abbasbusafwan@gmail.com

الشيخ علي سلمان لا يمكن إلا أن ينام وعينه مفتوحة، الوفاق أمام تحدي قبول الحوار

رغم كل شيء، لم تغلق جمعية الوفاق (كبرى جمعيات المعارضة) الباب أمام مشاركتها في الحوار “الوطني” المزمع مطلع يوليو المقبل. ما يعني أن كافة الاحتمالات معروضة على الطاولة، بما في ذلك المشاركة، نظريا على الأقل.

وحتى الآن، تمكنت الوفاق من الظهور في صورة الراغب في الحوار، لكن ليس أي حوار، وصورة كهذه تبدو ضرورية للغاية لمواصلة التخاطب مع المجتمع الدولي، أكثر منه مع الداخل الذي يعرف التفاصيل.

في الداخل، هناك الرأي العام المعارض الرافض للحوار بصورته الراهنة، وهناك الرأي العام الحكومي وتابعيه، وهو ـ في الغالب ـ يفترض سوء نية في مسعى الوفاق.
بيد أن الرأي العام الدولي، أميركا وأوروبا تحديدا، يبدو حساسا تجاه رفض مطلق للحوار، وربما يكون بعض هذا القطاع معاتبا للوفاق، حين بدت متمنعة لقبول دعوة غير محددة المعالم من طرف ولي العهد في فبراير الماضي.

في ذاك الوقت الاستثنائي، فإنه حين بدا أن مبادئ الحوار على وشك أن يتم التوافق عليها، اتصل الملك برئيس جمعية الوفاق، من خلال مبعوثي ولي العهد، الذين كانوا حينها مجتمعين مع قيادات الجمعيات السبع، وأبلغه أن القوات السعودية على الجسر، وأن الأمور باتت خارج سيطرة الحكم.

قبلها بيومين ردد ولي العهد على مسامع حاضريه أن القرار الأمني ليس بيده، وأن الأمور ستذهب إلى عنف مضاعف لما تم في الهجوم الأول على دوار اللؤلؤة في 17 فبراير الماضي.

وهذا ما تم بالفعل في 16 مارس حين قصف الدوار على مدى ساعات بمسيلات الدموع، حتى احترقت الخيام، وتم تفريق المعتصمين بالقوة، والذين كان بعضهم على علم بالهجوم، والجمعيات السبع أيضا على دراية.

ومع ذلك، تمكنت الحكومة من الادعاء بأن الجماعات المعارضة لم تقبل الحوار، مع أنها لم تعط فرصة لذلك، إذ بينما عرض ولي العهد المبادئ السبعة الشهيرة في مطلع مارس، ردت الجمعيات السبع على ذلك خلال ثلاثة أيام.

بيد أن السلطات كانت تروج أن شروط المعارضة المسبقة لدخول الحوار كانت عمليا حائلا دون انطلاقته، ولا أتحدث هنا عن إقالة رئيس الوزراء، فهذه صفقة كانت ممكنة، لكني أتحدث خصوصا عن شرط انتخاب مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، وهو الأمر الذي تعتبره السلطات، والملك تحديدا، هدما للنظام الدستوري الذي أصدره من طرف واحد في 14 فبراير 2002.

اعتبر الملك طلب تشكيل هيئة تأسيسية تحديا شخصيا له، وهو الذي تمكن بسهولة من نفض يديه من أية سيئات وأذى لحق بالناس إبان حقبة والده/ عمه (فترة حل المجلس الوطني والعمل بقانون أمن الدولة). وأعلن (الملك) جملة إصلاحات مطلع الألفية، لكنه وجد مهينا له أن يعترف بأن الدستور الحالي كان مؤديا لثورة 14 فبراير وهو منسوب له. لذا كرر أن أي تعديلات لا بد أن تمر عبر البرلمان الحالي، حتى لا يتم القفز على الشرعية.

القصة معقدة في الواقع، بما في ذلك البعد الشخصي للدستور، الذي يعتبره الملك ابنه، وهدمه يعني شرخ شرعيته. وربما يعقب ذلك سيرورة مضادة للحكم يصعب التحكم بها.

لقد كان ذلك المطلب (انتخاب مجلس تأسيسي) من المفاجأة وعلو السقف، وربما الغلو في نظر السلطة، بحيث لم يتمكن النظام حتى من التفكير فيه، لكن لنتذكر أن النظام اختار مباشرة قمع التظاهرات، في 14 و15 و17 فبراير، حتى قبل أن يستمع الى مطالب الناس، التي كانت آخذة في التصاعد يوما بعد آخر.

الاسطوانة الحكومية المضادة للمعارضة تقوم إذا على معطيين: معطى رفض الحوار، ومعطى الجمهورية، وهي اسطوانة يمكن أن تجد لها مشتريا موضوعيا.
دع عنك الاسطوانات الأخرى، التي لم تكن مقنعة: مثل فزاعة شيعفوبيا، أو التدخل الإيراني، أو عنف المتظاهرين، لقد اسقطت المعتصمون ذلك بجدارة.

في اللحظة الراهنة، تخلصت الوفاق من عبء الجمهورية، وتحاول إدارة ملف الحوار: رفضا، أو حتى قبولا، وفي الحالتين يتوقع أن تحدث تبعات ضخمة.
لقد ردت الوفاق بمهارة فائقة على الدعوة المثيرة التي أطلقها الملك مطلع الشهر الجاري، مع رفع قانون الطوارئ.

جاءت دعوة الملك فضفاضة، وردت الوفاق بنعم كبيرة، استقبلها الغرب إيجابيا، لكنها (نعم للحوار) جاءت متواكبة مع جملة لاءات حادة، يصعب لوم الوفاق في تبنيها، خصوصا إذا ما قورنت بشروط فبراير الماضي.

يمكن تلخيص اللات الوفاقية في أربع نقاط: قيادة ولي العهد للحوار، جدول أعمال يقوم على المبادئ السبعة التي أطلقها ولي العهد، التوافق على آلية اختيار الحضور وضبط آليات اتخاذ القرار، وتهيئة للحوار تقوم على إطلاق المساجين وقياداتهم وعودة المفصولين من أعمالهم وإيقاف تحريض الإعلام الرسمي.

وفي السياسة، حين تطلب شيئا ما، فإنك مستعد للتنازل قليلا عن بعضه، بيد أن الحكومة ردت برفض المطالب الأربعة: كلف الملك رئيس مجلس النواب بإدارة الحوار، واستبدل الجدول المقترح من ولي العهد بإطار آخر يقوم على “تشكيل حكومة أكثر كفاءة، وبرلمان أكثر فاعلية”.

وكذا تم رفض مطلب المعارضة في ضبط آليات الحضور واتخاذ القرار، وتم توجيه الدعوة لحضور 250 شخصية، يصعب القول أنهم قادرين الادعاء بتمثيلهم للشعب. إنهم عمليا أعضاء في مجلس حكومي، شبيه بمجلس الشورى، يفترض بهم مسبقا معرفة سقف الحوار: خطابا ونتائج.

والأهم، أن الحكومة استمرت في بناء أرضية تعزز من رفض جمهور المعارضة للحوار، باستمرار الاعتقالات والمحاكمات والفصل التعسفي وقمع التظاهرات السليمة والإعلام الباث للكراهية.

ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للعائلة الحاكمة التي ينقل القريبون منها أنها “زعلانة” و”شايله في خاطرها”، بل و”مجروحة”، بالتعبير الدارج، وبلغة السياسية شعرت أن ثورة 14 فبراير كانت تستهدف كسر احتكارها للثروة والسلطة، وكان ردها أن دون ذلك الدم، ومقابل نيل المعتصمين من رموز العائلة (الملك، رئيس الوزراء)، تم النيل من المقدسات (المساجد، القرآن الكريم، الشعائر الحسينية)، هكذا صراحة. كما سيتم مواصلة عقاب أهل الدوار في كل ما يخطر في البال حتى “يعرفوا حدودهم”.
ولأن السلطة تظن أنها ربحت المعركة العسكرية، فلها الحق في تحويله معطى سياسيا، وتردد ليل نهار بأن على الوفاق أن تقدم اعتذارا، أو شبه اعتذار.
بيد أن ذلك لم يكن حائلا دون أن توجه السلطات دعوة للوفاق لحضور الحوار، وهي التي تعرف رقمها الجماهيري، وإن ادعت حضور 11 ألفا فقط في تجمع سترة الحاشد يوم الجمعية الماضي، الذي حضره أضعاف هذا الرقم.

بيد أن السلطة، مازالت تعتبر غياب الوفاق مكسبا، وحضورها ليس بالأولوية، حاليا على الأقل، ريثما تعاد هيكلة ما يسمى “تطوير الإصلاح”، انطلاقا من الحوار الأعرج المزعوم.

أمام كل هذه التعقيدات، تجد الوفاق نفسها في وضع لا تحسد عليه: لا يمكن قبول حوار بات مؤكدا أنه غير مضمون النتائج، وقبوله يعني الاستسلام فعليا، حتى من دون تقديم اعتذار خطي أو لفظي.

ولكن، حتى في هذه الحالة، وفيما جمهورها مستهدف على الهوية في نفسه ورزقه وعرضه ومقدساته، وصوته يعلو يوما بعد يوم لرفض الحوار، فإن الوفاق لا يمكنها أيضا إهمال خيار المشاركة في الحوار، وإذ تدرس قيادتها ذلك بإمعان، فإنها تجد صعوبة في التنظير له.
ترى بعض الأصوات أن تخفيف الخسائر تستدعي التفكير في طريقة ما لحضور الحوار. ويقول هؤلاء إن لم نتمكن من المشاركة للحوار، فعلى الأقل نساعد في إنجاحه بطريقة أو أخرى.

ويستند الداعون لدخول الحوار إلى تجربة برلمان 2006، التي وإن لم تحقق الكثير تشريعيا ورقابيا، فإنها على الأقل “عرت” دستور 2002، وساهمت في جعل “الوفاق” أقوى أمام السلطة، حين استقال أعضاؤها من البرلمان لحظة قمع جماهير 14 فبراير.

هذه المشاركة نفسها يراها منتقدوا الوفاق (من الممانعة) مضرة بحراك المعارضة وجهودها في اسقاط دستور 2002، ويراها آخرون ضرورية، بل حاسمة، كي تقول الوفاق، وهي تطالب بتصحيح الوضع دستوريا وبشكل جوهري، أن المشاركة في البرلمان الحالي لا تمكن من الفعل التشريعي.

وفي كل الأحوال، يقول الجميع أن الحالة الراهنة ليست 2002، أو 2006، حين كانت المعارضة تتلمس توا خيارات النظام الجديد وسياساته، التي اتضح بلا يدع مجالا للشك وجهها القبيح.

واحد من الأمال عند الوفاق بأن تكون المشاركة في الحوار ـ إن حصلت ـ حافزا للحكومة كي توقف استهداف الناس على الأقل، والإشكال هنا أن لا ضمانات على ان ذلك سيتحقق.

وهنا يتم العودة إلى 2001 ـ 2011، وحتى بمشاركة الوفاق في البرلمان، اعتمد النظام سياسات شاملة، كاسحة، وغير مسبوقة لإقصاء المعارضة وعموم الجماعات الشيعية من هيكلة اتخاذ القرار، بل واستهدافها في كل مناحي الحياة، كونها “الخطر الاستراتيجي”، كما يرى الحكم في صورته التي تبلورت في 2002.
ومع ذلك، تدرس الوفاق إلى أين تتجه الثورة الحالية، والتي لا تجد تفهما أميركيا، في وقت يعطي الأميركي الضوء الأخضر لقمعها، عكس ما تروج الدعاية السلفية.
فيما الاقليم يرجح كفة السلطة، خصوصا و”الشقيقة الكبرى” غارقة حتى أذنيها في الدم البحريني، و”السعودية وإسرائيل وفق النقد”، كما يقول روبرت فيسك.
ولا يبدو العراق وإيران الداعمتان لمطالب المعارضة في وارد الذهاب اكثر من المدى الحالي: نقد السلطة سياسيا، ودعم إعلامي للمعارضة، وذلك لا يغير معادلات.
تدرك الوفاق صعوبة الوضع. وحتى لو اختارت الحوار، لا تبدو السلطة ترحب باحتضانها شريكا في القرار، كما كانت تدعي في 2002، و2006.
ويصعب من وضع الوفاق أن شركاءها في المعارضة، خصوصا وعد، ذاهبون للحوار، فيما زعماء عدد من التجمعات السياسية في المعتقلات.

وفي المقابل، يجد الشيخ عيسى قاسم، المرجعية الدينية للشيعة في البحرين، والشيخ علي سلمان نفسيهما مسئولين مباشرة عن مآلات ثورة 14 فبراير، حتى وإن خرجت بعض فعاليتها عن السيطرة، فالإضافة إلى موقعيهما الديني والسياسي، فإن احتضانهما للحركة السلمية منحها زخما مختلفا، على نحو لم يدركه بعد بعض أطياف 14 فبراير، وهذا هو تحديدا ما يجعل الشيخين في وضع ملتزم بشعارات الثورة، ومطالبها في الإصلاح، ولهذا السبب نفسه، يواجهان حربا ضروسا من السلطة، كما هو واضح للعيان.

إن التزام الشيخين الكبيرين بجماهير ومطالب 14 فبراير مازال قادرا على ضبط إيقاع المعادلة الشعبية السلمية في وجه الآلة العسكرية والإعلامية السلطوية.
لذا، لن يجد جماهير 14 أنفسهم لوحدهم، خصوصا إن أدركوا أن كبار الأمة هذه المرة يخوضون المعركة معهم مباشرة.
ودون شك، نتنظر الوفاق لحظة ورود أي تطور للقفز إلى الحوار، باعتبارها مؤمنة به خيارا للإصلاح، ولا أظنها تخفي خشيتها من أن هذا التطور لن يحصل.
وسواء حصل هذا التطور أم لا، لا يمكن لأمين عام الوفاق إلا أن ينام وعينه مفتوحة.

المصدر: الشيخ علي سلمان لا يمكن إلا أن ينام وعينه مفتوحة، الوفاق أمام تحدي قبول الحوار

انشر وشارك

مقالات ذات صلة