abbasbusafwan@gmail.com

عباس بو صفوان: البلطجية واستعادة 14 فبراير للمبادرة السياسية والميدانية

حين تتحدث مع شخصيات سنية، سواء تلك الموالية للحكومة، أو المحسوبة على المعارضة، وأنا أتحدث يوميا معهم، فإن الشيء الذي يبدو محل اتفاق عندهم هو أن الفداوية/ البلطجية/ المسلحين غير النظاميين/ المسلحين المدنيين/ الميليشيات/ مجموعات الدفاع عن النفس(1) أو أي تسمية أخرى لهم، باتوا يحملون سلاحهم بأيديهم، ولديهم الاستعداد والقابلية لاستخدامه، حين يتقرر ذلك، بل وأصابعهم على الزناد بانتظار التعليمات الرسمية، أو نقطة الصفر، كما في التعبير العسكري.

اقول، حين يتقرر ذلك، لأن التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية التي ظهرت أبان فبراير وابريل الماضيين، وقد تظهر الآن بشكل أكثر جلاء، كانت تدار بواسطة الجهاز العسكري والمخابراتي الرسمي، والدلائل حول ذلك كانت ومازالت جلية لكل محايد ومتتبع للمشهد السياسي والميداني.
مذكرا هنا بمقولة ولي العهد الشهيرة، الذي نقلته عنه ويكيليكس: الشيعة أكثرية، لكن السنة تملك السلاح. وشخصيا سمعت مثل هذا المعنى من عسكريين بحرينيين في مواقع مرموقة.

وإذ أشير إلى الشخصيات السنية، كشاهد عيان أعلاه، فلأنها تدرك أكثر من غيرها المشهد السني والموالي وتعقيداته وارتباطاته، التي تجعله، عموما، حريصا، كآل خليفة، عموما، على استمرار الوضع الراهن (انظر مقالتي في مرآة البحرين: وإذ يحتضن الفاتح الحوار).
ويعمل الكثير من أبناء الأسر السنية في أحد الأجهزة الأمنية والعسكرية. وفي حالة النفي، فإن زملاء أو أصدقاء العائلة يعملون في هذا القطاع، المتضخم والكبير. لذا فإنهم مصدر جيد للمعلومة والتحليل.

وبالنظر إلى القدرة الهائلة التي أظهرها جماهير 14 فبراير على امتصاص الضربة الأمنية غير المسبوقة وتبعاتها.. بل والقدرة الفائقة على استعادة المبادرة السياسية والجماهيرية، كما بدا ذلك خلال الأسابيع القليلة الماضية فإن ذلك يضع السلطة في موقع رد الفعل، سياسيا وأمنيا، داخليا وخارجيا.. تلجأ معه تلقائيا إلى أدواتها “القذرة” للصراع، ريثما يتسنى لها اتخاذ خطوات أكثر “رسمية”.

ودون شك، فإن البلطجية والفداوية، من بين أهم الأدوات القذرة للنظام، كونهم ينفذون الأوامر الرسمية دون التزام بالضواط القانونية والأخلاقية التي يفترض أن يلتزم بها الجيش والشرطة النظامية.
بيد أن الجانب الأهم من ذلك، هو القدرة المحدودة على محاسبة الفداوية والبلطجية على أفعالهم، حين يتقرر، لسبب أو آخر، إجراء تحقيقات لأي انتهاكات حدثت لحقوق الانسان.
ورغم إني لست متابع بالدقة للتحقيقات التي تجريها لجنة بسيوني للأعمال المشينة والقذرة التي قام بها الفداوية، وكذا لست متابعا بالدقة للتوثيقات التي تمت بهذا الشأن، فإنه يمكنني القول إن فرصة الأفراد غير النظاميين والبلطجيين للتهرب من المساءلة عن أفعالهم المجرمة قانونا تبدو أكثر من قدرة أفراد المؤسسة النظامية، بالضرورة. وهؤلاء أصلا قدرتهم كبيرة على الفرار من العقاب، بل إن مقاضاتهم حتى ولو شكليا تبدو استثناء.. وخيار ترقيتهم وحمايتهم هي القاعدة.
وبالنظر إلى التقييد النسبي الذي مازال مفروضا على العسكر البحرينيين للقيام بعمليات عنف كالذي مارسوه أبان إعلان قانون الطوارئ، فإنه يفترض التنبه إلى احتمالات اتساع استخدام الميليشيات في الفترة المقبلة.

صحيح أن قوات الشغب مازالت عنيفة وقاسية، وستستمر، لكن حين مقارنة أدائها في هذه الفترة، مقارنة بما كان بين منتصف مارس ونهاية مايو الماضيين، سيتضح ما أعنيه من نسبية العنف، الذي يظل مدانا، ودليلا على مدى ايمان النظام بالنظرية الأمنية لحل الإشكال السياسي في البلد.

وبالنسبة لي، فإن إحدى علامات الانتشار المرتقب للمدنيين المسلحين، هو عودة تلفزيون البحرين إلى نهجه المنحط بين منتصف فبراير ومايو الماضي حين سيطر بلطجيو الإعلام الرسمي على المشهد، بإدارة مباشرة من جهاز المخابرات، الذي يديره الزميل السابق خليفة بن عبدالله، الذي كان يرأس الإعلام الخارجي. ولي معه قصص ليس خطأ أن يعرفها الناس، إن تسنى الوقت لذلك.

وفي الواقع، إننا إزاء وضع شبيه بالربع الأخير من شهر فبراير الماضي، حين بدأ تلفزيون البحرين يشن حربا على الاحتجاجات السلمية التي اتخذت من دوار اللؤلؤة مركزا لها.

تميز ذلك الوقت، بنمط حكومي فوضوي، وغير متسق مع أي قانون أو ضوابط قيمية. لقد أصبح القانون تحت أرجل المتشددين. ورغم أن ذلك قد يعتبر علامة نصر لجماعة المؤمنين بخيار “الأمن أولا” داخل الأسرة الحاكمة، فإنه عنى رسميا انتهاء الدولة كمؤسسات وقيود، حتى بالشكل المتواضع والهش الذي كان يحكم البلد قبل انطلاق أحداث 14 فبراير الحاشدة.

في ذلك الوقت، وكما يبدو الوضع الآن إلى حد كبير، بدأ البلطجيون في الإعلام الرسمي، بشن حرب تفتقد إلى أدنى درجات الالتزام المهني والأخلاقي ضد خصومهم، مستخدمين عبارات تتنافى والمتعارف عليه حتى في الإعلام الرسمي المحافظ، حتى بشكله الرث والمغرق في الكلاسيكية.

لقد تم وصم كل جماهير 14 فبراير بأوصاف مجرمة قانونيا، كجزء من حملة أوسع استهدفت الجماعات المحتجة المطالبة بالديمقراطية، على نحو أجبر السلطات على تشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى في محاولة تظل متواضعة لإعطاء مساحات بياض في سجل الحكومة الأسود في مجال حقوق الانسان.

ومع ذلك، لا ينسى بلطجيو الإعلام الرسمي الدعوة للحوار، وهي عبارة تعني عادة الرضوخ لعائلة آل خليفة التي تدير البلد منذ 230 عاما مستأثرة بالقرار السياسي والثروة القومية.

الإعلام الرسمي الكريه، والبلطجيون القذرون، خطوتان حكوميتان اتخذتا ضمن سلة من الإجراءات القمعية الأخرى، التي أعقبها إعلان قانون الطوارئ، المطبق حاليا دون إعلان.

خيارات النظام فيما أظن حاليا قد تكون زيادة مساحة البلطيجة في الميديا والميدان وأماكن أخرى.. لكن ذلك لن يفك النظام من أسر جماهير 14 فبراير الحية والحيوية، والتي فقدت “كل شيء”، وكل ثقة في قيادة النظام، يجعلها تمضي بلا تردد في طريقها.

على أن هنالك أمرا جوهريا مازال يقيد السلطة وأجهزتها العنيفة وبلطجيتها المتحررين من الضوابط، ويشكل ضغطا هائلا على النظام دوليا: إنها سلمية الاحتجاجات، وهو قيد مازال شباب شباب 14 فبراير يدركون أهميته الاستراتيجية والاستثنائية. كما تدرك السلطة ذلك، لذا فإنها كانت ومازالت، وعلى لسان وبجهود رأس الدولة مباشرة، تشتغل على جر البلد للعنف والنزاع الأهلي، ذلك أنه في الساحة الأمنية يمكن للسلطة أن تنتصر، أما في الساحة السياسة فقدرة الشعوب على الانتصار أزيد.

المصدر: عباس بو صفوان: البلطجية واستعادة 14 فبراير للمبادرة السياسية والميدانية

 

انشر وشارك

مقالات ذات صلة