abbasbusafwan@gmail.com

عباس بوصفوان: تكافؤ القوى يجمد وضع البحرين

في خطابه الذي ألقاه نهاية شهر رمضان المبارك، بدا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة حاسما مباشرا وصريحا في رفضه للمطالب التي ترفعها الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في 14 فبراير الماضي.

بكل موضوعية، وبعض النظر عن التقييم الذي سيلقاه هذا الوصف. فإن خطاب الملك، في تقديري المتواضع، بدا مختلفا هذه المرة عن أي مرة اخرى تحدث فيها.. لقد ظهر رافضا للديمقراطية، ومؤيدا لاستخدام العنف ضد معارضيه.

اعتاد الخطاب الملكي في السنوات العشر الماضية أن يعطي الرأي العام جرعات من الآمال، مثل قوله بأن الأيام الأجمل تلك التي لم نعشها بعد، وأنه لا يريد معتقلا سياسيا في حكمه، وإنه ضد سجن الصحافيين، وإنه سيتم مراجعة سياسات التجنيس، وسيتم إعطاء أرض لكل مواطن، و”ملء جيوب المواطنين بالمال”، وبناء المدنية الشمالية وثلاث مدن أخرى.. إلخ.

صحيح أن جل الوعود المذكورة وغيرها كثير، لم ـ وربما لن ـ تنفذ، بيد أن الملك طوال تلك السنوات لم يقل إنها لن تنفذ، ما قد يظل يفسح المجال لبعض المتفائلين بأن يرددوا بأنه قد يتم اتخاذ خطوات إيجابية في أي من تلك المواضيع، وإن باتت الثقة في الخطاب الرسمي شبه منعدمة، ينطبق ذلك على الجماعات المعارضة كما الموالية.

على أن الخطاب الأخير كان جليا وصادقا‪.‬ لم يعرض وعودا بالإصلاح، بل وأعلن أن المطالبات بالإصلاح التي ترفعها المعارضة “لن تفيد بشيء”، وهي مرفوضة.

الرفض يشمل المطالب التي ترفعها المعارضة القانونية بمختلف سقوفها، والتي تبدي استعدادا كبيرا لتزمين الإصلاح. وسيعتمد الحكم على المقترحات التي مررها من خلال الحوار الحكومي لإجراء تعديلات دستورية تتجاهل المطالب الرئيسية للمعارضة.

مضى الخطاب أكثر من ذلك، ولعلها المرة الأولى أيضا التي يقول فيها صراحة أنه مع عقاب المساهمين في الحركة الاحتجاجية، لكن ليس “التشدد في العقاب”. يمكن أن نتحدث كثيرا حول مفهوم “التشدد” الذي عناه الخطاب، وندخل في جدل  حول حدوده الدنيا والعليا، بيد أنه ـ فيما أظن ـ  أظهر موقفا متفهما بل مؤيدا للاجراءات التعسفية التي اتخذت ضد العمال والطلبة والكادر الطبي، لكنه لا يعتقد أن ذلك يفترض أن يطال “الجميع” في هذه القطاعات.

ولنلحظ أن كلمة الإسراع في اتخاذ خطوات العودة للعمل التي وردت في الخطاب، بدت – أو يتم التعامل معها على أنها غير – حاسمة، إنها كلمة تفتح باب التأويلات لمزيد من المماطلات، دون أن تخل بالسرعة، التي هي في الأصل كلمة فضفاضة، حتى للجاد، فما بلك بمن يريد العبث والتأخير.

وبحسب تقديري المتواضع، وأنا أزعم اني أراقب رؤى الحكم منذ سنوات، بأن الخطاب الرمضاني الأخير قد يكون أكثر الخطابات تعبيرا عن رؤية الملك لنفسه ولشعبه.

يرى الملك نفسه الحاكم المطلق، ويرى شعبه الموالي رعية، فيما شعبه المعارض يجب أن يعاقب، وأن “يطهر” الأرض منه، كما “طُهر” الجيش، و”طُهرت” القصور، و”طُهرت” المراكز العليا في الدولة، لكن ليس المطلوب “تطهير” كلي لمجلس الوزراء… على أن يتم الاستمرار  في “تطهير” كل الوزارات من الكفاءات والطبقة الوسطى، التي يعتقد النظام أنها العقل المحرك للاحتجاجات.. وكذا “تطهير” السوق من التجار المعادين.

يرى النظام، بأن الإشكال الحقيقي في التراجع عن كل تلك الخطوات المدانة دوليا هو في كون الحركة الاحتجاجية مازالت نشطة ولم تصل مداها بعد، ويتوقع لها أن تتنامى خلال الشهور الستة المقبلة.

إذا، نحن إزاء تشدد واضح في رفض المطالب، تترافق مع ضوء أخضر في عقاب المحتجين، وكأن الحكم يكرر مقولة المشير الشهيرة “وإن عدتم عدنا”. لكن النظام البحريني وهو يتشدد في مواقفه، ويهدد باستخدام العنف مجددا، فإنه يواجه تحديات حقيقية، يصعب الاختيار فيما بينها.. وذلك بالضبط ما يؤدي إلى الحالة الراهنة، التي يصح القول فيها أن المشهد شبه جامد.

أرأد النظام “حسم” المعركة عسكريا، وقد عجز في ذلك، وأصبحت يداه مغلولتين في إعادة الكرات باستخدام مفرط للعنف.لقد خسر الحكم ثقة المجتمع الدولي، الذي بات ينظر إليه على أنه نظام لا يتورع عن قمع معارضيه، حتى القتل، واعتقال نساء، دم المساجد.. وهي إجراءات يصعب تكرارها والاستمرار فيها، عكس ما يعتقد مناصري النظام ـ لأن النظام يدرك ـ أن ما وقع من انتهاكات غير مقبول دوليا، تحت اي ذريعة كانت.

وربما يكون في رد الفعل الشعبي والدولي الذي حمّل السلطة مسئولية استشهاد الطفل علي الشيخ دليلا على مدى الامتعاض والغضب محليا ودوليا من الأداء الأمني والسياسي للنظام. وإزاء آلة عنف مقيدة، في مواجهة حماس جماهيري غير مسبوق ولم يبلغ مداه بعد، تبدو السلطة حائرة، خصوصا وأن المتظاهرين عزل، وهي نقطة قوة استراتيجية، يجدر أن يحافظ عليها الشبان.

السؤال الذي تكرر السلطة طرحه: كيف يمكن مواجهة الجمهور السلمي المطالب بإصلاحات معتدلة تجد احتضانا شعبيا واسع النطاق، بآلة عنف مكبلة، واداء سياسي باهت، وصورة مهزوزة عالميا.

لعل التقديرات التي عندي تشير أولا، إلى أن الوضع في البحرين لم يبلغ أوجه بعد.. وأن القادم قد يحمل تصعيدات غير متوقعة.. بما في ذلك السير نحو نوع من العنف الأهلي، خصوصا إذا ما سجلت الحركة الشعبية نجاحات، بل بقدر ما تسجل انتصارات، بقدر ما تأخذ السلطات البلد للتطاحن الأهلي.

ومع ذلك، فمن المهم الإدراك أن النظام مازال يملك الجيش والداخلية والمخابرات والبلطجية.. وقطاعات لا يستهان بها من الجماعات الموالية… والأهم أنه يلق دعم الأقليم والغرب، فيما تبدو الحركة السياسية الرسمية المعارضة مترددة في الذهاب خطوة إلى الأمام في مواجهة النظام، علّ تحفظها يقود إلى  تقييد الجهاز الأمني العنيف.

إلى أين يتجه المسار، إلى الوضع الذي نحن عليه، لا قدرة للنظام على الحسم، ولا الشعب قادر ـ حتى الآن ـ على تحويل رؤيته السياسية وحراكه الشعبي السليم، وحزنه النبيل على ضحاياه، إلى حسم سياسي.

لذا، ودون أن أقع في التنظير، فإنه بدون أن يبدأ حوار منتج، وفق أطر وطنية جامعة، تهيئ له فرص النجاح، ربما يمكن أن تنطق من مقولات قد يراها البعض إيجابية وردت في خطاب الملك الأخير.. فإن البلد ذاهبة للمزيد من الاربكات التي تعمق النزيف الوطني، فمن دون إصلاحات مهمة وجريئة متوافق عليها لن يحصل أي طرف على الاستقرار.

المصدر: عباس بوصفوان: تكافؤ القوى يجمد وضع البحرين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة