abbasbusafwan@gmail.com

إجراء غير تربوي ويحمل شحنات عنف

هل ستلغي رئيسة جامعة البحرين الشيخة مريم آل خليفة قرار فصل سيدمحمد شرف من عضوية مجلس طلبة جامعة البحرين؟ وهو القرار الذي اتخذه عميد شئون الطلبة عبدالحميد المحادين في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

إذا صدقت التوقعات، ولم يكن في المسألة مكابرة، وتم تقييم قرار الفصل بحصافة، وهو المأمول من مؤسسة علمية كجامعة البحرين… فعلى الأرجح أن يتم إلغاء القرار.

ذلك أن رئيسة الجامعة – التي تسلمت منصبها العام الماضي في ظل دعوات إلى أن تعاد إلى الجامعة مكانتها كبيت للحرية الأكاديمية – حريصة على أن تكون صورة الجامعة زاهية أمام الرأي العام، بعد الصورة غير المشرقة التي تشكلت في أذهان الكثيرين عن طبيعة الإدارة غير الديمقراطية والمعادية للنشاط الطلابي التي سيرت الجامعة عدة سنين مضت.

يفتقد قرار الفصل البعد التربوي الذي تقول الجامعة إنها تعنى به، ويحمل نوعا من التهديد وشحنات من العنف للمجلس المنتخب، الذي يمثل أكثر من 2000 طالب وطالبة تضمهم جامعة البحرين، وهو يبعث رسالة خاطئة إلى أعضاء المجلس الآخرين، وعموم الطلبة، مفادها «إما الالتزام بالنهج الذي تراه إدارة الجامعة صحيحا، وإما الفصل من المجلس، والتضييق على النشاط الطلابي»، ما يعني الإضرار بحرية التفكير والإبداع، وسيقود إذا استمر إلى «موات» الجامعة التي لا يمكن أن تعيش من دون الحرية والإبداع.

عقلية أمنية

ومن بين النقاط التي لاشك تدركها إدارة الجامعة، هي صورة عمادة شئون الطلبة التي ستتضرر حتما من قرار يبدو في نظر المجلس المنتخب تعسفيا. فقرار من هذا النوع، وبهذه الخطورة، اتخذ على عجل، وبعد أقل من شهر واحد من لفت النظر الموجه إلى سيدمحمد شرف في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولأسباب غير مقنعة، ومخالفة لروح قوانين المؤسسات الأكاديمية، يحول عمادة شئون الطلبة من مركز للإرشاد والتوجيه، ومن صديق إلى الطلاب، إلى مخفر شرطة يعالج الأخطاء – إن وقعت – برؤية أحادية الجانب، تستند إلى عقلية «شبه أمنية»، ولا تحاول قراءة الأبعاد الاجتماعية والدينية للعادات والتقاليد.

وقد يساهم السؤال الموجه من طرف النائب محمد آل عباس إلى وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي بشأن فصل الطالب في إعادة النظر فيه، ما قد يدعم الآمال في أن رئيسة الجامعة ستلغي القرار المنافي لروح العهد الذي تعيشه البلد.

إن هذه مبادرة طيبة من أحد النواب بالتصدي للممارسات غير المناسبة، وربما تكون هذه من المرات القليلة التي يسأل فيها النواب سؤالا رقابيا. إذ اعتادوا توجيه أسئلة للحصول على معلومات، يمكن للوزراء الإجابة عنها بسهولة، عبر تدبيس عشرات الخطط والاستراتيجيات التي لا تنفذ.

ويبدو موقف النواب أفضل بكثير من موقف أساتذة جامعة البحرين الذين اصبح غالبيهم – لأسباب عدة – لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، و أكثر تقدما من جمعية الجامعيين، والأكاديميين، والحقوقيين، والمحامين.

معاقبة شخص

لا تعرف الأسباب الحقيقية التي تستند إليها إدارة الجامعة في معاقبة شخص واحد حضر اجتماعا معينا، ولماذا لم تتم معاقبة الطلاب الآخرين الذين نظموا وشاركوا؟ إن هذا الإجراء يعد مخالفة للائحة المخالفات المسلكية التي تنص مادتها الأولى على سريان «أحكام هذه اللائحة على جميع الطلبة المسجلين في الجامعة»، وليس أعضاء مجلس الطلبة المنتخبين فقط.

كما يعد لفت النظر وبعده قرار الفصل مخالفا للمادة 18 من الدستور التي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، أي أنه لا يجوز اتخاذ إجراء تأديبي ضد طالب، دون آخر، إلا إذا اعتبر أن مواد الدستور لا تسري داخل الجامعة.

إلى ذلك، فإن المادة 28 / أ من الدستور تنص على أن «للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة»، فيما تنص الفقر (ب) من المادة ذاتها على أن «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة».

وتنص المادة مادة (31) على: «…ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، أي ، القوانين واللوائح التي ستنظم الاجتماعات لا يصح لها أن تقيد حرية الأفراد.

ذلك، يعني انه ربما تستند إدارة الجامعة في قرارها إلى لوائح معينة، لكن لا يستبعد والحال هذا، أن تكون هذه اللوائح مخالفة لنصوص دستورية واضحة تعطي الحق للطلبة في إقامة اجتماعاتهم، مع مراعاة طابع المؤسسة الأكاديمية بالتأكيد، ولا يوجد دليل على أن الطالب خالف ذلك، وإذا كان فعل، فلماذا لم تتم معاقبة جميع الطلاب؟

مخاوف

إن حرية النشاط الطلابي في الأصل يجب أن تكون مكفولة لمختلف «القوى» الطلابية في الجامعة، بعيدا عن أية حساسيات أيديولوجية أو مذهبية.

ويُخشى أن يكون ما يردده كثير من طلبة الجامعة من أن إسقاط عضوية الطالب سيدشرف من المجلس لكونه شارك في احتفال ديني (مولد الإمام الحسين «ع») صحيحا، فذلك يبدو خطأ غير مبرر، ويعني أن الجامعة قد تكون واقعة في مخالفة دستورية حاول النائب جاسم السعيدي تفاديها، حين سحب مقترحا لحصر المسيرات العزائية في المآتم والمساجد، بعد معركة برلمانية انتهت باعتذاره.

كما يأمل المتابعون أن يكون ما يقال عن رفض إدارة الجامعة دعوة ناشطين لأسباب تتعلق بآرائهم ومذهبهم غير صحيح، وأن ما يقال بشأن تعرض بعض كتب الأدعية ومتعلقات أخرى دينية للتكسير غير صحيح، وأن ما يقال من أن إدارة الجامعة لم تدن مثل هذه الممارسات غير صحيح أيضا. ذلك أن مسألة احترام الرأي الآخر لاشك أن تقع على رأس أولويات العاملين في الجامعة، من أساتذة، وإدارة، ومن غير المعقول القبول بممارسات تضر بالوحدة الوطنية في الجامعة، وهي المكان الذي يأمل أن يكون محلا لخروج جيل جديد، يحترم المذاهب الدينية الخمسة في البلد، ويتعاطى مع الرؤى المتباينة وفق الأسس الديمقراطية.

وينتظر المواطنون من الجامعة أن تكون في مقدمة المؤسسات التي تؤمن بالتعددية، بحيث تشكل أنموذجا يحتذى، أو على الأقل ألا تكون متخلفة عن المرحلة التي تعيشها البلد.

بين المهندي والسعيدي

وأذكر هنا أن النائب السلفي حمد المهندي كان قدم في دور الانعقاد الأول مقترحا بقانون بشأن تعديل المادة 309 من قانون العقوبات للعام 1979 المتعلقة بحرية ممارسة الشعائر الدينية، والتي تنص على أنه «يعاقب بالحبس بالجرائم التي تمس الدين والأسرة…»، ويقضي التعديل المقترح بإضافة فقرة جديدة نصها «يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تتجاوز 500 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من استعمل القوة والتهديد أو الإكراه بأية وسيلة مع غيره لحمله على التخلي عن ملته أو ممارسة شعائرها».

قبل ذلك، فإن المادة 22 من الدستور تنص على أن « حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دُور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد». وكان المهندي قدم التعديل المذكور بهدف الضغط على وزارتي الداخلية والدفاع لإعادة العسكريين المفصولين عن أعمالهم بسبب إظهارهم الشعائر الدينية (اللحية). وما يشار إليه أن موقف المهندي وعموم النواب السلفيين داخل مجلس النواب كان سلبيا جدا من مقترح السعيدي. يتم تنظيم العمل الطلابي بالحوار مع المعنيين من الطلبة، وفي ظل أجواء تدرك أن هؤلاء الطلبة أبناء مجتمعهم، ولا يمكن بقرار فوقي أن يتخلوا عما يعتقدون أنه صحيح. وإذ يمكن تفهم بعض الإجراءات التنظيمية التي تتخذها إدارة الجامعة، فإن اتخاذ إجراءات «صارمة» بحسب تعبير عميد شئون الطلبة، ضد شخص واحد دون غيره، لن يكون حلا لمسألة فكرية

المصدر: إجراء غير تربوي ويحمل شحنات عنف

انشر وشارك

مقالات ذات صلة