abbasbusafwan@gmail.com

المنبر والأصالة: ثقل التركيبة الطائفية وغياب الأجندة السياسية

في هذه الحلقة نستكمل موضوع البحث بالحديث عن الكتل النيابية التي يتكون منها البرلمان، في قراءة للتجربة البرلمانية الجديدة التي تشهدها البلاد.

المنبر الوطني الإسلامي

تعد الواجهة السياسية لجمعية الإصلاح التي نشأت متبعة نهج تيار الأخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر العام 1928.

ويعتبر هذا التيار قادرا على التكيف. إذ شكل سريعا جمعية سياسية تمثل رأيه، وعرض برنامجا ونشره، وشارك في الانتخابات البلدية والبرلمانية، وحقق نجاحات كبيرة.

وتضم هذه الكتلة، سبعة نواب هم: الطبيبان صلاح علي وسعدي عبدالله، والأكاديميان عبداللطيف الشيخ وعلي أحمد، ورجلا الأعمال عبدالعزيز المير وحسن بوخماس، إضافة إلى رجل الدين محمد خالد.

تبدو هذه الكتلة أكثر من غيرها انسجاما مع بعضها. ويلاحظ أنها قدمت عددا من المشروعات بقوانين، أو الاقتراحات برغبة موقعة من نواب الكتلة، وهو أمر لا يحدث في الكتل الأخرى.

إن أهمية توقيع المقترح من قبل الكتلة يعكس في الظاهر على الأقل – أنها تعمل كفريق واحد – وهذا بعد غائب في كتل أخرى.

كما يلاحظ أن هذه الكتلة تجلس قرب بعضها في البرلمان. الذي تتميز طبيعة توزيع الكراسي فيه بتشتيت الكتل. فكل نائب يجلس في الموقع الذي يختاره، وهو ما يصعب إجراء المشاورات التي قد تحتاجها النقاشات.

إن علاقة قوية تربط المنبر بالكتل النيابية الأخرى. وإذ أحفقت «المنبر» في الحصول على رئاسة المجلس، أو رئاسة اللجان في الدور الأول، التي حسمت لصالح «كتلة الأصالة» السلفية والمتعاطفين معها، فإن «المنبر» تمكن من قلب الطاولة في الدور الثاني، وفاز برئاسة اللجنة التشريعية في شخص عبداللطيف الشيخ، ورئاسة لجنة الخدمات في شخص علي أحمد، فضلا عن فوز حليفها جاسم عبدالعال برئاسة اللجنة الاقتصادية، بالتالي ضمن «المنبر» وجودا «قويا» في مكتب المجلس، مسنودا أيضا بالنائب الأول عبدالهادي مرهون.

لكن «المنبر» لم يستثمر هذا النفوذ، وعلاقته الطيبة مع الحكومة داخل المجلس، وخارجه، فلم يتفاوض مع السلطة التنفيذية بهدف إرجاع مقترحات القوانين وتحقيق بعض مطالب «المنبر» التشريعية، كما أخفق «المنبر» في استثمار علاقته الطيبة مع جميع الأطراف، لدفع وتيرة الحوار الوطني، مع كونه مؤهلا أكثر من غيره لفعل ذلك.

وعلى رغم أن هذه الكتلة كبيرة عدديا (7 نواب)، وهي منسجمة، ومنظمة، وتملك تاريخا يسندها (60 عاما من العمل الخيري، كما هو شعار جمعية الإصلاح)، إلا أنها مثقلة بطبيعة التركيبة الطائفية التي تعيشها البلاد.

لذلك تراها ليست جريئة، و«غير مبدئية» في برامجها وأولوياتها. تسكت على كثير من الأخطاء، ضمن فهم براغماتي بأن مصلحة من أدافع عنهم تقتضي السكوت عن تشكيل دولة المؤسسات، وتجاهل قضايا التمييز والتوظيف، ذلك أن دولة المؤسسات والقانون، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة قد تعني افتقاد مناصري «المنبر» حظوظهم في الحصول على الوظيفة، وتقلد المناصب العليا (خلال السنوات المقبلة، يمكن توقع وصول وزراء ينتمون إلى هذا التيار).

ومع ذلك يسجل لهذا التيار حرصه في بعض المنعطفات على التواصل مع القوى السياسية والدينية في البلد، ولعل حضور الشيخ عبدالأمير الجمري ضيفا في جمعية الإصلاح من دون غيرها في مارس من العام 2001 إشارة إلى هذا التيار هو الأقرب ليلعب دورا إيجابيا في الحياة العامة.

يرحب هذا التيار بالإصلاحات (بعكس تيارات أخرى تعتبر الإصلاح مضرا بها)، لكنه (المنبر) غير مستعد للمطالبة بشيء جدي، ودفع ضريبة ذلك. وهو لا يؤيد إجراء تغييرات جوهرية على دستور 2002، لأنه يدرك أن مجلسا منتخب كل أعضائه، وله صلاحيات تشريعية واسعة يعني إعطاء المواطنين كلهم مساحة أكبر في القرار، في بلد تبدو فيه علامات عدم الثقة بين الأطراف واضحة، وهو ما يتحاشى الجميع الحديث عنه علنا.

وربما لهذا السبب، ولقلة الخبرة السياسية، فإن أداء «المنبر» في مجلس النواب، والمواقف التي تتخذها، والقوانين التي قدمتها، لا ترق إلى ما تمتلكه الجمعية من كوادر وطاقات، وعلاقات متميزة مع الحكومة.

إن المقترحات التي قدمها المنبر خلال العام (من ديسمبر 2002 إلى ديسمبر 2003) ذات مردود جيد على البلد والمواطنين. وهي مقترحات وقوانين تهتم بأمور جدية، وليست هامشية. وحين تقاس أولوياتها من خلال ما قدمت من مقترحات، وقوانين، يمكن القول انها تعنى بالبعد المعيشي، بأفق غير ضيق، إذ اهتمت بتوحيد مزايا صندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وإلحاق تبعية الأئمة والمؤذنين في مساجد المملكة للكادر الوظيفي بحسب أنظمة درجات الخدمة المدنية، وهي أمور تتجاوز تقليل الرسوم عن الجوازات وما شابهها من أمور ثانوية.

ويمكن ملاحظة أن المنبر يتفادى الاشتغال بالسياسة والحقوق داخل مجلس النواب، ويستبعد أن يقدم شيئا على هذا الصعيد، إلا ضمن رؤية توافقية مع الطرف الرسمي.

ومع انه أكثر تقدمية من الأصالة. فبينما عارض التيار السلفي توسيع صلاحيات المجلس عند مناقشة تعديل اللائحة الداخلية، فإن المنبر الإسلامي ضغط باتجاه التوسيع، لكن ضمن أجندة محافظة، فتواصله مع التيارات السياسية المعارضة لن تصل إلى حد التحالف، وهذا ما يفسر انسحابه من التحالف السباعي في آخر لحظة، وانسحابه قبل غيره من المؤتمر الدستوري.

وإذا كان خيار «المنبر» واضحا على الصعيد السياسي، ما يؤطر أجندته التشريعية إلى حد ما، ويحد من فعاليتها، فإن أجندته الرقابية تبدو أكثر ضبابية، كما هو حال معظم الكتل النيابية.

إن دراسة الأسئلة التي قدمها «المنبر» خلال عام، يمكن الاستنتاج أنه لا يستغل المتاح له من حق توجيه الأسئلة إلى الوزراء، وهذا إشكال عام يواجه عموم النواب، «إذا وجه النواب خلال الأشهر العشرة الأولى من عملهم، 42 سؤالا فقط، ما يعني أنهم مارسوا رقابة بنسبة 10 في المئة، فيما يحق لهم تقديم نحو 400 سؤال، لأن من حق كل نائب توجيه سؤال واحد في الشهر».

فضلا عن إشكالية الكم، وعدم الاستفادة مما هو متاح على رغم ضيقه أصلا، قدم نواب «المنبر» 5 أسئلة فقط طوال عشرة أشهر، ولم يوجه رئيسها النائب صلاح علي أي سؤال، بينما يحق للكتلة توجيه 70 سؤالا، فإنه لا منهجية واضحة في استخدام الأسئلة، ولا رابط بينها وبين أجندة التشريع. إذ سأل محمد خالد وزير الداخلية عن أسباب منع حجاب الشرطيات (ابريل/ نيسان 2003)، وسأل عبداللطيف الشيخ وزير الكهرباء والماء عن التلوث الذي تسببه محطة كهرباء الرفاع، وسأل النائب علي أحمد عن وجود بضائع إسرائيلية في البحرين (مايو/ أيار 2003)، وسأل عبداللطيف الشيخ وزير العدل بشأن تقنين الاحوال الشخصية (مايو 2003).

ومن دون التقليل من أهمية الأسئلة فإن كل نائب كان يسأل ضمن هواجس شخصية أو مناطقية في أحسن الأحوال، لا ضمن رؤى وبرنامج وأولويات «المنبر» وما يأمل تحقيقه خلال هذه الدورة البرلمانية. وهذا الكلام يمكن أن يعمم على غالبية الكتل، التي أخفقت في الاستفادة من آلية توجيه السؤال إخفاقا ذريعا.

إن ضعف المنبر الإسلامي وتحفظه داخل مجلس النواب، ينعكس على طبيعة أدواره وتحالفاته ونشاطاته خارجه. فالعلاقة بينه وبين المنبر التقدمي والوسط العربي لم تترسخ، لتشكل تحالفا ثلاثيا يوازن الدور الذي يلعبه التحالف الرباعي النشط على الصعيد الدستوري.

وإذا ما تم التنسيق بين المنبرين فستشكل أكبر لوبي في البرلمان (10 نواب)، إذا اعتبرنا أن كتلة الديمقراطيين الوطنيين التي يقودها النائب عبدالهادي مرهون قريبة من المنبر التقدمي، لكن ذلك دونه صعوبات جدية، تختلف باختلاف أولويات الطرفين.

كتلة الأصالة

انبثقت جمعية الأصالة من جمعية التربية الإسلامية (تأسست 1987) ذات التوجه السلفي الدعوي والخيري. ويملك هذا التيار تجربة جيدة على صعيد المؤسسية، كما هو حال جمعية الإصلاح، وعلى خلاف التيار الإسلامي الشيعي الذي بدأ بعض قيادييه يدرك توا أهمية المؤسساتية.

الموازنة التي تشتغل عليها جمعية التربية الإسلامية تقدر بأكثر من مليون دينار، تسندها مدرسة الإيمان الخاصة التي تضم المراحل الدراسية الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية) وخرّجت دفعتين، بنين وبنات، وموازنتها تقدر بنحو نصف مليون دينار، فضلا عن تبعية مركز «اكتشف الإسلام» ذو التأثير البين إلى جمعية التربية/ الأصالة، وتتسابق التربية/ الأصالة مع منافستها الإصلاح/ المنبر على السيطرة على مساجد أبناء الطائفة السنية في البحرين.

وهذا يعني أن «الأصالة» تمتلك بنية تحتية، وروافد يمكن أن تغذي تيارها، وهذا هو حال تيار الإخوان المسلمين.

تضم هذه الكتلة خمسة نواب، هم النائب الثاني عادل المعاودة، والمتحدث الرسمي باسم الكتلة غانم البوعينين، وذو الاهتمام القانوني حمد المهندي، ورجل الدين علي مطر، والطبيب عيسى المطوع. وهم كوادر وتكنوقراط، وخصوصا المعاودة الذي يرأس الأصالة والتربية الإسلامية ومجلس أمناء مدرسة الإيمان.

يواجه هذا التيار إشكالا فكريا في نظرته إلى الديمقراطية التي يعتبرها غير جائزة شرعا، لكنه تيار براغماتي بامتياز، تمكن بشكل أو آخر من أن ينظّر إلى دخوله البرلمان متخطيا التيار المحافظ داخله، ومن أن ينأى بنفسه عن التيارات التي تورطت في صدامات مسلحة مع الأنظمة العربية والأميركيين، على رغم كونه (كان) أحد داعميها.

ما يقال عن التركيبة الطائفية في البلد، وطبيعة توزيع «الحصص» فيها، وأثر ذلك على قرارات ورؤى «المنبر الإسلامي»، يقال عن «الأصالة»، وكتلة «المستقلين». وهذا الإشكال، إضافة إلى ضعف الثقة والقلق المتبادل، أهم عقد البلد التي يجدر العمل على حلها، وذلك لن يتم ما لم يعاد صوغ مفهوم المواطنة.

وكما تهمل كتلة «المنبر» العمل السياسي داخل قبة البرلمان، أو تشتغل عليه وفق تصور لا يعطي للأبعاد الحقوقية والقانونية أولوية، فإن «الأصالة» تهمل هذه الأمور أكثر. وهي ضد وليست محايدة في المسألة الدستورية، أي أنها مع إبقاء نصوص دستور 2002 كما هي عليه، أو تعديله شكليا، ويمكن أن يستثنى من ذلك النائب حمد المهندي الذي أيد إجراء تعديلات في اللائحة الداخلية لمجلس النواب تزيد من صلاحيات المنتخبين، بينما عارضت الكتلة التي ينتمي إليها ذلك.

يهتم هذا التيار أكثر من غيره بما يسمى القضايا الأخلاقية، وهو من أثار قضية المغنية نانسي عجرم التي أدت تفاعلاتها إلى حدوث فوضى قام بها شبان لا صلة لهم بـ «الأصالة» التي تتفادى الخروج للشارع. والمرة الوحيدة التي عرف أن «الأصالة» اشتركت في اعتصام شعبي كان ضد برنامج الرئيس وهو النسخة العربية من برنامج «الأخ الأكبر»، حينها قاد رئيس جمعية «الأصالة» عادل المعاودة، على رغم معارضة النائب حمد المهندي له، حملة ضد البرنامج وصلت إلى حد تقديم استجواب إلى وزير الإعلام نبيل الحمر، أجل لاحقا، لأن السلطات طلبت من محطة تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي) التي استثمرت نحو 15 مليون دولار، الخروج من البحرين.

في جانب آخر، لا يبدو أن نواب «الأصالة» ينسقون مع بعضهم بعضا على نحو يقود إلى اتفاق على برنامج محدد. فمثلا لا تقدم الاقتراحات برغبة ومقترحات القوانين من طرف أعضاء الكتلة مجتمعين. وفي مثال أوضح على ضعف التنسيق، لم تدعم الكتلة النائب عيسى المطوع في استجواب وزير الصحة السابق خليل حسن، وكأن الاستجواب كان خيار فرد لا كتلة، ولم تدعم أو تطور ملاحظات المهندي في شأن العلاقة الإشكالية بين وزير البلديات والمجالس البلدية المنتخبة، علما بأن «الأصالة» لها ممثلون في مجلسي المحرق والجنوبية.

إلى ذلك، يلاحظ أن كتلة «الأصالة» اهتمت بالمنطقة الجنوبية من دون غيرها، لكنها لم تقدم مشروعات بشأن تطوير المحرق أو المناطق الأخرى. والأرجح ان ذلك يعود إلى اهتمام نواب الجنوبية بمحافظتهم وليس لرؤية أشمل داخل الكتلة لاحتياجات المحافظات المختلفة، أو على الأقل لاحتياجات المحافظات التي انتخب نواب الأصالة فيها (المحرق، الوسطى، الجنوبية).

على صعيد الأسئلة، وجه نواب كتلة الأصالة عشرة أسئلة خلال العام (من ديسمبر 2002 إلى ديسمبر 2003)، اهتمت بشئون عدة ذات طابع خدماتي، ومناطقي وقانوني، فضلا عن البعد الأخلاقي.

ولعل الأجندة الرقابية تبدو أكثر ثراء من الأجندة التشريعية لـ «الأصالة»، إذ وجهت أسئلة إلى وزارة الداخلية في شئون السرقات، وآخر إلى وزير النفط بشأن بيع الحكومة حصتها في شركة ألبا، كما اعترضت على قرار أصدره وزير المالية بشأن زيادة نسبة اقتطاع اشتراكات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة لتصبح (6 في المئة) بدلا من (5 في المئة) واعتبرته غير دستوري، والسؤال الأخير وجهه النائب حمد المهندي الذي يتابع شئونا قانونية، لكن بعض نواب الأصالة لا يبدون حماسا لأجندته هذه التي يعتبرونها «حماسية».

ويبدو من الأسئلة أنها تطلب معلومات، أكثر منها تمارس رقابة، ما يفقدها أهميتها، ذلك أن السؤال هو في الأساس أداة رقابية. وكما هو حال الكتل الأخرى، فغالبا لا تجد رابطا بين الأجندة الرقابية والأجندة التشريعية لـ «الأصالة»، بل لا تجد ترابطا بين الأسئلة الموجهة، فهي لا توجه ضمن سياق برنامج أو رؤية

المصدر: المنبر والأصالة: ثقل التركيبة الطائفية وغياب الأجندة السياسية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة