abbasbusafwan@gmail.com

حتى لا يتكرر المشهد

“لم يحدث تطور جوهري منذ العام 2001″، هذه خلاصة ما ذكرته رئيسة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سبيكة النجار في مؤتمرها الصحافي الذي عقدته الأسبوع الماضي، لتدشين تقرير الجمعية للعام ،2004 وهي خلاصة شبيهة بما عبر عنه المدير الإقليمي لبرامج الشرق الأوسط في معهد NDI لزلي كامبل، حين قال إبان زياته البحرين في أبريل/ نيسان الماضي إن “الجدل السياسي ظل كما هو منذ زرت المملكة في 2002”.

هاتان الخلاصتان تبدوان معبرتين عن واقع الحال. وإن شئتم فإن عدم التقدم هو تأخر في جوهره، مادام الآخرون يتقدمون والوقت يمضي، أو هكذا يفترض. بيد أنه قد يمكن تفهم حال التذبذب، في مرحلة انتقالية كالتي تعيشها البلد، والمحاصرة بماض مليء بما هو باعث على التشاؤم، يكبل الحركة نحو المستقبل، بل ويقودها أحيانا.

وبالعودة إلى الإشكال الدستوري الذي سببت سيادة شعار “محلك سر”، يمكن القول إن الحكم كان واضحا في خياراته منذ العام 1975: لا يمكن العودة لدستور 1973 الذي يعطي مساحة أوسع للناس، على حساب السلطات، ولم يكن قانون أمن الدولة إلا الشماعة التي علق عليها الانقلاب الدستوري.

وسياسيا، لا أعرف إلى أي مدى يمكن القول إن الصفة التعاقدية لدستور 1973 انتفت برفض الحكم له، بيد أن الواقع العملي يقول ذلك. فالدستور أعده برلمان نصف منتخب، وأصدره الأمير الراحل، الذي رأى لاحقا أن هذا الدستور غير مقبول، ويكبل السلطة بما لا تطيق، فعلق أهم مواده.

نظريا وقانونيا، لا يصح أن يتخلى طرف من جانب واحد عن تعاقد أبرمه مع طرف ثان، بيد أن الواقع ربما كان يقتضي منذ زمن مناقشة الأزمة الأعمق المتمثلة في ضعف الثقة بين الحاكم والمحكوم، والتنازع على الصلاحيات، وليس التركيز على قانون أمن الدولة المعبر عن الأزمة، لا جوهرها.

مطلع العام ،2001 وجد الحكم فرصة مؤاتية للخروج من عنق الزجاجة الذي كانت تمر به البلد منذ منتصف التسعينات، وإذا كان الأمر ماسا بالكرامة عند الإقرار بالسياسات الخاطئة التي كانت متبعة قبل مارس/ آذار ،1999 فإنها انتفت بتولي ملك جديد السلطة لم يكن يحظى بصلاحيات واسعة حين كان وليا للعهد، ولم يكن يتحمل تبعات الماضي بالدرجة الأولى.

ولأن الحفاظ على الاستقرار كان هاجسا طاغيا، اختير التدرج منهجا للتغيير، فلم يكن في ذهن الملك الجديد إحداث انقلابات دراماتيكية في الحياة السياسية، تطيح الماضي عن بكرة أبيه، وربما تؤدي إلى “انفلاش” الأوضاع.

بدأ التغيير رويدا رويدا في عامي 1999 و،2000 ليتحسس الأرضية، وأحدث نقلة نوعية في فبراير/ شباط ،2001 حين قرر إغلاق الملف الأمني، وفتح باب للعمل السياسي، يمكن أن يتسع أو يضيق ضمن التوافقات والتحالفات التي ستبنى. وفي ذهن السلطات، حين وقع الناس “الميثاق”، إصدار دستور جديد يعلن التخلي عن دستور 1973 رسميا، بعد التخلي عنه عمليا منذ منتصف عقد السبعينات، إيذانا بدخول مرحلة سياسية جديدة.

إصدار دستور جديد، وهو الإجراء الذي اتخذه الحكم من طرف واحد، ربما بإدراك، وربما من دون توقع لحجم ردات الفعل، وضع حدا لمظاهر التوافق التي سادت البلد عاما كاملا، مع أنه كان بالإمكان التوصل إلى صيغ دستورية توفر للحكم تطمينات كالتي أقرها دستور ،2002 من دون أن تجعل المعارضة تنكفئ، ليعاد صوغ التحالفات لصالح المحافظين.

قراءة المعارضة النصية واللحظية للحدث الدستوري، جعلها تختار الإصلاحيين في الحكم خصما. ولعل قراءة سريعة للدستور، توضح أن من بين الأهداف لإجراء التعديلات الدستورية، هو إعادة هيكلة السلطات ليكون الملك “وليس رئيس الوزراء كما في دستور 1973” “مهيمنا” على زمام الأمور… وهذه السياسة تواصلت فيما بعد، وربما إحدى تجلياتها زيادة صلاحيات مجلس التنمية الاقتصادية على حساب مجلس الوزراء في بعض القضايا، في حين يتذكر كثيرون أن مجلس التنمية كان على هامش الفعل السياسي، في بداية تولي ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رئاسته.

في جانب من الجوانب، وعلى المستوى العملي، فإن من بين نتائج دستور 1973 هو التصادم بين السلطات، والتدهور الأمني، ومزيد من احتكار السلطة، والاستئثار بثروات البلد، وتفاقم المشكلات من كل صنف، لأن التوافق اختل بسبب رفض طرف له، ولا يفيد الكلام كثيرا هنا من أن السلطات كانت مخطئة في نقض العقد من طرف واحد.

وعمليا، فإن المشهد يمكن أن يتكرر خلال السنوات المقبلة، في ظل عدم التوافق على دستور ،2002 إذا لم يدرك الجميع قيمة الاستقرار السياسي، والتوافق الدستوري. ويبدو أن أرضية ذلك غير منعدمة إذا ما تطلعنا إلى الغد

العدد 1031 – الأحد 03 يوليو 2005م الموافق 26 جمادى الأولى 1426هـ

المصدر: حتى لا يتكرر المشهد

انشر وشارك

مقالات ذات صلة