقة النظام بقطاعات واسعة من الشعب، أود الإشارة إلى أني انطلق في هذه المقاربة من معطى رئيسي، مفاده أن السلطة قصدت استهداف العزاء، وأن الاعتداء كان مخططا له. وبلغة قانونية أنه تم بسبق إصرار وترصد، أي أنه متعمد، ومدبر.

وكمتابع ومراقب، فإنني أبني مقولتي تلك على الأمور الخمسة التالية:
الأمر الأول: اتصال الأجهزة الأمنية للمآتم في المحرق، قبل ساعات من خروج العزاء، وإبلاغها بعدم تسيير المواكب الحسينية المعتادة، كونها (السلطات) غير قادرة على توفير الأمن لهذه المواكب.
وقد حمل الاتصال تهديدا واضحا، وليس مبطنا فقط، بأن المواكب الحسينية، قد تكون عرضة للتعديات من طرف البلطجية، على الأرجح، في هذه اللحظة على الأقل، والذين يتم تحريكهم ـ عادة ـ من قبل أجهزة نافذة في الدولة.

الأمر الثاني، إن تواجد الأجهزة الأمنية قرب موكب العزاء، وبأعداد كبيرة، بل كبيرة جدا، لا يعطي معنى لكلام وزارة الداخلية بأنها ليست جاهزة لتأمين مواكب العزاء. إلا إذا كانت تقصد بأنها غير جاهزة سياسيا، بمعنى أن القرار السياسي لم يصدر لها لتأمين سلامة العزاء، أما الجهوزية الميدانية فيفترض أن تكون الشرطة على أتم الاستعداد لذلك، وإذا لم تكن مستعدة فيتوجب على صاحب القرار مساءلتها عن عدم جهوزيتها، ذلك أن موسم العزاء معروف سنويا، ويتم التحضير له بوقت مبكر، وليس تظاهرة نظمت عن تنسيق مسبق حتى يقال إن الداخلية تفاجأت بها، ويصعب عليها تأمين سلامتها، فيما يعلم كل الشعب أن الأجهزة الأمنية تكون حاضرة في غضون دقائق في حال نظمت مسيرة تضم عشرات الشبان، تراها الدولة مخلة بالنظام.

الأمر الثالث، وبحسب المعلومات التي تحصلتُ عليها من شهود عيان، هو أن التعدي على العزاء تم من قبل أجهزة الشغب التي كانت حاضرة، وأن هذا التعدي استمر لفترة طويلة، أي حتى ساعات الفجر، واستخدمت فيه قوات الشغب الهراوات ومسيلات الدموع، حولت فريق الحياك وما حوله إلى مكان يخنق ساكنيه بسبب الطلق المكثف والعشوائي لمسيلات الدموع، على النحو التي يصفها تقرير بسيوني، من استهداف الآمنين في بيوتهم، وليس فقط المشاركين في موكب العزاء.

لقد بدت أجهزة الأمن في تلك اللحظة وكأنها تصد هجوما من متظاهرين، أو إنها كانت تمنع تظاهرة من الوصول إلى موقع حساس، أو الخروج عن الخط/ الشارع المرسوم.. وكل ذلك لا ينطبق على موكب العزاء، الذي يعد خروجه شعيرة سنوية، حافظ على طابعه الحسيني، والسلمي، والشعاراتي، والخط المعتاد له.وإذا لم تكن الدولة قادرة على تأمين سلامته، لماذا تستهدفه؟ وتعيق مسيرته؟

الأمر الرابع، الذي يعطي اليقين بأن ضرب العزاء تم بقرار سياسي، هو اشتراك البلطجية في استهداف العزاء والمعزين، وفي تكسير مأتم الولاية للنساء، وتكسير سيارات يعتقد أنها ملك للمعزين. ونحن نعرف أن البطجية في غالبيتهم، أفراد عسكريون أو مدنيون، متقاعدون أو مازالوا ضمن الخدمة، إما يتبعون جهازا مدنيا في الدولة، (وهؤلاء قلة أو واجهات)، أو هم جزء مباشر من جهاز الأمن أو المخابرات أو الجيش، أو قريبون من هذه الأجهزة، ويتحركون بأوامرهم، أو بضوء أخضر منهم، وهذا هو الغالب.

وفي الحالات الأقل يتحرك البلطجية أو المجموعات الخارجة عن القانون في ظل سكوت أجهزة الأمن وأصحاب القرار السياسي في الجهاز المدني والعسكري. (راجع مقالتي: البلطجية واستعادة 14 فبراير للمبادرة السياسية والميدانية)

وقد أبلغني أحد شهود العيان الذين أعرف مصداقيتهم عن تعرض أحد المعزين للضرب على يد أحد قوات الشغب، الذين قاموا بدورهم بتسليمه إلى عدد من البلطجية، الذين سماهم الشرطة بالنشامى حين سلموا المواطن الأعزل إليهم. وقد تعرف هذا المواطن إلى أربعة من البلطجية الذين سلموه بدورهم إلى مركز شرطة المحرق!

وبالنظر إلى عدم اتخاذ أي اجراء ضد من قام بفعل اجرامي في الاعتداء على شعيرة قانونية ودستورية ودينية، وأعني هنا عدم اتخاذ إجراءات ضد عشرات من أفراد وضباط الأمن، والبلطجية أو مجموعات الدفاع عن النفس كما يحب أن يسميهم بعض قيادي تجمع الفاتح، فإن كل ذلك يعطي مصداقية بأن وراء ضرب العزاء قرار رسمي، يمكن أن أدعي الآن أنه صادر من قيادة عليا في وزارة الداخلية أو الدولة.

الأمر الخامس، الذي يقطع بوجود قرار سياسي وراء استهداف العزاء، هو ما اعتبره تقرير بسيوني من أن التظاهرات، عموما، بين 20 فبراير و15 مارس، لم تتعرض للاستهداف من قبل البلطجية أو الشرطة، ذلك أن القرار السياسي حينها كان يقتضي عدم ضرب المسيرات، رغم أن هذه التظاهرات قد مضت طولا وعرضا في أرجاء المنامة، ورفعت شعارات إسقاط النظام، ويسقط حمد، التي يعتبرها الحكم خطا أحمر.
إذا، فإن استهداف العزاء كان مدبرا/ مخططا/ متعمدا وممنهجا، أي تقف وراءه قيادة عليا في الدولة.
وبصراحة، فإن تفسير هذا الاستهداف عسير، وصعب، ومعقد: لماذا يتم استهداف العزاء بقرار رسمي. وهذا ما سأحاول طرح فرضيات قد تعطي تفسيرات له، في الحلقة المقبلة،.

المصدر: استهداف موكب عزاء المحرق.. محاولة للفهم

انشر وشارك

مقالات ذات صلة