تعكس تزكية مشعل الأحمد الجابر الصباح، في منصب ولاية العهد، حرصَ أمير الكويت الجديد، نواف الأحمد، على الاستمرار على نهج الأمير الراحل صباح الأحمد، وهو أمر يحمل في طيّاته العديد من المفارقات. الصورة عن مآلات الوضع الكويتي لم تكن لتتّضح من دون معرفة هوية وليّ العهد، الذي سيلعب دوراً حاسماً في صياغة القرار السياسي، وفي مساعدة الأمير الجديد، وأيضاً في التعرّف إلى نمط الحكم المرتقب، والذي سوف يسري لسنوات مقبلة، بالنظر إلى أن ولي العهد سيكون الأمير السابع عشر من أسرة الصباح لإمارة الكويت.
وقبل أن نخوض في دلالات اختيار مشعل دون غيره، نوضح أن الغَبرة عن الحالة الكويتية، التي تُولّد، راهناً، أسئلة أكثر من الإجابات، ستنجلي بشكل أكبر حين تتبيّن معالم القوى المُمَثّلة في مجلس الأمة (البرلمان)، المقرّر انتخابه في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر المقبلَين، وهوية الزعيم الذي سيقود المؤسّسة التشريعية، والهوية السياسية لأعضائه. وبطبيعة الحال، يتأثّر المسار الكويتي، بدرجة لا تخفى، بساكن البيت الأبيض، الذي ستُعرف هويّته الشهر المقبل، بعد الانتخابات الأميركية التي تَمور على وقعها الأوضاع في غرب آسيا والعالم.
تلك المعطيات، إضافة إلى الأبعاد الإقليمية، وصراعات الأجنحة داخل عائلة الصباح الحاكمة، هي جملة عوامل أثّرت في قرار الأمير الجديد (83 عاماً) اختيار أخيه غير الشقيق، مشعل، في هذا الموقع القيادي. خيارٌ يحمل في طيّاته العديد من الأمور المتضاربة. فمن جهة، يمكن اعتبار التعيين أمراً حسناً لأولئك الذين يتطلّعون إلى “الاستقرار والاستمرار” على النهج الذي أرساه الأمير الراحل على الصعيدَين الداخلي والخارجي. وبافتراض اختيار وليّ عهد آخر، أكثر شباباً، فإن ذلك يحمل في ثناياه احتمال الزجّ بدماء وأفكار جديدة في ماكينة الحكومة، وربّما كان سيعطي انطباعات عن إمكانية توليد حيوية مختلفة في ترؤّس العمل الحكومي، وفي المقاربة السياسية لإدارة البلاد.
لكن يبدو أن الأمير الجديد المحافظ، والمتّسم بالحذر، والقليل السفر، والهاوي للبحر وصيد السمك وليس أكله، يفضّل أن لا يدخل في “متاهات تغييرية” قد تجلب معها مزيداً من المفاجآت، في ظلّ وضع إقليمي رخو. وعلى رغم تفاؤل معارضين بأن يقوم الأمير نواف بـ”إصلاحات سياسية”، يقول آخرون إن اختيار مشعل لا يدفع إلى التفاؤل بأن تمضي عائلة الصباح في تغيير قواعد اللعبة.
وفق ذلك، فإن الاستقرار سوف يستمرّ، لكن سيظلّ مشوباً بنوع من القلق، في ظلّ مطالبة المعارضة الكويتية الأمير الجديد بإصدار عفو عن عدد من الناشطين والنواب السابقين المحكومين في قضايا سياسية، وأولئك المهاجرين بسبب قلقهم من الإلقاء بهم في السجن، وكذا بالعمل على تعديل “قانون الصوت الواحد” الانتخابي، الذي تراه المعارضة مُخلّاً بالعملية الانتخابية.
السيناريوات مفتوحة على كلّ الاحتمالات، لكن البعد الإقليمي قد يشجّع الأمير الجديد على أن يحافظ على النسق الداخلي الراهن؛ ذلك أن السعودية والإمارات، الكارهتين للبرلمان وحرية الصحافة وتَعدّد القنوات التلفزيونية وفاعلية الديوانيات، لن تكونا مسرورتَين بأيّ إصلاحات سياسية، تزجّ من جديد بالإسلاميين والليبراليين واليساريين المتحزّبين وذوي الخبرة في قلب مجلس الأمة.
وجود مشعل في ولاية العهد يشجّع على القول إن الحياد أو الحياد الإيجابي الذي طوّرته المنظومة الحاكمة في “كويت ما بعد الغزو العراقي”، سوف يستمرّ كنهج في علاقات الكويت الخارجية. وتلعب إيران والعراق دوراً حيوياً في قدرة الكويت على الاعتذار عن الانخراط في الخيارات السعودية والإماراتية الحربية والتصعيدية في المنطقة؛ ذلك أنها تريد إبقاء علاقات إيجابية مع كلّ الأطراف، بعيداً من لعبة المحاور.
إلى ذلك، تنتظر الكويت اتّضاح معالم مجلس الأمة في الأسابيع القليلة المقبلة، وهذا البند سيكون حاسماً في مسار البلاد للسنوات الأربع الآتية. يتكوّن البرلمان من 50 عضواً يُنتخبون بالاقتراع السرّي، فيما يُشترط ألّا يزيد عدد الوزراء، الذين يُعيّنهم الأمير، أو ما يمكن تسميته “حزب الحكومة”، عن ثلث أعضاء المجلس (يُعتبر الوزير غير المنتخب نائباً بحكم وظيفته). وعادةً، لا يكون الأعضاء الخمسون المنتخبون معارضين، والعديد منهم من الموالين للحكومة.
يُتوقّع، أيضاً، أن يلقي فيروس “كورونا” بأثره على الحملات الانتخابية المرتقبة، لكن الوضع السياسي القلق، وعدم التوافق على الدوائر الانتخابية، وعدم إلغاء “قانون الصوت الواحد”، تطرح أسئلة عن هوية المجلس المقبل، ومدى حضور القوى السياسية فيه، وهل سيكون بغالبية من المستقلّين الذين يسهل على الحكومة توجيههم.