abbasbusafwan@gmail.com

غياب مجلس الشورى: محاولة للفهم

لا أخفي حرجي وأنا أتحدث أمام شخصيات أقدرهم، وأجد نفسي حريصا على أن أكون صريحا أمامهم، وبكل تواضع سأقول رأيا، آمل أن يتقبلوه، منطلقا من أن «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

لا يبدو السؤال هنا عن غياب أو عدم غياب عدد مؤثر من أعضاء مجلس الشورى عن الفعالية التشريعية، والرقابية بمفهومها الواسع لا الدستوري، وساحة النقاش العام، فذلك مع الأسف الشديد صار واقعا. وربما تكون هذه الندوة إحدى المؤشرات على الرغبة في تجاوز هذا الأمر، ذلك أن الإدراك بأن خطأ موجودا ويجدر حله بداية أساسية للتصحيح.

ليس من المناسب حصر أسباب ضعف التواصل بين الناس وأعضاء مجلس الشورى في المسألة الإعلامية الفنية البحتة، وتوجهات الصحف وأولوياتها، وعدم اهتمام وزارة الإعلام بالأنشطة البرلمانية، وتقليدية التغطية في وسائل الإعلام المحلية… لذلك سأخرج عن الإطار الضيق الذي يحصرني فيه عنوان الندوة، محاولا قراءة الحدث ضمن سياق سياسي، عل ذلك يكون مساهمة في فهم هذا الغياب. لذلك يجدر بنا فحص جملة من الفرضيات التي يتم تداولها على أنها السبب فيما يوصف بـ «الصورة الباهتة» للمجلس المعين في ذهنية الرأي العام.

الفرضية الأولى: عدم التمتع بصلاحيات رقابية

الحضور الباهت يعود إلى المهمة المختلفة بين مجلسي الشورى والنواب، وخصوصا تلك المتعلقة بالرقابة، كون المجلس المعين تنحصر صلاحيته بالتشريع.

عند مناقشة هذه الفرضية، يمكن تسجيل النقاط الآتية:

– على المستوى التشريعي، فإن لكلا المجلسين سلطات متساوية في اقتراح القوانين وتعديلها. وينص الدستور على أن مجلس الشورى مكون من أربعين، وهو العدد ذاته للمجلس المنتخب. بل إن الدستور يعطي مكانة دستورية ومعنوية وسياسية أعلى لمجلس الشورى من تلك التي يعطيها مجلس النواب.

وتنص المادة (70) من الدستور على أن «لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال، وصدق عليه الملك».

وتنص المادة (82) على «إذا لم يوافق مجلس الشورى على مشروع قانون أقره مجلس النواب سواء كان قرار مجلس الشورى بالرفض أو بالتعديل أو بالحذف أو بالإضافة يعيده رئيس المجلس إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه».

وتنص المادة (83) على أن رئيس مجلس الشورى وليس مجلس النواب هو الذي يرفع القانون إلى رئيس مجلس الوزراء، إذ جاء في النص: «إذا قبل مجلس النواب مشروع القانون كما ورد من مجلس الشورى يحيله رئيس مجلس الشورى إلى رئيس مجلس الوزراء لرفعه إلى الملك».

وتؤكد المادة (86) هذا المعنى، حين تشدد على أنه «في جميع الحالات التي يتم فيها الموافقة على مشروع القانون يقوم رئيس مجلس الشورى بإحالته إلى رئيس مجلس الوزراء لرفعه إلى الملك».

في حال الخلاف بين مجلس الشورى والنواب، فإن الغرفة الأولى هي المرجحة كونها تملك الغالبية، بحكم ترأس رئيسها جلسة المجلس الوطني. وفي ذلك تنص المادة (85) من الدستور على الآتي: «إذا اختلف المجلسان حول مشروع أي قانون مرتين، يجتمع المجلس الوطني برئاسة رئيس مجلس الشورى لبحث المواد المختَلف عليها، ويشترط لقبول المشروع أن يصدر قرار المجلس الوطني بغالبية الأعضاء الحاضرين، وعندما يرفض المشروع بهذه الصورة، لا يقدَّم مرة ثانية إلى المجلس الوطني في الدورة نفسها».

خلاصة القول إن التذرع بأن ضعف صلاحيات الشورى هي السبب في الحضور الضعيف للمجلس في المعادلة الوطنية ليس صحيحا. فحضوره على الورق التشريعي الملزم يبدو طاغيا، وهو ما سبب المسألة الدستورية، كما هومعروف، التي أدت إلى حال المراوحة التي تعيشها البلد، وتصل إلى حد باعث على القلق في بعض المحطات.

إذا، كان يمكن للمجلس المعين أن يكون أكثر نشاطا، وأن يقدم كل عضو من أعضائه اقتراحا بقانون جديد، أو بتعديل قانون قائم، لكن ذلك لم يحدث، أو حدث بنسبة تؤكد الغياب النسبي وأحيانا المطلق.

ولما كانت المعلومات غير متوافرة عن الشهور الماضية من عمر الدور الثاني الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سأكتفي بقراءة «منجزات» الدور الأول الذي بدأ في ديسمبر/ كانون الأول 200، وانتهى في مايو/ أيار 2003، لأعطي صورة عن الفعالية التشريعية للأعضاء الأربعين، على أمل أن تتفادى الأمانة العامة هذا النقص المعلوماتي عاجلا، إذ يجدر بالمجلس أن يوفر معلومات شبه يومية عن أحدث المشروعات والأسئلة التي تقدم بها الأعضاء، وتعرض على موقع الالكتروني، وهذا ينطبق على مجلس النواب أيضا.

توضح البيانات المتوافرة أنه تم تقديم 7 اقتراحات بقانون فقط، غالبيتها كانت تعديلات جزئية على قوانين سارية المفعول، ثلاثة منها تقدم بها العضو مصطفى السيد. وتقدم جمال فخرو وآخرون بمقترح لتعديل قانون الجمعيات صب في صالح الاتحاد النسائي، ثم قدمت المجموعة ذاتها من الأعضاء مقترحا أكثر شمولية عن الجمعيات، بينما اقترح العضو خالد المسقطي تعديلا على مادة واحدة في اللائحة الداخلية، وقدم جميل المتروك وآخرون تعديلات أكثر شمولية على هذه اللائحة.

إلى جانب التواضع الكمي في النشاط التشريعي، فيمكن أخذ اللائحة الداخلية مثالا لملاحظة الفارق بين أداء المجلسين (الشورى والنواب) على مستوى النوع، وليس لذلك علاقة بالصلاحيات، فهما متساويان كما يتضح من المواد الدستورية التي سيقت أعلاه.

إذ بينما عقد المجلس المنتخب أكثر من خمس جلسات استثنائية للنظر في لائحته الداخلية، محاولا استعادة ما يمكن استعادته من «حقوق» سلبته اياها الحكومة التي صاغت اللائحة مخالفة بذلك الأعراف، وزادت بأن ضبطت الصياغة على نحو أخل أو ناقض الدستور… وقد تحولت جلسات النقاش التي عقدت في ابريل/ نيسان من العام الماضي إلى ما يشبه مساءلة الحكومة عن إعطائها لنفسها الحق في انتقاص صلاحيات النواب ما أدى إلى تعاطف قطاع من الرأي العام، وتفهم من متابعي شئون البرلمان، مع طروحات النواب.

على الجانب الموازي، حين تقرأ أداء الشورى في الموضوع ذاته، يتضح أن الجهد المبذول في تعديل لائحته غير مركز، ولا يوحي برغبة في توسيع الصلاحيات، ولم يشعر الرأي العام حينها بأن المجلس كان يناقش شيئا مهما.

فضلا عن اللائحتين، يمكن المقارنة بين أداء المجلسين في موضوع الموازنة لنرى فارقا يميل لصالح مجلس النواب على رغم تساويهما في الصلاحيات، علما بأن المجلس المنتخب ينظر إليه البعض على أنه ليس مجلس إنجاز حقيقي، بدليل فشل الاستجوابات مثلا.

إن الأداء الضعيف للمجلس المنتخب، وعدم استفادته من الصلاحيات المعطاة له، هو الذي يغيبه داخل قاعة المجلس وخارجها، وليس ضعف الصلاحيات، من دون أن يعني ذلك أن هذه الصلاحيات كافية ومكتملة للمجلسين. بل إني مع زيادة صلاحية المؤسسة التشريعية، على أن يكون للمجلس المنتخب التأثير الأساسي إذا تعذر أن يكون التأثير الوحيد ضمن تركيبة البلد التي لا يمكن أن تسمح بذلك في المرحلة الراهنة، وفي المستقبل المنظور.

ومع ذلك يمكن لمجلس الشورى أن يعوض ما فاته، خلال الفترة المقبلة، بما في ذلك نقاش أكثر جدية للائحة الداخلية التي ستعيدها الحكومة إليه في وقت غير معلوم، لكن قبل انتهاء الدور الحالي.

على المستوى الرقابي، يوجد فارق بين المجلسين، إذ لا يمكن للمجلس المعين أن يقدم اقتراحا برغبة، أو يوجه استجوابا، أو أن يطرح الثقة في رئيس الحكومة، أو يشكل لجنة تحقيق.

ولا شك أن لذلك أثرا في حضور أكبر لمجلس النواب. لكن حتى لو افترضنا توافر هذه الصلاحيات لمجلس الشورى، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأعضاء سيتفيدون منها، كما لم يستفد الأعضاء من الصلاحيات التشريعية.

وأبرز مثال على ذلك حق توجيه السؤال. إذ يحق لكل عضو في مجلس الشورى (كما هو حال مجلس النواب)، تقديم سؤال في الشهر. وخلال الدور الأول وجه الأعضاء الأربعون تسعة أسئلة فقط، علما بأنه من حق الأعضاء تقديم نحو 200 سؤال، إذا افترضنا أن مدة الدور الأول امتدت نحو ستة اشهر، من ديسمبر 2003 إلى مايو 2004. وإذا قورن ذلك بالنواب، فنلاحظ أن المنتخبين وجهوا خلال الفترة ذاتها نحو 33 سؤالا.

أما الأدوات الدستورية الأخرى، فلم يتسن للنواب استخدامها، مثل الاستجواب وطرح الثقة خلال الدور الماضي، وبالتالي فهي ليست مجالا للمقارنة على أنها رجحت حضورا أوسع للمجلس المنتخب في ساحة الفعل السياسي، ومع تأكيد أن النواب استفادوا من حق تقديم الاقتراحات برغبة غير الملزمة، وحق تشكيل لجان التحقيق في محاولة للتأثير على القرار، وتأكيد الحضور في الشارع. ومجددا فإن منح مجلس الشورى هذه الصلاحيات لا يعني الاستفادة منها، علما بأن زيادة الصلاحيات غير مطروحة حاليا، في ظل مطالبات جدية للتقليل من تأثير المجلس المعين في القرار التشريعي، عبر تقليل عدد أعضائه، وهو أمر يجد قبولا كبيرا داخل قطاعات لا يستهان بها، وربما يكون أحد الخيارات لحلحلة المسألة الدستورية، إلى جانب فكرة الانتخابات غير المباشرة.

الفرضية الثانية: سرية اجتماعات اللجان

إن الحضور الضعيف لمجلس الشورى يعود إلى كون اجتماعات اللجان سرية، وهذا كلام ذكره عضو المجلس عبدالجليل الطريف في محاورة أجرتها صحيفة «الوسط» مع عدد من أعضاء المجلس بشأن الموضوع ذاته الذي تناقشه الورقة هذه.

لن أطيل نقاش هذا الأمر، ذلك أن اجتماعات لجان مجلس النواب سرية أيضا. وإذا اتفقنا أن السرية لها أثر سلبي، فإنها يفترض أن تؤثر على لجان المجلسين، فلماذا تأثر مجلس الشورى على هذا النحو، بينما تمكن مجلس النواب بشكل أو آخر من البحث عن بديل للخروج من إشكال السرية.

مع التأكيد هنا أنه يجب التشريع بألا تكون اجتماعات اللجان في حال استجواب الوزراء، وأن يكون للجنة حق عقد اجتماع علني. وهذا يعني أنه بيد المجلسين، باعتبارهما المؤسسة التشريعية، تغيير قواعد اللعبة التي تسير اللجان، فمن حقهما وضع اللوائح التي يرونها أفضل لتحقيق مصالحهما كسلطتين تشريعيين.

الفرضية الثالثة: التعيين

شعور أعضاء مجلس الشورى بعدم حاجتهم إلى الناس، فهم معينون، ولا سلطان عليهم من قبل المواطنين.

وهنا يمكن تسجيل أكثر من ملاحظة:

الأولى: بحسب الدستور فإن المادة (89) منه تنص على «أن (أ) عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب يمثل الشعب بأسره، ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأية جهة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه»، فيما تنص الفقرة (باء) من المادة ذاتها، على أن «لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى أو مجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء أو أفكار، إلا إذا كان الرأي المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة، أو بالاحترام الواجب للملك، أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان».

وهذا يعني أنه من ناحية نظرية، يفترض أن يكون كل عضو من أعضاء مجلس الشورى ممثلا للمواطنين جميعهم، وله حصانة تمنع مؤاخذته على آرائه السياسية. لكن يبدو أن ذلك محل شك بعد انقضاء نحو نصف عمر المجلس. وعلى الأرجح فإن مجلس الشورى ينظر بعين واحدة، متجهة في الغالب إلى السلطة التي قد لا تعيد تعيينه.

فبينما يضطر النواب المنتخبين إلى مراعاة شعور ناخبيهم، والالتزام أمامهم ببرنامج انتخابي (وإن كان شكليا إلى حد كبير)، فإن أعضاء مجلس الشورى لا يشعرون أنهم ملزمون أمام المواطنين بشيء، ولم يعرف مثلا أن أيا منهم قدم برنامجا سياسيا يود تطبيقه خلال السنوات الأربع التي عين فيها، يتضمن أولوياته، وأفكاره، ومواقفه السياسية تجاه أبرز قضايا الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية…

ويمكن أن نتساءل عن عدد اللقاءات العامة التي نظمها كل عضو من أعضاء الشورى في منطقته، والرسائل التي تسلمها من الجمهور، والناس الذين استقبلهم في مكتبه، والحالات التي ساهم في علاجها… علما بأن كل عضو من أعضاء المجلس يأخذ بدل مكتب مقداره 750 دينارا، فضلا عن بدل سيارة (500 دينار)، مكافأة عن ونشاطه التشريعي (ألفا دينار)، ما يعني أنه كل منهم ملزم أمام الناس بفتح مكتب، وتوظيف من يقوم بمساعدته على إنجاز أعماله المتعلقة بالناس، والتحضير للقوانين، والمساهمة في النشاط العام…

من هنا، يرى كثير من المتابعين أنه يجب التفكير بأن يكون المجلس منتخبا على نحو غير مباشر، بما أن الدستور يعطي الملك الحق في التعيين دونما تحديد لآلية هذا التعيين، عل ذلك يسهم في جعل الأعضاء أكثر إدراكا بأن هناك من يحاسبهم، وأن عدم الفعالية تعين عدم إعادة التعيين.

ولا يجب أن ننسى هنا بأن ليس من حق السلطة التنفيذية أو غيرها محاسبة الأعضاء المعنيين لأنه ذلك سيعد من قبيل التدخل في عمل السلطة التشريعية، وهو أمر يحرمه الدستور تحريما مطلقا.

الفرضية الرابعة: تقصير وسائل الإعلام، وعدم اهتمامها بما يقدمه أعضاء المجلس المعين

لن أنفي ذلك أو أؤكده. ولست في وارد الدفاع عن أخطاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، بل أشير إلى أن الاتجاهات السياسية لأرباب الصحف وللصحافيين تأثر تأثيرا بالغا في صوغ الخبر وفي اختيار العناوين، وعلى رأسها أخبار الصفحة الأولى.

لكني أؤكد في المقابل أن من الخطأ الاعتقاد بأن الصحافي هو من يصنع الخبر، وهذا خطأ شائع يقع فيه (بعض) الصحافيين أنفسهم. والحقيقة هي أن المصدر، وفي الوضع الذي نحن بصدده فإن البرلماني سواء كان منتخبا أو معينا هو الذي يصنع الخبر وليس الصحافي.

إن حضور العضو في قاعة البرلمان هو الذي يجعله حاضرا في الصحافة وفي ذهنية الرأي العام، وغيابه عن ملعبه الأساسي يؤدي حتما إلى غيابه على مستوى الحضور العام في وسائل الإعلام وعن دائرة الفعل والتأثير.

وإذا كان عدد من صحافيينا غير موضوعيين، ويتجاهلون أداء جهة برلمانية أو سياسية ما، فإنهم لا يستطعيون فعل ذلك دوما. فالصحافي يركض باحثا عن الخبر والمعلومة والموقف من العضو البرلماني الفاعل، لأن تجاهله يعني ضياع الخبر المؤثر، وهذا لا يفعله الصحافيون في العادة.

لذلك فإني أدعو كل عضو من أعضاء الشورى والنواب، إذا شعر بأن وسائل الإعلام الخاصة تجاهلته، أن يسأل نفسه إن كان مقصرا في أدائه البرلماني أم غير مقصر.

الفرضية الخامسة: تاريخ مجلس الشورى

تاريخ مجلس الشورى «الاستشاري» التسعيني، وأداؤه غير المقنع بالنسبة إلى عموم الرأي العام، وليس المعارض فقط، مازال يلقي بظلاله على المجلس الحالي، على رغم تبدل المرحلة.

لا أود إثارة إرباكات من خلال الإشارة إلى هذه المسألة، وأنا أتحدث أمام أشخاص كانوا أعضاء في مجالس سابقة، وهم أعضاء اليوم في المجلس المعين الذي اختلفت صلاحياته ولم يعد يقدم رأيا استشاريا فحسب.

لكني أود الإشارة إلى ذلك آملا أن يؤخذ قولي على نحو إيجابي، بهدف تجاوز هذا الإشكال.

إن الماضي مازال مؤثرا في الحاضر، وأحيانا يوجهه. فالصورة التي كان عليها مجلس الشورى قبيل انطلاق المشروع الإصلاحي مازالت ترمي بظلالها على المجلس الحالي، سواء في ذهنية الرأي العام، أو في أداء الأعضاء الذين لم ينس بعضهم أنه كان عضوا في مجلس «حكومي» الهوى والضمير والوجهة والأداء، وصار الآن (وخلال أقل من عام) جزءا من المؤسسة التشريعية التي من حقها دون غيرها إصدار القوانين وتغييرها.

لقد كان كلام العضو خلال عشر سنوات وثلاث دورات (تقريبا) كأنه لم يكن، وأصبح كلامه ومشروعاته الآن قابلة نظريا لأن تقلب معادلات وتغير أوضاعا، وهذا أمر لابد أن يستوعب من قبل الأعضاء والناس.

معروف أن مجلس الشورى (السابق) أنشأ في العام 1992 بعيد انتهاء حرب الخليج الثانية، في ظل مطالبات بإعادة إحياء البرلمان المنحل في العام 1975. ثم أعيد تشكيله في العام 1996 وزيد عدد أعضائه من 30 إلى 40 عضوا، ثم أعيد تشكليه في المرة الثالثة (والأخيرة) في العام 2000، ولم يكمل المجلس في فصله (التشريعي) الثالث دورته، بسبب انطلاق المشروع الإصلاحي، والتوقيع على ميثاق العمل الوطني الذي أدخل مجلس الشورى ضمن المنظومة التشريعية بحسب الفهم الرسمي لميثاق العمل الوطني.

حينها (في التسعينات) كان هدف السلطات جعل المجلس المعين بديلا للمجلس المنتخب. وقد رفضت جهات معارضة مجلس الشورى إذ اعتبر بديلا عن المجلس التشريعي المنتخب والمنصوص عليه في دستور 1973، من دون أن تعترض على حق السلطات في تشكيل مجلس أو أكثر للاستشارة والرأي.

في الصورة العامة، لم تكن مجالس الشورى السابقة تخرج عن الرأي الرسمي. وقد غيبت تغييبا كاملا إبان الحركة المطلبية في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي، حينها بدى مجلس الشورى وكأنه خارج المعادلة. وتبادل المواطنون بعض النكات على ذلك، فبينما تكاد البلد تحترق كان نقاش الأعضاء متركزا على حليب الأطفال.

والخشية في الوقت الراهن أن مجلس الشورى يكرر المواقف نفسها، فبينما تتحرك أطراف عدة لمحاصرة حال التفلت التي تسود البلد، فإن مجلس الشورى لا يبدو مكترثا إلى الدرجة التي تعطيه صدقية وحضورا.

بل إن كثيرين ناقشوا مسألة خفض عدد مجلس الشورى، وسحب صلاحياته، ولم يدافع مجلس الشورى حتى عن نفسه، ولم يعطِ مبررا لوجوده، والأداء الأخير له تركز في البعد الاستشاري، كما فعل في قانون الصحة العامة.

ولعل ذلك ما يستدعي مزيدا من الجهد من قبل الأعضاء المعينين، وقبل ذلك مزيدا من التدقيق والضوابط لضمان وجود شخصيات تخرج من عباءة «التعيين» إلى الفضاء الرحب للعمل العام، فالمجلس بحاجة إلى ناشطين لا خبراء تقليديين وشخصيات غير فاعلة يعينون من أجل التوزانات والترضيات، وهذا لن يتم مادام التعيين يتم من دون مساهمة من الرأي العام.

الفرضية السادسة: المسألة الدستورية

المسألة السياسية/ الدستورية في البلد، وعدم قبول أطراف مؤثرة بصلاحيات مجلس الشورى تؤثر في تواصله مع قطاعات مهمة من الرأي العام، وتزيد من تغييبه عن دائرة القرار الشعبي والرسمي. فالنقاش الدائر بشأن الدستور، وصلاحية مجلسي الشورى والنواب، وتساوي عدد أعضائهما، وما يسببه ذلك من لغط على مستوى الرأي العام، يجعل بعض القطاعات الشعبية تسجل حكما مسبقا تجاه المجلس وأعضائه، خصوصا حين نعلم بأن الشك يطال تشكيلة مجلس النواب المنتخب، وخصوصا في مناطق المقاطعة، ما يجعل بعض أعضائه محل «ريبة» سياسية.

قبل أن يسأل عضو مجلس الشورى عن الأسباب التي تجعله غائبا عن المشهد السياسي، يجب أن يسأل نفسه عن عدد القوانين والمقترحات التي قدمها، وعدد المداخلات التي ألقاها خلال الجلسات العامة، ونوعية هذه المداخلات، وعدد التصريحات التي أدلى بها إلى الأجهزة الإعلامية، والندوات التي شارك بها، والمقالات التي نشرها، والمواقف السياسية التي عبر عنها، واللقاءات العامة التي نظمها في منطقته، والرسائل التي تسلمها من الجمهور، والناس الذين استقبلهم في مكتبه، والحالات التي ساهم في علاجها… إن ذلك هو ما يجعل العضو البرلماني في قلب الحدث، فليس في الأمر سر

العدد 618 – الأحد 16 مايو 2004م الموافق 26 ربيع الاول 1425هـ

المصدر: غياب مجلس الشورى: محاولة للفهم

انشر وشارك

مقالات ذات صلة