abbasbusafwan@gmail.com

قطر والبحرين.. الود المفقود!

المفاجئ في إعلان السلطات البحرينية القبض على جماعة معارضة تحت مسمى خلية إرهابية هو زج اسم قطر في الموضوع، والإدعاء أن الدوحة قبضت على أفراد خلية تخطط لتفجير جسر البحرين السعودية وسفارة الرياض في المنامة.

تقليديا، لا يتبادل النظامان البحريني والقطري الود. ورغم أن قطر غضت الطرف عما يجري في ربيع البحرين؛ رغم ما يبدو من كونها في مقدمة الجهاز الرسمي العربي الداعم للربيع العربي أو بعضه، فإن النظام البحريني لم يقدر ذلك، وظل ـ كما هو دائما ـ ينظر الى قطر بـ “استصغار”، وبعيدا جدا عن الدبلوماسية المفترضة بين جارين شقيقين.

القصة طويلة ومعقدة، وعادة ما يزج باسم قطر دعما للمعارضة! وقد وجه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة اتهاما مباشرا إلى دولة قطر بأنها تقف خلف مجموعة “إرهابية” هدفها قلب النظام، وأن إيران ليست لها علاقة بما سماها مجموعات الفتنة.

اتهام الملك حمد “العلني” لقطر ورد قبل نحو أربعة أشهر من اندلاع الربيع العربي، ونحو ستة أشهر على انطلاق ربيع البحرين، وبالتحديد في الثامن من رمضان (قبل الماضي) 1431 هجرية، الموافق 18 أغسطس 2010، وذلك في مأدبة إفطار رمضانية يقيمها سنويا، وحضرها كبار المسئولين في المنامة، من بينهم أفراد من العائلة الحاكمة، ووزراء، وأعضاء من البرلمان، وعلماء دين.

المجموعة “الإرهابية” التي يشير إليها الملك البحريني ضمت 23 ناشطا بحرينيا تم اعتقالهم في منتصف أغسطس 2010، بتهم الانقلاب على النظام، من بينهم الناشط عبدالجليل السنكيس ورجل الدين محمد حبيب المقداد، إضافة إلى ناشطين اثنين كانا موجودين حينها في لندن، ولم يتم اعتقالهما، وهما القيادي في حركة حق حسن مشيمع، ود. سعيد الشهابي الرجل الأول في حركة أحرار البحرين.

وتم الإفراج عن المجموعة المذكورة في فبراير الماضي، إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة الحاشدة، وأعيد اعتقالهم بعد فض الاعتصام “بالقوة الغاشمة”، وفق تعبير الرئيس الأميركي باراك أوباما.

لم تنشر ادعاءات الملك تلك في وسائل الإعلام الرسمية، بيد أنها انتشرت على نطاق واسع نسبيا، وسمعها الحضور، الذين تفاجئوا من اتهام الشيخ حمد لدولة خليجية بهذا الوضوح، وبدت المفاجأة مضاعفة حين حث ملك البحرين المعارضة البحرينية على الدفاع عن البحارة المحتجزين في قطر، حينها.

في ذاك الوقت، كان صياد بحريني، يدعى عادل الطويل، أصيب بطلق ناري قطري، في مايو 2010، وبررت السلطات القطرية إطلاق النار عليه لكونه لم يستجب لدعوتها بالتوقف وهو في المياه الإقليمية القطرية، وقد عاد الطويل للبحرين في سبتمبر 2010، بعد أن عولج في الدوحة.تحولت حادثة الطويل إلى قضية رأي عام في البحرين، وناشدت الوفاق حينها السلطات القطرية الإفراج عن جميع الصيادين البحرينين.

وتتشدد الدوحة في دخول البحارة البحرينيين إلى مياهها الاقليمية، فيما يخاطر هؤلاء بدخول هذه المياه التي انتقلت سيادتها إلى قطر بناء على حكم أصدرته محكمة العدل الدولية مطلع الألفية، أكد تبعية جزر حوار للمنامة، وأعطى قطر فشت الديبل وحدودا بحرية غنية بالأسماك.

ورغم أن هذا الموضوع يبدو ثانويا في الحدث الراهن، فإن خلفيات الصراع بين الدوحة والمنامة تطل برأسها دوما في الحدث الداخلي البحريني.وجهت السلطات لمجموعة الـ 23 تهمة “تأليف شبكة تنظيمية تهدف الى تغيير نظام الحكم بوسائل غير مشروعة”، وهي تهمة كلاسيكية في تاريخ المخابرات البحرينية، التي تكاد تهم الإطاحة بالنظام تتكرر في العام ثلاث مرات، كجرعات حبوب البندول! ولا يوجد في ذلك مبالغة بالمناسبة.وقد تم اعتقال السنكيس ورفاقه بعد يوم واحد من تهديدات ملك البحرين لما أسماهم المحرضين أثناء لقائه مع عدد من العسكريين.

وعاشت البحرين حينها مرحلة خطيرة من تراجع الحريات، ولم تكسرها ـ مؤقتا ـ إلا اندلاع حركة احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ البحرين في 14 فبراير الماضي.

كلاسيكيا توجه الاتهامات لإيران إزاء أية حوادث ذات طبيعة سياسية في المنامة، لكن الملفت أن اية اتهامات لطهران لم ترد على لسان مسئولين بحرينيين بشأن الادعاءات الموجهة للناشطين الـ 23.
كان لافتا، أن توجه الاتهامات صوب قطر دون أن تعلن رسميا، لأسباب عدة، أبرزها أنه ليس هناك تنظيم ارهابي أصلا! بل جماعات سياسية وعلنية ترفض دستور 2002، غير المتوافق عليه، وتدعو لكتابة دستور جديد، وهو المطلب الذي رفعته عمليا حركة 14 فبراير.لم يكتف النظام البحريني بعدم اتهام ايران حينها (الربع الأخير من عام 2010) في قضية الـ 23، بل إن “جهاز الامن الوطني (الاستخبارات) “نفى وجود أي علاقة بين الناشطين الشيعة الموقوفين وايران”.

ونقلت وكالة أنباء البحرين الرسمية عن مصدر في جهاز الأمن الوطني قوله أن “ما تردد مؤخرا في بعض وسائل الإعلام من وجود ارتباط بين الشبكة التنظيمية التي تم كشف وضبط عناصر متورطة بها، وما يسمى مجموعات مسلحة وخلايا نائمة تستعد للتخريب في دول خليجية في حال تعرضت الجمهورية الاسلامية الايرانية لضربة عسكرية، عار من الصحة وليس له اساس”.

في خضم تلك المعركة، “رحب الملك حمد بن عيسى آل خليفة بدعوة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمود أحمدي نجاد لجلالته لزيارة طهران، مشيراً إلى أن الزيارة سيكون لها مردود مثمر لتعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين.

بعدها بأيام، وفي مقابلة مع صحيفة الحياة، “رفض وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة بشدة اتهام طهران بدعم ناشطين يحرضون على عمليات إرهابية وتخريبية”. وقال الوزير: مجموعة الـ 23 “اتهموا بالتحريض على عدم الاستقرار وارتكاب أعمال إرهابية. إنهم تلقوا تعليمات في إحدى دول المنطقة وتلقوا أموالاً، و لا شك أنهم تدربوا في دول في المنطقة”.
وإذ ينفي الوزير والجهات الحكومية ضلوع إيران، فمن هي هذا الدولة إذا؟
داخليا، اتخذت السلطات الأمنية، التي كانت على الدوام صاحبة المبادرة السياسية في المنامة، جملة من الإجراءات التعسفية: أغلقت الموقع الالكتروني لكبرى جمعيات المعارضة: الوفاق، وجمعيات سياسية أخرى.كما تم تجميد نشاط الجمعية البحرينية لحقوق الانسان، وبدا وكأن البلد يسير نحو المربع الأمني فعلا.
شنت المنظمات الحقوقية حملة ضد الحكومة البحرينية، لاعتقالها ناشطي رأي، فيما ظهرت السلطة وكأنها قادرة على لجم الحراك الوطني، واختارت الوفاق المضي نحو انتخابات نيابية حصدت فيها 18 مقعدا، بالنظر إلى اقتناع  جمهورها بأن الضربة الأمنية واعتقال الـ 23 ناشطا هدفه النيل من المعارضة الوطنية.
بعد أسابيع من ذلك، غادر الرئيس زين العابدين بن علي تونس هربا من ثورة فاجأت التونسين والعالم، وأطاح المصريون بالرئيس حسني مبارك، وخرج البحرينيون ـ الذين كانوا مشحونين أصلا ـ في تظاهرات عارمة، وبأعداد غير مسبوقة، رافعين شعارات غير مسبوقة أيضا، تتلخص في تقليص نفوذ عائلة آل خليفة وتحويلها من عائلة حاكمة إلى ملكية، وذات سلطات رمزية.

بدت السلطة البحرينية عاجزة عن رد التظاهرات، حتى بالقوة التي قتلت في يوم واحد (17 فبراير 2011) أربعة مواطنين عزل وجرحت أكثر من 300 آخرين.
حرّكت السلطات المخاوف من حرب أهلية، وأشاعات أنها مستهدفة خارجيا من دولة لم تسمها، واستنجدت بقوات السعودية التي دخلت المنامة تحت راية قوات درع الجزيرة، منتصف مارس الماضي.

وثائق ويكيليس تشير إلى أن “السلطات البحرينية لم تقدّم أي دليل حسّي على وجود لحزب الله أو خلايا نائمة مرتبطة بإيران” في البحرين، فيما أكد المسئولون الأميركيون مرارا أن الحدث البحريني ذا دوافع محلية، ويرد اسم إيران بخجل في التصريحات الرسمية الأميركية المرتبط بانتفاضة 14 فبراير، وما قبلها وبعهدها من حراك، بالنظر إلى الإدراك المتنامي لدى واشنطن بحقيقة الأوضاع الداخلية المتأزمة في المنامة.

وربما تفسر وثائق ويكيليس الرؤية الرسمية البحرينية لقطر: “في وثيقة تحمل الرقم 06MANAMA1846 بتاريخ 11/1/2006، مصنّفة سرّية، يشتكي الملك حمد من أنّ قطر تصبح ستاليت إيراني، وأن سلاح الطيران القطري لديه أكثر من 80 قبطاناً إيرانياً، والمستشفيات القطرية مزوّدة بطواقم طبية إيرانية، وقد أقامت قطر مرفأً خاصاً للصادرات الإيرانية. ويشير إلى أن  قطر اشترتها إيران، فيما تبتعد عن السعودية.

إذا، موقف السلطات البحرينية من قطر ليس أفضل من موقفها من إيران، يغذيها ما تعتقده عائلة آل خليفة بأن قطر أو جزءا منها على الأقل، يفترض أن يكون خاضعا للحكم الخليفي، كون آل خليفة كانوا يقطنون الزبارة القطرية قبل أن يغادروها صوب البحرين في العام 1783م. ويزداد حنق آل خليفة بالنظر إلى الثورة الهائلة القطرية في النفط والغاز، لكن البعد الأساسي أن آل ثاني في نظر آل خليفة “أسرة ليست عريقة، ولم تكن معروفة قبل 30 عاما، وصارت حاكمة بالصدفة”. ويقول أحد أفراد عائلة آل خليفة لكاتب هذه السطور: “آل ثاني محظوظون بحكم قطر، وكان يتوجب على الأجداد أن لا يغادروا الزبارة كليا” إلى البحرين التي كانت مغرية وجزرا مليئة بالخضرة والماء وسط صحار قاحلة.

واتخذ الإشكال القطري البحريني في الثمانينات بعدا عسكريا. وفي التسعينات شكت قطر البحرين في محكمة العدل الدولية التي ثبتت جزر حوار للبحرين والزبارة لقطر. مع ذلك، فإنه يصعب على البحرين القول إن قطر تقف وراء ثورة 14 فبراير، فضلا عن أن ذلك لا يبرر تدخل عسكري سعودي. كما وجدت السلطة البحرينية ـ في البداية ـ صعوبة في توجيه أصابع الاتهام لإيران بأنها تقف وراء أحداث 14 فبراير التي اندلعت بعد ربيع تونس ومصر.

لم يرد على لسان ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة أي اتهام لإيران بأنها تقف وراء الاحتجاجات، كما لم يسجل على لسان رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة تصريح واحد عن وجود ضلع لإيران في الحدث البحريني غير المسبوق، وتحدث الملك في كلام عام جدا من أن “مملكة البحرين أفشلت مخططا خارجيا عمل عليه لمدة لا تقل عن عشرين أو ثلاثين عاماً استهدف البحرين حتى تكون الأرضية جاهزة لذلك”، والأرجح أن الشيخ حمد يقصد بذلك إيران، لكنه لم يسمها.

لكن مسئولين رسميين آخرين بدأوا الحديث عن إيران منذ بدا أن مارد 14 فبراير قد يصعب ردعه دون بروباغندا تخويفية تستند إلى البعد المذهبي والقومي. وتبدو إيران أفضل المبررات لتسهيل ضربة أمنية للمحتجين وبدعم اقليمي.
إيران وقطر ستظلان شماعة للسلطات البحرينية لرمي الإخفاقات الداخلية في احتواء المعارضة التي باتت تطالب بالحكم صراحة، وليس الشراكة فيه. فمنذ الثمانينات تشتكي البحرين من تدخل إيراني، وفي التسعينات، بدا أن الإشكال القطري البحرييني حول جزر حوار مدخلا كي تقول المنامة أن الانتفاضة (1994 ـ 1999) المطالبة بإعادة العمل بدستور 1973، كانت بتدبير قطري.
ولا تكتفي البحرين بكسب عداء إيران، ولعلها تجد في ذلك تبريرا لزيادة قلق الغرب من الحراك الشعبي المتطلع للديمقراطية.

غير أن المنامة لا تتوانى عن الحديث عن قطر بلغة تفتقر إلى الدبلوماسية، إلى درجة يصعب تفسير ذلك إلا بغياب الحكمة، رغم أن قطر دعمت رسميا وإن بخجل الوجود العسكري السعودي في المنامة، ولجمت قناة الجزيرة العربية من الحديث عن ربيع البحرين.
وإذ تبدو قطر سباقة لدعم ربيع تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، فإن رئيس وزرائها النافذ حمد بن جاسم آل ثاني يبدو وكأنه لم يسمع عن بلد اسمها البحرين تعيش مأزقا سياسيا جديا، حتى بدا عكس ذلك في بعض تصريحاته الأخيرة.

لم تقدر حكومة البحرين ذلك، وراحت تجترح المشاكل مع قطر كلما أتيحت الفرصة ممكنة! وبعد بث قناة الجزيرة الانجليزية الفيلم الوثائقي “صراخ في الظلام”، في أغسطس الماضي، هاج وزير الخارجية البحريني: “‬من ‬الواضح ‬ان ‬في ‬قطر ‬‬من ‬لا ‬يريد ‬الخير ‬للبحرين، وما ‬الفيلم ‬المكيف ‬في ‬الجزيرة ‬انجليزي ‬إلا ‬خير ‬مثال ‬على ‬العداء ‬غير ال‬مفهوم”‬.

بيد أن الأخطر من ذلك هو ما كتبته صحيفة الأيام التي يملكها نبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك، كتبت أن “قناة الجزيرة إنما تلعب بالنار من خلال ما تبثه من أكاذيب ستؤثر على الخليج بشكل عام، وهو ليس أمرا سيصب في المصلحة الخليجية خصوصا وأن قناة الجزيرة تحركها أياد صهيونية خفية هدفها تمزيق الوحدة العربية والإسلامية”.

ومهما كان الفيلم مزعجا للقصر البحريني، فإن الافتقاد إلى ضبط النفس والبصيرة ميز دائما سلوك المنامة نحو الدوحة.
إن الافتقار لسياسة داخلية حصيفة، أنتجت ما شاهدناه من فيضان شعبي، مازال مستمرا رغم الضربات الأمنية المتتالية، والتي تعتمد فكرة “تجفيف الينابيع”، حين تمضي لاستهداف كل مقومات الحركة الاحتجاجية: تجار، طبقة وسطى، مهنيين.. وكل ما يمثل بنية تحتية لانتفاضة 14 فبراير.

ويفاقم من المشكل الداخلي تبني سياسية خارجية تلتزم عقيدة “حافة الهاوية”، وتضع بيضها فقط في سلة السعودية، وتعادي الاقليم بما في ذلك إيران وقطر والعراق، ولم تستطع كسب الكويت وعمان.
بل وتتعالى هذه السياسة على الغرب، وأميركا أيضا، وتُهيج شعب مصر بزيارة ملك البحرين للرئيس السابق حسني مبارك في سجنه.
ومع ذلك، فإن آفاق الانسداد الاقليمي يجعل السلطة البحرينية تحضر لإعلان مؤامرة خارجية جديدة! بدل الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها الذي صوت على ميثاق وطني في 2001 لتتحول البحرين إلى إحدى المكليات الدستورية العريقة، كما ورد في نص الميثاق الذي حظي بإجماع شعبي.

لابدّ أن تتذكر المنامة أن المحيط ما عاد يصدق ادعاء وجود ذئب خارجي يريد الانقضاض على حمل وديع.

المصدر: قطر والبحرين.. الود المفقود!

انشر وشارك

مقالات ذات صلة