abbasbusafwan@gmail.com

المؤتمر الدستوري: ليس نقطة فاصلة ولا بيانا مكرورا

انعقاد المؤتمر الدستوري يومي 14 و15 من الشهر الجاري، متزامنا مع الذكرى الثانية لصدور الدستور الجديد، تحت شعار: «نحو دستور عقدي لمملكة دستورية»، يعني أن الأمر لم يستتب مطلقا للوثيقة الدستورية الأساسية التي أريد لها أن تكون نهاية حقبة سوداء ومظلمة في تاريخ البحرين، بدأت في العام 1975 حين حُل أول مجلس منتخب، بطريقة غير دستورية (يعطي دستور 1973 الحاكم حق حل البرلمان شرط إعادة انتخابه في مدة أقصاها ثلاثة أشهر).

منذ صدر الدستور في 14 فبراير/ شباط 2002، والاحتجاجات عليه تتزايد. ويرى متابعون أن الارباك الواسع الذي سببه إصدار الدستور كان يمكن تفاديه لو سبقته مشاورات شعبية واسعة، كما تم ذلك قبيل التصويت على ميثاق العمل الوطني، ونتج عنه إجماع وطني منقطع النظير.

ولا يغني عن المشاورات – مطلقا – الفهم القانوني الذي استند إليه في إصدار الدستور، وهو أن الموافقة على الميثاق يخوّل تلقائيا رأس الدولة إصداره دونما حاجة إلى إقرار نيابي، ذلك أن هذا الفهم محل خلاف أصلا.

(2)

وبحسب مسودة المقررات التي أعدها لوبي الدستوريين الذي يقود اللجنة التحضيرية، على رغم اعتراضات شخصيات من استئثار القانونيين بالملف، فإن المؤتمر سينتهي بالتنديد بدستور 2002، وسيوافق على وثيقة دستورية جديدة بديلة عن دستور المملكة الحالي تستند على دستور 1973، وسيلوح باتخاذ خطوات تصعيدية سلمية أخرى، من بينها نقل الملف إقليميا ودوليا (ليس من بينها مؤسسات الأمم المتحدة على الأقل هذا العام)، وسيوصي بتوقيع عريضة شعبية تطالب بالعودة الى مكتسبات دستور 1973 فضلا عن توصيات أخرى.

ويعتقد القائمون على المؤتمر أن تنظيمه يعد تحولا نوعيا، ونقطة فاصلة ستحقق نتائج حاسمة، عاجلا لا آجلا، إذ ستظهر في المدى المنظور، وتحديدا قبيل الانتخابات النيابية التي ستجرى في العام 2006، وربما قبل ذلك في الانتخابات البلدية العام المقبل، إذ سيتجلى حينها الرفض الكبير للدستور عبر فعاليّات ونشاطات مختلفة تصل إلى حد مقاطعة هذه الانتخابات. وهذا ما يشكك كثيرون في انه حقيقة أكيدة.

(3)

عمليا احتاجت المعارضة الى نحو سنتين كي تتفق على رؤية محددة، تتم على أساساها تشكيلة اللجنة التحضيرية، التي كُلفت الإعداد للمؤتمر الدستوري.

ومن دون العودة إلى تفاصيل ما جرى طوال الـ 24 شهرا الماضية من تحالفات وانقسامات وإعادة هيكلة هذه التحالفات لتعود إلى المربع رقم واحد من الناحية العملية، وربما أقل منذ ذلك بسبب انسحاب المنبر التقدمي، فإن هذه المدة التحضيرية إشارة واضحة الى أن صعوبات جمة وحقيقية تقف حائلا دون ان تحقق المعارضة المقاطعة أهدافها الحقة والمشروعة، بالسرعة التي يروج لها عدد من القائمين على المؤتمر والقريبين من دهاليزه.

نبرة التفاؤل والحماس التي تسود أوساط المقاطعين ومن بينهم القريبون من لوبي الدستوريين مبنية على أن الأجواء الدولية والإقليمية تسير حثيثا في الضغط على أنظمة الحكم العربية لإعطاء المواطنين فسحة للمشاركة في القرار، وما يحدث في سورية والسعودية والعراق خصوصا مؤشرات تسهم في إلهام التحالف الرباعي، وان الرؤية التي عبر عنها السيد السيستاني في مطالبته بإجراء انتخابات عامة، لضمان مشاركة شعبية في إعداد الدستور العراقي لا يمكن أن يتجاوزها الناشطون في البحرين.

لكن رؤى معارضة أخرى (وليس موالية)، ترى أن لا ضغوط دولية حقيقية على الحكم في مجال الديمقراطية والحريات. والتنازلات التي قدمت قبيل التصويت على ميثاق العمل الوطني مطلع العام 2001، بغض النظر عما إذا كانت نتاج ضغوط دولية أم خيارات محلية بحتة، فإنها كافية في نظر القوى الرئيسية الدولية.

بل وتعد المملكة في الخطاب الرسمي الأميركي نموذجا يحتذى به. وهي انتخبت حديثا نائبا لرئيس لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ما يعني أن الحديث عن ضغوط دولية قد يكون مبالغا فيه.

إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في البلد لا يبدو ضاغطا على الحكم، وخصوصا بعد منح السعودية انتاج حقل أبوسعفة للبحرين كاملا، في ظل توقعات أن يرتفع انتاجه من 195 ألفا إلى 300 ألف برميل يوميا في العام 2004 بعد التوسعة التي ستنتهي في العام الجاري والتي كلفت نحو 1,2 مليار دولار أميركي.

إلى ذلك، فإن أداء النواب في الفترة الأخيرة، وخصوصا في ملف هيئتي التقاعد والتأمينات، يعطي فسحة أخرى للحكم، ولسان حاله يقول: إن الحديث عن ضعف الصلاحيات لم يثبت. وعلى رغم أن هنالك اتفاقا على أن مزيدا من الصلاحيات مطلوب للمجلس المنتخب، فإن ما يحدث يجعل المدافعين عن التجربة الحالية يؤكدون أنه يمكن اللعب من داخل اللعبة الجارية.

(4)

لعل أبرز مكامن القوة في المؤتمر الدستوري إذا ما تجاوزنا ما تحقق قبله من وضع الإصلاح الدستوري في قمة الهرم، تتمثل في تشكيل لجنة دائمة لمتابعة المقررات المتفق عليها. وهذه إضافة جيدة، بالنظر إلى الضعف العام الذي ساد برامج المعارضة عموما والذي حال دون أن تقدم خطوة نوعية طوال السنتين الماضيتين، باستثناء إشارات هنا وهناك لم يكن المتصدي الرئيسي لها التحالف الرباعي أو السداسي.

وفي ملفي التجنيس والفساد الإداري والمالي اللذين يمسكهما أساسا التحالف الرباعي وليس لجنة متخصصة من خارجه لم يتم انجاز شيء نوعي (سياسيا). وهذه مناسبة أخرى كي يدرك التحالف أن من الأنسب التسليم بأن لجانا متخصصة لمتابعة الملفات أجدى وأنجع للمعارضة وللوطن، وفي هذه الحال يمكن أن تقول المعارضة أيضا إن هذا إنتاجها.

لكن مع من ستتابع لجنة المتابعة، بما أن أحد الأهداف الكبرى والأساسية للمؤتمر هو الضغط على الحكم للجلوس على طاولة مفاوضات، في ظل رفض معلن للجنة التحضيرية أن يتم الجلوس مع ناشطين قريبين من الحكم للتفاوض، سواء كان هؤلاء نوابا أو أعضاء في جمعيات سياسية.

أخشى أن المتابعة لن تتم مع الحكم الذي لم يعتد الحوار مع المعارضة ندا بند، وهو اعتاد اللجوء إلى رموز المواطنين الشيعة في حال قرر الوصول إلى تسوية ما، وهو ما فعله أيام الحركة المطلبية حين اتفق مع «أصحاب المبادرة» على التهدئة، مقابل وعود سياسية غير مكتوبة، وانتهت المبادرة إلى الفشل بسبب عدم التزام الحكم بها وضعف الضمانات السياسية التي قدمت لأصحابها، فضلا عن الاستعجال في الكسب في ظل ضغوط شعبية لم يتمكن القادة من استيعابها.

كما لجأ الحكم إلى القيادات الشيعية للاتفاق معها بشأن الضمانات المطلوبة للتصويت على ميثاق العمل الوطني. حينها كانت موافقة التيارات الديمقراطية ولجنة العريضة، على ما تم التوصل إليه تحصيل حاصل. وسواء وافق التيار الديمقراطي أم لا، فإن القرار بالتصويت على الميثاق كان اتخذ.

في الوقت الحالي، ومع خروج الشيخ عبدالأمير الجمري من ساحة الفعل السياسي وعدم انخراط أبرز قيادة دينية للتيار الإسلامي الشيعي وهو الشيخ عيسى قاسم في الحدث السياسي اليومي وتخويل «الوفاق» من الناحية العملية في متابعة الملف السياسي اليومي فقد يقود إلى أن يرتسم دور ما إلى لجنة المتابعة. وان كانت الشكوك إزاء ذلك واردة وحقيقية في ظل تجارب الماضي القريب والبعيد.

(5)

النقطة النوعية التي يمكن أن تحسب للمعارضة هنا، هي طبيعة التحضير الرصين للمؤتمر. ويمكن القول إن المعارضة افتقدت في الفترة الأخيرة صانع ألعاب وقد مارس لوبي الدستوريين ذلك بنجاح. وتبدو لجنة المتابعة أو الأمانة العامة ضرورية ومهمة لتحاشي انفراد أي من الجمعيات الأربع أو الدستوريين بالملف، فهؤلاء لا شرعية لهم من دون التحالف الرباعي.

ومن بين النقاط الإيجابية للمؤتمر قدرته على استقطاب شخصيات من الخارج، يمكن أن تدعم موقفها من دستور 2002، ولعل تجربة المعارضة مع الفقيه الدستوري كمال أبوالمجد الذي استطاع الحكم تحييده بعد أن كان قدم وعودا إلى المعارضة والحكم أن يقترح مخارج ويقدمها الى الطرفين، جعلت المعارضة تشتغل على نحو أكثر هدوءا، وتتحفظ على توضيح صلاتها مع القانونيين الذين سيشكل حضورهم نقطة تحسب للمؤتمر.

(6)

على الجانب الآخر، أخفق المؤتمر في توسيع دائرة المؤمنين بالمطالبة بتعديلات دستورية على النحو الذي يطرحه التحالف الرباعي. وإلى الآن لا يبدو هناك إدراك بأن الاصطفاف الحاصل هو اصطفاف تقليدي قوامه التيار الإسلامي الشيعي المدعوم من الوطنيين.

والنقطة النوعية الحقيقية والفاصلة التي كان يمكن أن يتباهى بها القائمون على المؤتمر هي قدرته على استقطاب التيار الإسلامي السني. لكن ذلك لم يحصل. واستطاع «المنبر الإسلامي» و«الوسط العربي» لاحقا التهرب من مصيدة التحالف الرباعي، كان الشيخ علي سلمان مستوعبا التضحيات التي يمكن أن تقدم في سبيلها مع كامل الوعي بأن جمعيات التيار الإسلامي السني لم تشترك في أي نشاط سياسي مفصلي معارض في العقود الماضية، باستثناء مشاركة الشيخ عبداللطيف المحمود في لجنة العريضة الشعبية ثم انسحابه منها، وبالمناسبة، فإن اصطفاف المشاركة والمقاطعة مختلف في مدى التوقعات التي ستنتج عن المؤتمر الدستوري. ويمكن ملاحظة أن المقاطعين ينتظرون الكثير من المؤتمر، وهذا ليس رأي المشاركين.

(7)

لا أظن أن المؤتمر الدستوري مجرد بيان سياسي مكرور كما يعتقد ناشطون معارضون وغير معارضين، كما لا أظنه نقطة فاصلة، هو خطوة أو خطوتان وليس عشرات الخطوات في طريق طويل.

وبما أن الورقة الشعبية هي مكمن القوة عند المعارضة، فإن تفعيلها يحتاج إلى إبداع يخشى كثيرون أنه غير موجود. فالطاقة الشعبية متوافرة لكنها غير موجهة، وهذا ما يجعل التحالف الرباعي يمتنع عن استخدامها طوال السنتين الماضيتين، لأنه لا يطمئن كثيرا إلى أنه سيتمكن من ضبطها.

إن ما يحدث انتصار حقوقي يحتاج إلى استثمار سياسي، بحسب ما قال أحد المتاعبين، وان الانتصار اللحظي يمكن الالتفاف عليه وهو ما فعله الحكم مرات مرات.

(8)

الحكم أيضا سيربح كثيرا أو قليلا مما سيجري، ويمكن لخطابه الرسمي أن يقول إن المؤتمر انعقد بفضل المناخ الصحي الذي خلقه المشروع الإصلاحي، وهذا صحيح إلى حد كبير.

بل إن المؤتمرين سيعبرون خلال المؤتمر عن شكرهم إلى المشروع الإصلاحي وسيأملون استمراره. وإحدى الإشكالات هنا أن المشروع الإصلاحي هو الخصم في هذه المعركة، لكنه الصديق والملجأ

المصدر: المؤتمر الدستوري: ليس نقطة فاصلة ولا بيانا مكرورا

انشر وشارك

مقالات ذات صلة