abbasbusafwan@gmail.com

الاختبار الأول: فشل النواب والحكومة

بالتأكيد لم تكن الحكومة موفقة حين أحالت ثلاثة مشروعات اقتراض إلى مجلس النواب بداية الأسبوع الجاري، لكن المجلس أيضا لم يكن موفقا حين وافق على اثنين منها (قرض 15 مليون دينار كويتي لتوسعة محطة الحد، ومشروع رفع الحد الأعلى لاصدار السندات من 600 إلى 900 مليون دينار بحريني).

وربما لم يكن المجلس موفقا أيضا حين رفض المشروع الثالث (اقتراض مبلغ 500 مليون دولار)، لأنه من غير المعقول قبول أو رفض مشروعات اقتراض بمبالغ كبيرة من دون الحصول على تفاصيل، وإن كان غير واضح بعد، إن ما جرى أمس كان رفضا أم امتناعا.

في كل الأحوال، فإن من حق الناس والحكومة التساؤل عن الفرق بين المشروعات الثلاثة حتى يقبل اثنان ويرفض واحد. فإذا كان التحفظ مرتبطا بعدم وجود التفاصيل، فذلك ينطبق على المشروعات الثلاثة.

وأنا أتابع النقاشات أمس الأول، قلت في نفسي، ذمة النواب واسعة: قليلون هم الذين يتحدثون، وقلة الذين يركزون، أما بعض الإسلاميين فهمهم كان في الغالب موجها ضد حرمة الربا، ولم يولوا اهتماما كبيرا بالجوانب الفنية.

الواحد منا حين يريد شراء غرفة نوم ببضعة دنانير (كل ومستواه) فإنه لن يقرر ذلك في يوم أو يومين، أما نوابنا الأعزاء، فذمتهم واسعة، واتخذوا قرار الموافقة على قرض الـ 15 مليون في يومين، وقرارا آخر برفع السقف 300 مليون في يومين، وإذا سألتهم فإن غالبية الذين صوتوا مع أو ضد المشروعين لا يدرون لماذا فعلوا ذلك.

أكاد أكون متأكدا من أن الحكومة لا تتخذ قرارا من هذا النوع في يومين، مهما كانت المبررات، وعلى رغم كل السوء الذي ينخر بعض إداراتها، والعمولات التي تدخل جيوب بعض مسئوليها.

السيء أن النواب لا يشعرون بأنهم ارتكبوا أي خطأ، والأكثر سوءا أن اللجنة الاقتصادية واللجنة التشريعية (اللجنتان الأهم في أي مجلس منتخب)، أصدرتا قرارين بالموافقة، وبينما تضمن مشروع اللجنة الاقتصادية خمس توصيات، فإن اللجنة التشريعة التي ترأس اجتماعها النائب السلفي البارز عادل المعاودة وافقت بالاجماع على المشروعات، ومن دون أي تحفظ. المعاودة الذي لم يدعم المشروعات الثلاثة في الجلسة، من دون أن يوضح إن كان ذلك امتناعا أم رفضا لها، برر قرار اللجنة التشريعية بالموافقة بالإجماع على المشروعات، لأن اللجنة ـ كما قال ـ ليست معنية إلا بالشئون القانونية، بعيدا عن أي جوانب أخرى. لا أعرف إلى أي مدى هذا الكلام «سياسي»، وإلى أي حد مقبول أن تغرق اللجنة التشريعية في النصوص من دون الواقع. وبدا واضحا أن رئيس اللجنة فريد غازي كان موافقا بقوة على المشروعات الثلاثة، وهو وإن أبدى ملاحظات قوية، فإنه نظر لقبولها أيضا.

الحكومة من جهتها، كان يمكن أن تكسب الرأي العام (لأن المشروعات مفيدة للناس، وتكسب النواب، لو قدمت المشروعات وفق آلية عادية، وبعيدا عن صفة الاستعجال. فمن جهة، كان من غير المتوقع أن يعارض النواب مشروعات مفيدة للبلد، والدليل أن اللجنتين الاقتصادية والتشريعية اللتين تحاورتا مع مسئولي الحكومة (وكيل المالية الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة، والقانوني سلمان سيادي)، وافقتا على المشروعات، ولو بذلت الحكومة جهدا أكبر داخل الجلسة أمس الأول، لتمت الموافقة على الأرجح، لكن الشيخ إبراهيم، ولأسباب لا أعرفها فضل الحديث باقتضاب دائما، على رغم قدرته وإلمامه بالأمور، وقدرته على الاقناع (الدليل لإقناع اللجنة الاقتصادية). وكذلك فعل وزير شئون مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل، الذي لم يناقش طويلا، ولم يوضح للنواب جدوى المشروعات وأهدافها، وما ذا يعني عدم الموافقة عليها.

الحكومة لم تمارس المتوقع منها مثل أية جهة سياسية تريد تمرير مشروعاتها، فلم تعمل «لوبي»، ولم تتصل بالنواب، ولم تعقد اجتماعات معهم؟… والنواب من جهتهم لم يبذلوا الجهد الكافي للحصول على المعلومات، واكتفوا بتقرير اللجنة الاقتصادية.

الكل يتعلم من التجربة، وهذا حسن، ويبدو أن النواب أسرع في التعلم، إذ رفضوا الموازنة التي أحيلت بصفة عاجلة، وانتقدوا الحكومة، فاستجابت الأخيرة، وألغت صفة الاستعجال، ما يُعد دليلا على أنها تتعلم أيضا

المصدر: الاختبار الأول: فشل النواب والحكومة

انشر وشارك

مقالات ذات صلة