abbasbusafwan@gmail.com

مجلس النواب يخيب آمال الحالمين

ربما لم تدرك بعض القوى السياسية – الإصلاحية خصوصا – حجم الضربة التي وجهتها السلطة التنفيذية والمتعاطفون معها إلى مجلس النواب في الجلسة الثامنة والعشرين المنعقدة يوم الثلثاء 25 مايو/ أيار الماضي، حين أيد النواب بغالبية كاسحة (30 صوتا) تقرير لجنة الخدمات الذي يبرئ وزير المالية والاقتصاد الوطني عبدالله حسن سيف من التهم التي وجهها إليه 17 نائبا في قضية إفلاس الهيئة العامة لصندوق التقاعد، الذي يدير أموال نحو 60 ألفا يشتغلون في القطاع الحكومي العسكري والمدني.

وإذ أشير تحديدا إلى القوى الإصلاحية في النظام، وتلك المجتمعية «المشاركة» أو الراغبة في دفع البرلمان إلى الأمام، وليس عموم القوى السياسية، لأن هذه القوى دون غيرها هي التي تعول، أو تأمل – على الأقل – أن يقدم المجلس المنتخب دلائل ملموسة على أن العمل السياسي داخل الأطر الحالية – المتحفظ عليها من قطاع لا يستهان به – ممكن، بل إن الإنجاز المقنع ممكن أيضا.

ذلك أن القوى الحكومية المحافظة، وكذلك بعض قوى المقاطعة، غير مهتمة في الغالب، وبعضها يدعو الله ليل نهار أن تنتهي تجربة البرلمان إلى فشل ذريع أو نجاح شكلي، يؤكد أمرين على الأقل:

الأول: يأمل المحافظون الحكوميون أن يقوض فشل التجربة النيابية الرؤية الإصلاحية التي لا تستبعد إمكان إجراء تعديلات دستورية تعطي للبرلمان فرصة أكبر في القرار…وأن فشل النواب يمكّن هذه القوى المحافظة من رفع الصوت منادية بأن السلطة التنفيذية والطبقة الحاكمة عموما، هي الأدرى بخيارات الناس، والأقدر على تحديد الأولويات، وإذا كان من المتعذر – بحكم الأوضاع المحلية والإقليمية – تقليص صلاحيات المجلس المنتخب دستوريا، فإنه لا معنى لزيادتها، لأن هذا يعد مناقضا للتجربة العملية التي خاضها مجلس النواب.

الثاني: يعتقد بعض المقاطعين بأن عدم تحقيق النواب لإنجازات واضحة، يعني صحة مقولات المقاطعة، التي بنيت في أحد أبعادها الرئيسية على نظرية مفادها أن دخول برلمان معوق كهذا يعني إدامة السيطرة الحكومية ثلاثين سنة أخرى، والأدهى أنه إذا كانت السيطرة طوال العقود الثلاثة الماضية قد تمت من دون الحصول على شرعية دستورية، بقدر ما هي شرعية الأمر الواقع، فإن السيطرة هذه المرة تستند إلى شرعية شعبية لا بد من العمل على تفاديها.

الأمران السابقان هما ما يعرفان بالتحالف غير المعلن بين بعض القوى المحافظة في الحكومة، وبين بعض قوى المعارضة المتشددة للإجهاز على التجربة.

إن عدم إدانة وزير المالية في جلسة 25 مايو/ أيار كان خطأ فادحا جدا، وهو أكبر من أن يتم محاصرته بهذه السهولة، وستكون له انعكاسات سلبية على مجلس النواب المنتخب وعلى عموم المشروع الإصلاحي.

الفرصة كانت متاحة فعلا لتحقيق كسب كبير على غرار الكسب الذي تحقق يوم أقيل وزير الداخلية السابق من منصبه، وعين وزيرا جديد محله محسوب على القصر عقب حوادث يوم الجمعة 21 مايو الماضي التي تم فيها إطلاق الرصاص المطاطي ومسيلات الدموع على آلاف المتظاهرين المنددين بالاحتلالين الأميركي في العراق، والإسرائيلي في فلسطين.

والحديث هنا عن سيف دون غيره، لأن الاجماع على إدانته كان حاصلا فعلا، أما وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي، فإن غالبية كبيرة كانت لا ترى إدانته، على رغم أنني لمت صراحة النواب الديمقراطيين (عبدالهادي مرهون، يوسف زينل، عبدالنبي سلمان) لوقوفهم مع تقرير لجنة الخدمات المؤيد لتبرئة العلوي، ذلك أن الرفض يجب أن يكون كليا لكل تقارير لجنة الخدمات بشأن الاستجوابات، فهي تقارير ضعيفة الموقف القانوني والسياسي، ولا تنم عن إدراك للخطورة التي سببتها إلى مجلس النواب.

في الواقع، لا أعرف الخيارات التي جعلت السلطة التنفيذية تضغط باتجاه عدم إدانة سيف، خصوصا أن الإطاحة به، تعني على المستوى الاستراتيجي نصرا كبيرا لمشروع الإصلاح الذي يدعمه جلالة الملك، ولمجلس النواب الذي هو بحاجة حقيقية إلى شيء ما يقدمه إلى الناس، في ضوء التشكيك الجدي والمستمر في قدراته.

لقد وشوشت الأطراف الحكومية في أذهان الكتل النيابية بأن سيف مهم في الفترة الراهنة للدولة في أمرين اثنين على الأقل:

الأول أنه يقود مفاوضات التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة الأميركية التي تعول عليها السلطات كثيرا، والثانية أن سيف هو المسئول عن متابعة المفاوضات بشأن تطوير حقل أبوسعفة الذي يوفر للخزانة العامة ما لا يوفره مصدر آخر.

وإذ يمكن من عدة الزوايا تفهم تضامن السلطة التنفيذية أو بعض وزرائها مع الوزير سيف، لأنه في الواقع تضامن مع النفس، حتى إذا أتاهم الدور يتمكنون من الإفلات كما أفلت سيف… فضلا عن حرص الحكومة على عدم سن أعراف بأن يكون للبرلمان «أسنان» يناكف بها الحكومة، «ويكفينا تجربة 1973»، فإنه لا يمكن تفهم موقف النواب مطلقا، خصوصا أولئك الذي يفترض أن يكونوا إصلاحيين، مثل بعض نواب المنبر الإسلامي، وبعض نواب الأصالة، الذين ظلوا طوال عام تقريبا يهاجمون سيف على «إخفاقاته».

ومع ذلك، فإن مبررات السلطة التنفيذية في الاحتفاظ بسيف يمكن ردها، فمن ناحية فإن الوزير المسئول عن التجارة الحرة يفترض أن يكون وزير التجارة علي صالح الصالح، وليس وزير المالية، أما الوزير المختص بشأن حقل أبوسعفة فهو وزير النفط الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، ولم تتضح الأسباب التي تجعل سيف دون غيره يناط به هذان الملفان.

كما يمكن البحث عن بديل آخر، إ ذ يمكن بعد أن يقال سيف، أن يعيّن مستشارا متفرغا لهذين الملفين، وهذا يحل إشكال الذي تقدم. وهو اقتراح، بحسب مصادر نيابية، أوصل فعلا إلى الحكومة التي رفضت أي حلول قد تؤدي إلى إدانة سيف.

رغم الأسى الشديد على ما جرى. فإنه من المؤسف القول إن الحالمين فقط هم الذين كانو يتوقعون أداء أفضل من مجلس النواب، بشأن استجواب سيف. أما غيرهم فإن الصورة – في الغالب – كانت أمامهم بينة وواضحة وستنتهي إلى ما انتهت إليه. لكن الأمل كان معقودا على أن يكون الإصلاحيون الحكوميون أكثر فطنة وإدراكا أن الحدث يستدعي أكثر من مراقبته، وكان يفترض أن تصل رسائل تؤيد الإطاحة بسيف، وهذا فعل سياسي مشروع. فلماذا يحق للمحافظين التحرك، ولا يحق للإصلاحيين فعل الشيء ذاته. في السياسة اللوبيات عنصر فاعل، وقد تمكن المحافظون من لعبها جيدا، ووجهوا ضربة إلى المجلس المنتخب لن ينهض بسرعة منها.

لقد أدرك باكرا رئيس المجلس خليفة الظهراني (قائد المحافظين داخل المجلس المنتخب) الأثر الكبير إلى اللوبيات، وأن تقرير اللجنة ينطبع بلون أعضائها، فعمل جهده على أن يحال التقرير إلى لجنة الخدمات المحافظة الطابع، ونجح في ذلك، رغبة منه في ألا يتفاجأ لاحقا بتقرير شبيه بتقرير لجنة التحقيق في أوضاع الهيئتين الذي أدان الوزراء، وحمّل الحكومة كل ما جرى من أخطاء.

إن المتأمل في تركيبة لجنة الخدمات التي برأت سيف، واللجنة البرلمانية التي أدانته، يكتشف مباشرة أن ما جرى كان منطقيا جدا.

من ناحية، فإن النائب فريد غازي هو الذي رأس لجنة التحقيق في أوضاع الهيئتين، وحاول الاستفادة من وسائل الإعلام استفادة كبرى، فعرض التقرير في صحيفة «الوسط» قبل أن يعرض في البرلمان، ما أثار زوبعة على صحة ما فعله، فضلا عن تصريحاته المتتالية إلى الإعلام، وحثه النواب على المضي قدما قي معالجة الأخطاء الفادحة…

أما رئيس لجنة الخدمات التي برأت سيف فهو النائب علي أحمد عضو «المنبر الإسلامي» التي لم تتخذ موقفا جديا معارضا لتوجهات الحكومة في الغالب الأعم. وقد أبعد أحمد – بطريقة تعامله – النواب والناس عن الموضوع، ويمكن الرجوع إلى الوراء لملاحظة الكم الهزيل من التواصل مع الناس والنواب بشأن الموضوع، سواء عبر الصحافة أو عقد الندوات….

الأكثر وضوحا في المقارنة بين اللجنتين، هو المقرر الذي يناط به الدفاع عن تقرير اللجنة. مقرر لجنة الخدمات في استجواب سيف هو النائب إبراهيم العبدالله الذي أعلن صراحة موقفه المدافع كليا عن سيف (يقال مقابل وعود بأن يعين في موقع متقدم، ولا يعرف صحة ذلك)، والعبدالله هو شخص فاز بالتزكية في منطقة مقاطعين، ولا يعرف عنه العمل السياسي، وقد استخدمت إحدى الصحف المحلية تصريحاته لتكتب عبارة «ليصمت مرهون» الذي كان يصر على استجواب سيف.

أما مقرر لجنة التحقيق في الهيئتين فهو النائب عبدالنبي سلمان الذي بدا من أكثر المتحمسين لمحاربة الفساد، واستجواب الوزراء… وربما لهذا السبب تود لجنة الخدمات ان تنتقم منه ومن كتلته (الديمقراطيون الوطنيون) التي أصدرت بيانا رفضت فيه تقرير لجنة الخدمات المبرئ لساحة سيف.

الإشكال هنا، أننا أمام تقريرين برلمانيين متناقضين، الأول حمل الحكومة أسباب كل ما جرى في الهيئتين، وأجبرها على إرجاع الأموال والأراضي، والثاني قال إن الوزير سيف لم يخطئ… وأظن أن على الحكومة أن تأخذ كل ما أرجعته للهيئتين من أموال، ولا حاجة لإعادة صوغ القانون لإعطاء الهيئتين استقلالية أوسع، لأن لجنة الخدمات شهدت للحكومة بالبراءة.

إن تقرير لجنة الخدمات مصاغ فعلا للدفاع عن الوزير سيف. ولعل أكثر عبارة توحي بذلك توصية التقرير بالانتقال إلى بنود أخرى في جدول الأعمال، إذ خلص التقرير إلى «أن اللجنة انتهت بإجماع الآراء إلى أن سعادة السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني رئيس مجلس الهيئة العامة لصندوق التقاعد غير مدان في القضايا التي تم توجيهها إليه في الاستجواب، وبناء على ذلك توصي اللجنة عند إدراج تقريرها إلى مجلس النواب بالانتقال إلى البنود الأخرى في جدول الأعمال».

ولا أعرف ما شأن اللجنة في أن ينتقل المجلس إلى بند آخر أو لم ينتقل، إنه صوغ غير حيادي، وينم عن تأدلج مقيت.

إلى ذلك، بدا الظهراني غير محياد كعادته، وصف في اتجاه الحكومة. وهو الذي قرأ بنفسه الخلاصة التي برأت سيف (كما فعل مع مجيد العلوي)، مع أن المقرر هو الذي يقرأ التقرير في العادة، لكن الظهراني يود هذه المرة التأكيد على أنه مساهم أساسي فيما جرى، ويدعو كل النواب لدعمه، فلا مجال للمداورة هنا.

وإذا كان موقف الظهراني، وما يزال ضد أي استجوابات «لتفادي الصدام، ومن أجل المحافظة على التجربة»، فأرجو أن يراجع قائد الإخوان المسلمين في النواب صلاح علي تصريحاته ومواقفه، وأن يتذكر تلويحه المستمر بطرح الثقة. ولعل آخر تصريح أدلى به علي عن الاستجوابات هو تلويحه باستجواب الوزير محمد المطوع بشأن اللائحة الداخلية، في هذه الفترة (قبل نحو شهرين) ألتقيت الوزير المطوع، وكان رأيي أن صلاح علي يلعب علاقات عامة، وليس جادا في كلامه هذا.

كما آمل من النائب محمد خالد أن يتذكر مقولته إلى الوزراء «شيلو بشوتكم وروحوا بيوتكم»، وإن كان هو أو أي من زملائه يستحقون هذا المصير.

والكلام ينطبق على زعيم السلف عادل المعاودة، الذي يعرف أكثر من غيره مدى الضرر الذي أصيبت به التجربة جراء ما حدث.

وإذا كانت قواعد السلف والإخوان تتفهم في العادة المواقف الناعمة من الحكومة، فلتدرك هذه القواعد أن ما حدث هذه المرة أو وقع ضررا بالغا بالحكومة وبالمشروع الإصلاحي، لأن النواب لم يصدقوها القول

العدد 638 – السبت 05 يونيو 2004م الموافق 16 ربيع الثاني 1425هـ

المصدر: مجلس النواب يخيب آمال الحالمين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة