abbasbusafwan@gmail.com

دراسة لـ’مركز البحرين للدراسات في لندن’: التعديلات الدستورية رسخت الأزمة.. والحل في تغييراتٍ على مضمون الدستور


مرآة البحرين (خاص):
 خلصت دراسة حديثة إلى أن التعديلات الدستورية التي أقرها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في 3 مايو/ايار الحالي رسخت الأزمة السياسية ـ الدستورية في البحرين، مشيرة إلى أن “حجر الزاوية لأي تسوية يكمن في التغييرات التي يجب أن تطرأ على الدستور نفسه”.

وتوضح الدراسة الصادرة عن “مركز البحرين للدراسات في لندن” تحت عنوان “البحرين: تعديلات دستورية “هشة”.. تكرس الأزمة”، وهي من إعداد الصحفي عباس بوصفوان أن “التعديلات الدستورية أبقت على صلاحياته (الملك) شبه المطلقة، وهذا حكم باستمرار الأزمة الراهنة، في ضوء مطالب المعارضة بتقليص صلاحيات الملك، وصولا إلى صيغة “يملك ولا يحكم

وتذكّر الدراسة بأنه منذ العام 1975 استمرت الأزمة الدستورية تعبيرا بارزا عن الخلاف السياسي بين أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين والجماعات السياسية المعارضة، مشيرة إلى أن “معدل الاحتقان زاد مع هبوب رياح “الربيع العربي” على تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا، حين بدا أن المطلوب شعبياً كتابة دستور جديد من قبل مجلس تأسيسي منتخب، كما أن الدولة رأت في ذلك تهديدا لنفوذها فقررت قمع الاحتجاجات”.

ويطرح مراقبون جملة من الأسئلة عن “مضامين التعديلات الدستورية ومدى مقاربتها لمطالب المعارضة الداعية للإصلاح السياسي والدستوري، تتمحور حول إشكالية الآلية في إقرار التعديلات الدستورية؛ وموقف القوى المحلية المختلفة، والقوى الإقليمية والدولية من التعديلات، وكذلك قدرة التعديلات الدستورية على الخروج بالبلاد من الأزمة.

وبشأن مضامين التعديلات الدستورية ومدى مقاربتها لمطالب المعارضة، تلفت الدراسة إلى أن “التعديلات الدستورية أجريت على 20 مادة من مواد دستور 2002، المختلف بشأنه، وتلفت إلى أن “الخطاب الرسمي يلح على أن هذه التعديلات استجابت إلى نداءات التغيير التي رفعها المحتجون في دوار اللؤلوة، وتعاطت بإيجابية مع مطالب المعارضة في الإصلاح الدستوري والسياسي”.

وتضيف الدراسة أن من أبرز التعديلات التي تعتبرها السلطة مهمة وأساسية هي الاضافة التي تمت إلى المادة 46 والمتعلقة باشتراط موافقة مجلس النواب على برنامج الحكومة كي يتم اقراره، وإلا اعتبرت الحكومة في حكم المقالة برفض برنامجها”، فـ”أهمية هذا التعديل، بحسب السلطة، يأتي بافتراض أنه صيغة تتعاطى مع مطلب المعارضة بأن يكون من حق الكتلة الأكبر في البرلمان اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة”.

ورفض برنامج الحكومة وتلقائيا إقالتها، تضيف الدراسة، يتحقق بحسب النص الجديد (المادة 46)، في حال: تم رفض البرنامج من قبل ثلثي أعضاء مجلس النواب،  أن يكون هذا الرفض مرتين متتاليتين: المرة الأولى في خلال ثلاثين يوما من تقديم البرنامج، وفي المرة الثانية خلال واحد وعشرين يوما، بعد أن يتاح للحكومة إجراء تعديلات على برنامجها، أخذا بالاعتبار ملاحظات النواب التي أبدوها في المرة الأولى.

وتؤكد أنه “في حالة تم رفض البرنامج مرتين يتوجب على الملك قبول استقالة الوزارة، فيما يكون “للملك أن يحل المجلس أو يقبل استقالة الوزارة ويعين وزارة جديدة”، لكن في حال لم يتم الرفض عُدَّ البرنامج مقبولا، وكأن الحكومة بذلك تنال ثقة المجلس المنتخب من دون أن يقبل الأخير برنامجها، ذلك أن المطروح ليس نيل البرنامج الحكومي لثقة المجلس النيابي كي تنال الحكومة الثقة، وإنما رفضه كي تعد الحكومة (مجلس الوزراء) بحكم المقالة.

وإلى حد كبير، تتابع الدراسة، يصعب تسويق هذه الصيغة على أنها تضفي شعبية على السلطة التنفيذية، وإنه استجابة صريحة أو حتى متوارية إلى مطلب المعارضة بتشكيل حكومة منتخبة أو “معبرة عن الإرادة الشعبية”. وتعلل ذلك بثلاثة أسباب على الأقل:

الأول، إن تعيين رئيس الحكومة والوزراء سيظل حصرا عند الملك (وفق الأمر الملكي)، ولا صلة بتعيينه بالأغلبية البرلمانية، الذي يعد المعيار المعتمد في الملكيات الدستورية لاختيار رئيس الوزراء. كما لا صلة للتعيين (لرئيس الوزراء والوزراء) حتى بمشاورات نيابية شكلية وغير ملزمة.

أما السبب الثاني، فيحدث أن تكون البرامج الحكومية مصاغة بأحلى العبارات، دون أدوات فعلية لتنفيذها والرقابة عليها، إذ تشير الدراسة إلة أن البحرين ـ وعموم الدول التي لا تعيش حياة ديمقراطية ـ لا ينقصها قوانين وبرامج على الورق، بالضرورة، بل إنه طالما توافرت لدى العديد من هذه الدول بعض أفضل القوانين وأسوأ الممارسات. وتوضح الدراسة أن “الإشكال الأعمق يتركز أكثر في الممارسات منه في صوغ البرامج الحكومية التي هي فقيرة عند الحكومة البحرينية.

والمنطقي بحسب الدراسة أن يتم إقرار البرنامج الحكومي من قبل النواب حتى يتم اعتماد تشكيلة الحكومة، وليس أن يشترط رفضه ـ كما هو مقر في (المادة 46) المستحدثة ـ كي تعتبر الحكومة بحكم المقالة، خصوصا في ظل تشكيلة برلمانية “هشة” أصلا.

والسبب الثالث هو أنه “مع عدم وجاهة التصويت على رفض البرنامج الحكومي إذا كان بديلا عن تشكيل الأغلبية البرلمانية للحكومة، وعلى الرغم من الفارق الجوهري بين الحالتين، فإن اشتراط أغلبية الثلثين لرفض برنامج الحكومة يجهض الحق البرلماني، المستحدث في تعديلات مايو/ايار الحالي.

وتردف الدراسة أن العادة اقتضت اعتماد أغلبية بسيطة (خمسين في المئة + واحد) في قبول أو رفض أمور من هذا النوع، كما أنه يبدو من الاستحالة توفر الثلثين من اصوات المعارضة في المجلس النيابي لرفض البرنامج الحكومي، في ظل توزيع الدوائر المفصلة، التي تنتج تلقائيا أغلبية موالية.

ويبدو الحديث عن رفض البرنامج الحكومي مشوها لفكرة “الحكومة المعبرة عن الإرادة الشعبية”، ولا يمكن النظر إليه على استجابة لمطلب المعارضة بتشكيل حكومة من الأغلبية البرلمانية، حسبما تبين الدراسة.

وحول إمكانية الاطاحة برئيس الوزراء، تشير الدراسة إلى أن “التعديلات الدستورية في (المادة 67/د) نصت على أنه إذا “أقر مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى الملك للبت فيه، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة، أو بحل مجلس النواب”، بينما كان ذلك الاجراء قبل التعديلات الدستورية لا يتم إلا بموافقة المجلس الوطني (غرفتي الشورى والنواب) .

وضمن “ظلام دامس”، وهو الوصف الذي يمكن أن ينطبق على التعديلات الدستورية، ترى الدراسة أنه يمكن اعتبار هذا التعديل نقطة إيجابية، نسبيا، لولا أن اشتراط أغلبية الثلثين المحال تحقيقها ـ بحكم الدوائر الانتخابية التي تضمن أغلبية موالية للسلطة ـ يكشف التعسف ضد حق البرلمان في محاسبة رئيس الوزراء، الذي يحكم البحرين منذ أكثر من أربعين عاما.

وفيما يتعلق بمدى تحقق الشراكة بين العائلة الحاكمة والبرلمان، تذكر الدراسة أن الخطاب الرسمي يقول إن التعديلات الدستورية تحقق مفهوم “الشعب مصدر السلطات”، عبر إشراك مجلس النواب المنتخب أو مجلس الشورى المعين، أو كليهما معا في جملة من الإجراءات التي كانت صلاحياتها مطلقة عند الملك.

وبينما كان الدستور يمنح “للملك حل مجلس النواب بمرسوم”، تقول الدراسة، فإن التعديلات جعلت ذلك يتم “بعد أخذ رأي رئيسي مجلسي الشورى والنواب ورئيس المحكمة الدستورية”، (المادة ٤٢/ج).

وتضيف: “لا يعرف، بالتحديد، المقصود بـ “أخذ الرأي”، ومدى إلزاميته للملك، بيد أن الإشكال الأهم يكمن في أن رئيس مجلس الشورى ورئيس المحكمة الدستورية معينان من قبل الملك، فيما رئيس مجلس النواب يصل للقبة وفق دوائر انتخابية مخلة بمبدأ صوت لكل مواطن، تضمن أن تصل للمجلس أغلبية برلمانية موالية، تفرز تلقائيا رئيسا على “المقاس الرسمي”. ويفقد كل ذلك معنى مشاورة الملك للمذكورين”.

وتلفت الدراسة إلى أنه قبل ذلك فهناك رأيا يقول ان حل البرلمان هو تسلط على الإرادة الشعبية، فلا يصح أن يكون للسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان.

وبالنسبة إلى مدى تحقق عُلوية “المنتخب” على “المعين” في التشريع، تشدد الدراسة على أن التعديلات الدستورية تمنح رئيس مجلس النواب رئاسة المجلس الوطني (الاجتماع المشترك لغرفتي الشورى والنواب)، عموما (المادة ١٠٢)، وكذا في حال اختلف المجلسان في إقرار مشروع قانون مرتين (المادة 85). وكان النصان الأصليان للمادتين المذكورتين يعطي رئاسة المجلسين إلى الغرفة المعينة.

وتعتبر أن هذا التعديل لا يعالج إشكالية التشريع، الذي يفترض أن يكون صلاحية مطلقة للمؤسسة التشريعية المنتخبة. بيد أن نصف البرلمان (الغرفة المعينة) يقوم الملك بتعيينه، الأمر الذي يجهض واقعا، الإرادة الشعبية الممثلة في المجلس المنتخب، إذ يقف المعينون، كما حدث في السنوات العشر الأخيرة، إلى جانب السلطة الحاكمة في التشريع الذي تود إصداره، ما يفقد مجلس النواب معنى وجوده بوصفه سلطة تشريعية.

وتؤكد الدراسة أن ذلك لا يغيّر التعديل الدستوري في (المادة 52)، التي أضيف إليها بأن تعيين الشوريين يتم “بأمر ملكي وفقا للضوابط والشروط التي يحددها الأمر الملكي”، فـ”هذه الضوابط يضعها الملك نفسه، وله حق تغييرها، ذلك أن “الأمر الملكي يصدر عن إرادة الملك وحده من غير أن يسبقه أي قرار يتخذ من أي سلطة في موضوعه، أما المرسوم الملكي فهو يصدر عن الملك بعد أن يسبقه قرار من السلطة التنظيمية (بفرعيها مجلس الشورى ومجلس الوزراء) في موضوعه” .

وتلفت الدراسة إلى أن من بين التعديلات التي تعتبرها السلطة مهمة أيضا ما تم تغييره على (المادة ٨٣)، فقد أصبح رئيس مجلس النواب (وليس الشورى كما هو الحال قبل التعديل) هو الذي سيحيل مشاريع القوانين إلى الحكومة!

ولا حاجة للوهم بأن ذلك يعني شيئا. فالدراسة تعتبر أنه إجراء شكلي تماما ما دام المجلس المنتخب غير قادر على التشريع، ليس بسبب وجود 40 معينا إلى جانبهم ينافسونهم في التشريع فقط (عقبة أولى)، وإنما لسبب جوهري آخر: اشتراط (المادة ٩٢) من الدستور إحالة “مقترحات” القوانين للحكومة (عقبة ثانية)، التي تعيد صياغتها في صورة “مشروعات” قوانين، ثم تعيد (الحكومة) إحالتها لمجلس النواب، لكن يجب أن يتم ذلك “في غضون ستة أشهر” (عقبة ثالثة)، والأشهر الستة هذه إضافة تمت للتعديلات الدستورية الأخيرة (3 مايو 2012)، بعد أن كانت الحكومة تماطل في إعادة صياغة مقترحات القوانين وإعادتها للمجلس النيابي.

وفي حال أقر مجلس النواب مشروع القانون، تعقّب الدراسة، فإنه يتوجب عليه انتظار موافقة مجلس الشورى ثم إنتظار تصديق الملك (عقبة رابعة)، ما يحيل مجلس النواب فعليا إلى مؤسسة هشة للتشريع في ظل عقبات جوهرية وضخمة.

وبخصوص حقيقة حصر الرقابة في المجلس المنتخب، تبيّن الدراسة أن التعديلات الدستورية تريد الإيحاء بأن مجلس النواب أعلى من الشورى، كون الأخير قد تم سحب صلاحياته الرقابية، والحقيقة هي أنه قبل التعديلات الدستورية الأخيره، فإنه لا يمكن للمجلس المعين أن يقدم اقتراحا برغبة أو يوجه استجوابا أو أن يطرح الثقة في رئيس الحكومة، أو يشكل لجنة تحقيق.

وبالتالي، تضيف الدراسة، ينحصر ما قيل عن سلب الصلاحيات الرقابية من مجلس الشورى في سحب حق العضو المعين في توجيه “سؤال واحد في الشهر” إلى أحد الوزراء في مجال اختصاصهم (المادة 91). وحين يتم مراجعة أداء المعينين في طرح السؤال، ومدى استثمارهم لهذه الأداة الرقابية، يلاحظ أنه خلال الدور الأول (من الفصل التشريعي الأول) وجه الأعضاء الأربعون تسعة أسئلة فقط، علما بأنه من حقهم تقديم نحو 200 سؤال، إذا افترضنا أن مدة الدور الأول امتدت نحو ستة اشهر .

وفيما تعتبر الدراسة أن أداة السؤال لم تكن مستثمرة شوريا أصلا، تقول إن “هذا الوضع استمر حتى تم سحب هذه الصلاحية في التعديلات الأخيرة التي أصدرها الملك في 3 مايو 2012، وبالتالي فإن سحب هذه الصلاحية أو بقاءها لا يغير شيئا في ضعف الرقابة الشورية على السلطة التنفيذية، دستوريا، وكذا واقعا في ظل ولاء الشوريين لمن عينهم”.

على أن الأهم من ذلك، ترى الدراسة، هو في كون الخلاف الأساسي ليس بشأن الصلاحيات الرقابية للغرفة المعينة، وربما يمكن للسلطة أن تزيد من الجهات الرقابية عليها، وإنما يتركز الخلاف الجدي في الصلاحيات التشريعية المتماثلة للمعينين مقارنة بالمنتخبين.

وتشير الدراسة إلى احتمال النظر بإيجاب إلى اتاحة الفرصة للنواب لاستجواب الوزراء، وهي العبارات التي أضيفت إلى (المادة ٦٥) في التعديلات الأخيرة. بيد أن (المادة ٦٦) التي لم يجر عليها تعديل، تشترط، لكي يتم عزل الوزير (سحب الثقة منه)، موافقة ثلثي مجلس النواب، وهي نسبة تشكل حائلا دون الاطاحة بأحد على الأرجح، إلا من تريد السلطة الاطاحة به. وتردف الدراسة: حتى في هذه الحالة فإن ممارسات السلطة في السنوات العشرة الماضية لم تعط حتى “نصرا” شكليا للبرلمان على هذا الصعيد.

وتتطرق الدراسة إلى تكريس انفراد السلطة بالأمور المالية، فتقول إنه عمليا لم يجر أي تغيير في (المادة ٨٧)، الخاصة بالأمور المالية، ونصت التعديلات بأن “كل مشروع قانون ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية، وتطلب الحكومة نظره بصفة عاجلة، يتم عرضه على مجلس النواب أولا ليبت فيه خلال خمسة عشر يوما، فإذا مضت هذه المدة عرض على مجلس الشورى مع رأي مجلس النواب إن وجد، ليقرر ما يراه بشأنه خلال خمسة عشر يوما أخرى، وفي حال اختلاف المجلسين بشأن مشروع القانون المعروض، يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال خمسة عشر يوما، وإذا لم يبت المجلس الوطني فيه خلال تلك المدة جاز الملك إصداره بمرسوم له قوة القانون”.

وتشير الدراسة إلى إن النص واضح في انفراد السلطة التنفيذية بالقرار المالي كما لها حق الانفراد بالتشريع إذا ما أرادت.

وعن إشكالية التجنيس السياسي تعتبرت الدراسة أن التعديلات الدستورية تحاول مقاربة مخاوف المعارضة من التجنيس السياسي، الذي هو إحدى سياسات الملك، وتردف: يبدو من المهم التدقيق في التعديلات التي طالت المواد (53، 57)، وفيما إذ كانت ستساهم في احتواء القلق المتنامي عند قطاعات واسعة من الشعب من سياسة ما يسمى أحيانا “استبدال المواطنين بآخرين جدد.

وتنبه الدراسة من أن التجنيس خطر على البحرين يغير الواقع الديموغرافي وهوية البلاد، ويمكن أن يساهم في تغيير معنى البحرين بتركيبتها المعروفة تاريخيا، ويديم الدكتاتورية التي تستقوي بعشرات الآلاف ممن تم تجنيسهم. وتذكّر بان ذلك قد تم في كثير من الحالات خلافا للقانون والحاجة الفعلية إلى البحرين وخلافا للتقليد الخليجي الذي يتشدد في منح الجنسية للأجنبي، ضمن القلق السكاني المتنامي بسبب غلبة الأجانب على المواطنين، في حين يزداد القلق بالنظر إلى الحجم الصغير لعدد السكان في الجزيرة البالغ عددهم نحو 1.2 مليون نسمة، نحو 55 في المئة منهم إجانب.

وتتابع الدراسة: “أضيف إلى المادة 57/أ الخاصة بعضوية مجلس النواب شرط “أن يمضي على من اكتسب الجنسية البحرينية عشر سنوات على الأقل، وغير حامل لجنسية دولة أخرى”، لكن الاشكالات التي تطرح تتعلق بأصل اكتساب الجنسية، لا بحقوق المتجنس فقط.

وبحسب الدراسة، فقد منح الملك الجنسية لعشرات الآلاف خلافا لبنود قانون الجنسية الذي ينص على “امكانية” حصول الشخص على الجنسية “بطريق مشروع إقامته العادية في البحرين مدة خمس وعشرين سنة متتالية على الأقل، أو خمس عشرة سنة متتالية على الأقل أن كان عربيا”. كما تؤكد الدراسة أن الملك يتجاوز هذا النص مستفيدا من تفويض يفترض أن يكون استثنائيا، يعطيه حق منح الجنسية لمن قدم خدمات جليلة للوطن، في حين يستخدم الملك هذا التفويض من دون ضوابط.

وبالتالي، تقول الدراسة، فإن فكرة السنوات العشرة المذكورة في النص الدستوري الجديد لا تعالج اشكالية التجنيس. ثم إن الغالبية العظمى من المجنسين، هم أفراد في الجيش وقوات الأمن، الذين يمنع عليهم القانون الترشح لعضوية مجلس النواب، لكنهم يستخدمون كجمهور حكومي في التأثير في الانتخابات، كما حصل مع مرشحي المعارضة، مثل الأمين العام السابق لجمعية وعد الراحل عبدالرحمن النعيمي (انتخابات 2006)، وابراهيم شريف  (انتخابات 2006 و2010)، حين زج بالعسكريين المتجنسين للتصويت لصالح قوى الموالاة.

وتشير إلى أن المادة 57/أ المستجدة تستثني من شرط السنوات العشرة “من يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشرط أن تكون جنسيته البحرينية بصفة أصلية”، لافتة إلى أن النص يفتح المجال لدخول آلاف من المجنسين (سعوديين خصوصا)، بدعوى أن أصولهم بحرينية، ما يعني أن التعديل يزيد المخاوف من السياسة الممنهجهة لإحداث تغيير ديموغرافي في البلاد.

وتبيّن الدراسة أن هذه ليست المادة الوحيدة التي “تعاقب” فيها السلطة المعارضة في نص دستوري مستحدث، وإنما هناك مادة أخرى (المادة 59) تمنع على العضو المستقيل إعادة ترشحه لمقعد استقال منه. وتردف: معروف أن كتلة “الوفاق” النيابية استقالت في فبراير 2011 على خلفية استخدام السلطة العنف المفرط ضد المحتجين السلميين في دوار اللؤلؤة، الذي شكل ميدان تحرير بحرينيا، على شاكلة نظيره المصري، كما أن وجود النص الجديد هدفه منع النواب المعارضين من الاستقالة، مع أنه حق مشروع لهم.

وتشير إلى أن “العنف الآتي من التجنيس قد لا يضاهيه أي عنف آخر، بنظر بعض أطراف المعارضة”.

وعى صعيد آلية تعديل الدستور، ترى الدراسة أنه في التعديلات الدستورية التي أجراها الملك في 14 فبراير/شباط 2002، رفضت السلطة العودة إلى البرلمان المنتخب (المجلس الوطني) ، لاجراء التغييرات الدستورية، كما رفضت اجراء استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية وقرر الملك القيام بنفسه باجراء التعديلات، الأمر الذي تسبب بما عرف لاحقا بـ “الأزمة الدستورية”، التي تطورت على النحو الذي شهدته البلاد في الفترة التي تلت ١٤ فبراير ٢٠١١.

وتشير الدراسة إلى مضمون المذكرة التفسيرية التي تمت على أساسها التعديلات الدستورية في ١٤ فبراير ٢٠٠٢، والذي يعتبر أن “إرادة الشعب التي ظهرت في الاستفتاء (التصويت بالإيجاب على ميثاق العمل الوطني في ١٤ فبراير ٢٠٠١)، وقبول سمو الأمير لهذه الإرادة الشعبية بتصديقه على الميثاق، كل ذلك يوضح أن الشعب قد عهد إلى سموه باتخاذ ما يراه مناسبا لتعديل الدستور في إطار ما ورد بالميثاق من مبادئ وأحكام، وباختيار الطريقة التي يراها أفضل لوضع التعديلات الدستورية والموافقة عليها وإصدارها”.

وتتابع: ترفض مجمل أطراف المعارضة التفسير الذي أوردته المذكرة الدستورية. ويعتقد محامون مرموقون، عرفوا حينها بـ “لوبي الدستوريين”، أن “دستور 1973 دستور جامد، يستوجب تعديله إتباع إجراءات محددة  نصت عليها المادة (١٠٤/أ) بقولها “يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وأن يصدق الأمير على التعديل”.

وتتساءل الدراسة أنه إذا كانت السلطات تعتقد أن الاستفتاء/ التصويت على الميثاق اعتبر السند القانوني الذي تم من خلاله اقرار تعديلات 2002، من دون العودة للمجلس الوطني المنتخب، فإن عدم عرض التعديلات الدستورية التي أقرت في 3 مايو/أيار 2012 على الاستفتاء الشعبي، يناقض الفكرة التي عبرت عنها المذكرة الدستورية.

والحقيقة هي أن النظام حين قرر اجراء التعديلات الدستورية، من طرف واحد، في 2002، دون العودة للشعب (الاستفتاء)، أو البرلمان، بحسب الدراسة، التي تعتبر أن النظام كان يخشى رفض الشعب من خلال الاستفتاء، أو من خلال ممثليه في البرلمان، للتعديلات المقترحة حينها، وهي التي منحت الملك صلاحيات شبه مطلقة.

أما في ٢٠١٢، تردف الدراسة، فبسبب أن المؤسسة التشريعية “مستأنسة” رفضت السلطة اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي خشية أن يرفض الشعب تعديلات يراها لا تلبي مطالبه في الاصلاح السياسي والتحول نحو الملكية الدستورية”. فـ”يصعب القول أن التعديلات الدستورية تحظى بتوافق شعبي، أو هي معبرة عن الإرادة الشعبية التي بدت مغيبة في إقرارها”.

وتخصص الدراسة جزءا للحديث عن الموقف من التعديلات الدستورية، ففي الداخل تقول إن القوى المعارضه اعتبرت التعديلات الدستورية شكلية “لا تمس مطالب الشعب بتفعيل مبدأ الشعب مصدر السلطات للانتقال إلى واقع ديمقراطي حقيقي”، كذلك تساءلت المعارضة إن كانت التغييرات الدستورية قد ألغت مجلس الشورى المعين، أو أعطت مجلس النواب حق تعديل الدستور، وإن جعلت الأجهزة الأمنية تحت الرقابة، وضمنت استقلالية الجهاز القضائي، وهي أسئلة الجواب عليها بالنفي.

وتشدد الدراسة على أن “هذه التعديلات لم تحقق مطالب المعارضة الخمسة: حكومة منتخبة، برلمان كامل الصلاحيات، قضاء نزيه، دوائر انتخابية عادلة، ومؤسسة أمنية تمثل مكونات الشعب”.

وتذكّر بأن القوى السياسية الموالية أيدت التعديل الدستوري واعتبرته تأكيدا على استمرار مسار الإصلاح الذي يقوده ملك البلاد، وقال رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني: “إن التعديلات الدستورية تعزز من دور الإرادة الشعبية وزيادة الدور الرقابي لمجلس النواب، وهي تعديلات جوهرية ومبادرة رائدة على مستوى المنطقة والمجالس البرلمانية، وقد أثبتت التجربة مرونة وإمكانية الاصلاح والتطوير وفق الآليات الدستورية في المملكة”.

وفي الجانب الإقليمي، تقول الدراسة إن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي رحبا كما هو متوقع، بالتعديلات الدستورية، ضمن سياسة داعمة لكل الخطوات التي اتخذتها السلطة البحرينية، بما في ذلك دعم اجراءات العنف ضد التظاهرات المطالبة بالاصلاح التي أدينت على نطاق واسع عالميا. لكن لم تسجل تصريحات إيجابية لقوى اقليمية أخرى.

وفي الجانب الدولي، تضيف الدراسة، لم ترحب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وعموم الدول الغربية ولا الأمين العام للأمم المتحدة بهذه التعديلات، ويمكن رصد تجاهل دولي شبه تام لما أقره الملك في، مؤكدا إنها إشارة بالغة الدلالة على هشاشة التعديلات الدستورية، وقناعة تشمل حتى حلفاء السلطة البحرينية من الغربيين بأنها لا تغير من هيكلة الحكم، ولا تحقق منجزا اصلاحيا.

وتؤكد الدراسة أن التعديلات الدستورية لم تغير من واقع الأزمة السياسية الخانقة في البلاد ولعلها تكرسها وتزيد من التباعد بين رؤي السلطة، التي ترفض تغيير النموذج السياسي القائم الذي تسيطر عليه عائلة آل خليفة، وبين المعارضة التي تطالب بإصلاح جذري، محذرة من تفاقم الأوضاع في البلاد التي تعيش حالة من الجمود وفقرا في المبادرات السياسية التي تجمع الأطراف المتباعدة في آرائها.

وتتابع: ترفض السلطات انتخاب مجلس تأسيسي يكتب الدستور، كما ترفض حوارا وفق نقاط سبع عرضها ولي عهد البحرين في منتصف مارس/آذار 2011، وكان بالامكان أن تكون خريطة طريق مقبولة، وتقول: لا شيء ينبئ بأن الحالة البحرينية في طريقها إلى منعطف إيجابي، ولعل الوضع الاقليم المتفجر يساهم في حالة الجمود الراهنة.

وتخلص الدراسة إلى القول إن السلطات الرسمية في البحرين تدرك مطالب المعارضة الوطنية بدليل أن التعديلات الدستورية حاولت الاقتراب من جملة مسائل تعتبرها الجماعات السياسية مطالب عادلة ومشروعة: مثل الحكومة المنتخبة، والبرلمان ذي الصلاحيات الكاملة، وحل إشكالية التجنيس السياسي.

وبالرغم من ذلك، تضيف الدراسة، فإن الدولة قد فشلت فشلا ذريعا في إحداث تعديلات دستورية ذات معنى، إن لم تكن قادرة على إرضاء/ احتواء كل أطراف المعارضة، فـ”على الأقل أن ترضي بعضها، وتحاول تفكيك ما يبدو أنها جبهة معارضة متماسكة، تطالب بحد أعلى بتحويل البحرين جمهورية، وبحد أدنى تحويلها ملكية دستورية”.

وبحسب الدراسة، فإن الأزمة الدستورية ستظل أكبر تعبير عن حجم المأزق الذي تعيشه البحرين. بيد أن الدستور هو نفسه يبدو المدخل الأنسب لحل المشكلة المتفاقمة، التي مهما تم إنكارها أو الدوران حولها، فإن مضمونه (الدستور) وآلية كتابته و/أو تعديله، سيبقى حجر الزاوية لأي تسوية قادمة، تبدو ـ على أي حال ـ مؤجلة.

http://mirror.no-ip.org/news/4466.html

انشر وشارك

مقالات ذات صلة