abbasbusafwan@gmail.com

المعاودة ليس مسئولا عما جرى لحفل«نانسي»

لا أظن أن النائب الثاني لرئيس مجلس النواب عادل المعاودة هو المسئول عن حوادث الشغب (المحدود) التي واكبت التظاهرات المحتجة على استضافة مركز البحرين الدولي للمعارض للمغنية اللبنانية نانسي عجرم. ذلك أن المعاودة عبر عن رأيه المعارض لهذه الاستضافة بشكل سلمي. وهذه أبسط حقوقه كمواطن، وكنائب في البرلمان له أن يستخدم أدواته الدستورية حتى المتشددة منها، كالاستجواب وطرح الثقة في الوزير لمنع ما يعتقد أنه خطأ أو لتحقيق غاية سياسية تعبر عن رأيه، ورأي جمهور جمعيته السلفية (الأصالة) التي يترأسها.

المعاودة لم يستخدم العنف، ولم يدعُ إلى مسيرات تحرق ممتلكات عامة، ولا حرق إشارات ضوئية… وإنما أجرى اتصالات مطولة مع وزير الإعلام نبيل الحمر، (وربما مع شركة الترفيه العائلي وهي الجهة المنظمة للحفل)، ومع أعضاء المجلس النيابي، لحشد مواقف معادية لاستضافة نانسي، وباء تحركه بالفشل مع وزير الإعلام إذ لم يحصل المعاودة من الحمر إلا على حديث شفوي – لا يرقى إلى التعهد – بأن تلتزم نانسي بالتقاليد المرعية في لباسها. ورفض الوزير رفضا مطلقا طلب إلغاء الحفل؛ لأن ذلك «سيخسر الشركة المنظمة 40 ألف دينار، كما سيعطي صورة سلبية عن أوضاع الاستثمار في البحرين».

كما فشل المعاودة في الحصول على دعم برلماني، ووقع 12 عضوا (بقيادة كتلة المستقلين التي يترأسُها النائب المحافظ سياسيا عبدالعزيز الموسى) رسالة إلى رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني يرفضون فيها مناقشة موضوع نانسي علنا، ونجح الظهراني في تمرير الموضوع من دون مناقشة. (لا أعرف إن كان ذلك سليما من الناحية الإجرائية، ولكن سياسيا نجح الظهراني والحكومة في مسعيهما الرافض لمناقشة الموضوع في البرلمان كي لا تتخذ إجراءات ضد الحفل أو الاحتفالات المشابهة، ذلك أن المناقشة ستقود حتما إلى ذلك، في ظل وجود غالبية برلمانية إسلامية التوجه اعتادت مناغاة الشارع، ولم تعتد التفكير والسؤال عما بعد). توقف المعاودة ومناصروه من النواب (محمد خالد، عبدالله العالي، حمد المهندي، علي مطر) عند هذا الحد، وقال المعاودة للوزير الحمر قبل ساعات من عقد جلسة النواب: «ستندمون» سياسيا، ملوحا باستخدام أدوات دستورية أخرى للضغط على الوزير. وهذا ما حصل فعلا من طرف النائب عبدالله العالي الذي وجه سؤالا إلى وزير الإعلام بشأن «الخلل الأخلاقي الذي يواكب الفعاليات السياحية» والذي يتوقع ألا يكون السؤال الأخير في ظل معلومات مؤكدة بأن الوزير سيكون هدفا لسهام النواب في الفترة المقبلة.

وبغض النظر عما إذا كان موقف المعاودة صحيحا أم لا، فإن الأساليب التي استخدمها تتفق والقانون، حتى إذا شعر بعضنا أن تصريحاته متشددة، وخصوصا تصريحه الأخير الذي يقول فيه: «نصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين».

وقد سألت عددا من أقطاب المعارضة إن كان المعاودة مسئولا عن العنف، فاتفق عدد منهم مع الرأي الذي يرى أن المعاودة غير مسئول، وهذا مؤشر جيد بأن الاختلاف في الرأي يمكن أن لا يعمي البصيرة دائما.

مأزق المعاودة

الإشكال الذي يطرح هنا، أن عادل المعاودة والكثير من النواب والكتاب والصحافيين اعتادوا اتهام المعارضة أو «التحالف السداسي» أو «الوفاق» أو «مركز حقوق الإنسان» – وعموم الرأي الآخر – بالتجييش حين تنظم هذه الجهة أو تلك مؤتمرا أو ندوة أو مظاهرة لا تتفق ووجهة نظر الحكومة في القضايا السياسية والدستورية والحقوقية، والتي يكون المعاودة غالبا (بل دائما) مناصرا فيها للرأي الحكومي.

ونتذكر جميعا ما قاله المعاودة وعموم «جمهور الحكومة» بعد ندوة التمييز وندوة التجنيس، حين قالوا ما معناه ان هذه الندوات مضرة بالبلد وبالمشروع الإصلاحي وبالسلم الأهلي، وتحض على العنف، وتدمر الثقة بين الأطياف السياسية… والأخطر من ذلك ما قاله المعاودة بعد ندوة لندن التي ركزت على التجنيس، والتي شارك فيها حسن مشيمع وعلي ربيعة واللورد إيفبري وعدد من المحسوبين على التيار الرسمي، حينها وصل موقف المعاودة المتشدد من الرأي الآخر (المعارضة) إلى حد اتهامها بـ «الكفر»، إذ قال ان المشاركة في الندوات الخارجية يعد «ارتهانا للأجنبي»، ما يوجب – بحسب القانون – الحكم بالإعدام على المشاركين في الندوة، وهذا ما لم يقله المعاودة طبعا، ولا أظنه يعنيه.

الأمل أن تكون هذه مناسبة للمعاودة ولغيره من الناشطين ليدركوا ان اتهام الرأي الآخر بالزندقة أمر غير مسئول وغير مقبول في ظل الجو الديمقرطي الذي نعيشه. يجب أن يثبت الجميع قبولهم بالرأي الآخر، والدفاع عن هذا الرأي. وأتوقع أن تنأى المعارضة بنفسها عن اتهام المعاودة بأنه وراء التحريض.

كما آمل أن يقول المعاودة في تصريحات علنية ان من حق الجميع أن يعبروا عن رأيهم، وهذا لا يعني مطلقا أي غطاء للعنف، ذلك أن العنف مرفوض من جميع اطرف اللعبة السياسية

المصدر: المعاودة ليس مسئولا عما جرى لحفل«نانسي»

انشر وشارك

مقالات ذات صلة