abbasbusafwan@gmail.com

في الدستور: حق المعارضين لا يعلو على الموالين

الحساسية التي تثيرها تأكيدات التحالف الرباعي بحصر المداولات بشأن التعديلات الدستورية بينه وبين الموقف الرسمي مبررة، وهي نابعة من «ارتباك» الخطاب الرباعي، وعدم إدراكه الحساسيات التي تغذيها التصريحات اليومية التي ليس من المبالغة القول انها تسيء إلى صورة التحالف، وهمومه الوطنية الصادقة.

لا أحد ينكر على التحالف حقه في الكلام مع السلطة، وعقد جلسات «استماع»، بل إن الترحيب بمثل هذه الاجتماعات هو واجب القوى السياسية والاجتماعية، ذلك أن التقاء عناصر من أطراف متباينة هو خطوة صحية… وكثيرون يتمنون أن تتحول هذه الجلسات إلى حوارات ومفاوضات جدية، وإن كانت الشكوك بشأن ذلك قائمة، بالنظر إلى التجارب السابقة، وبعضها قريب جدا، ومازال عالقا في الأذهان.

وعلى رغم أن لا دلائل واضحة على الوصول إلى تفاهمات بهذه السرعة تحقق مطالب التحالف الرباعي، فإن التحالف يتحرك وكأنه قد كسب المعركة فعلا، فيطالب بلقاء مباشر مع رأس الدولة، مع أن بديهيات العمل السياسي تؤكد أهمية التحضير إلى الحوارات من طرف من يسمون بالخبراء، ثم ينتقل إلى مستوى أرفع، ويأتي اللقاء برأس الهرم لوضع اللمسات الأخيرة.

وبسبب هذه القراءة غير الموفقة، يعمل التحالف من دون أن يشعر، ربما على قطع حبل تواصله مع أطراف أخرى، بما في ذلك التحالف السداسي الذي تترأس دورته الحالية جمعية «الوفاق».

ويجدر بالملاحظة هنا أن الجمعيات الموالية للسلطة لا تبدو قلقة من عقد جلسات الاستماع المذكورة، ما يشير إلى أن هذه الجهات إما تكون قد حصلت على تطيمنات بأنه لن يتم تجاهلها، أو هي تدرك أساسا أن الحكم لا يمكن له أن يتناسى حلفاءه.

إلى ذلك، فإن الإيحاءات الناتجة من المناداة المتشددة والمتكررة من بعض منتمي التحالف بشأن أحقيتهم في الكلام بشأن الدستور، تشير – من غير أن تقصد – إلى أن صوغ مستقبل البلد، الذي يشكل الدستور أرضيته الأساسية، هو شأن خاص بالتحالف وبعض أطراف الحكم، ولا شأن للكتل الاجتماعية والسياسية الأخرى بذلك، بما في ذلك التيارات السياسية السنية «الحكومية الهوى»، والتجار «المرتهنون»، والنخبة «الخانعة».

وبذلك، يوقع التحالف نفسه في مطب أخلاقي، وآخر سياسي. وهو إذ يتهم الحكم بالاستفراد عندما أصدر دستور 2002 من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، أو أية صيغة أخرى يتفق عليها، فإن التحالف ينظّر إلى معالجة القضية الدستورية بطريقة تظهره مستفردا وإقصائيا، بدل أن تؤكد مقولاته بأن صوغ الدستور حق لجميع المواطنين… كما عبر عن ذلك مرارا وتكرارا في خطاباته الأولى المعترضة على آلية إصدار الدستور، وطالب بإقراره من طرف هيئة منتخبة، أو عبر الاستفتاء.

الإشكال الأكبر أن التحالف بمقولاته هذه، يوجه رسائل إلى «المنبر» و«الأصالة» القريبين جدا من الحكم في المسألة الدستورية خصوصا، للتماهي معه أكثر والذوبان فيه أكثر وأكثر وأكثر، وهي الرسالة ذاتها موجهة إلى أطراف قد تتفهم بعض مواقف التحالف من الدستور، مثل: «الوسط العربي»، وكذا «المنبر التقدمي» الذي يعد تاريخيا تيارا معارضا…

إن هذه الرسائل تقول للسياسيين والتجار والنخبة «صفوا» مع الحكم، لا تقفوا محايدين، أو شبه محايدين، لا تتفرجوا كما كنتم، أنت خصومنا، أو لستم أصدقاءنا، موقفكم محسوم سلفا، وحضوركم يضرنا… وهي رسائل أقل ما يقال عنها انها فاقدة الصبر وربما البصيرة.

أذكّر أن التيار الإسلامي الشيعي كان تحمل تبعات الموافقة على ميثاق العمل الوطني في فبراير/شباط 2001، من دون أن يشرك أيا من حلفائه في القرار، او غير حلفائه!! وعلى رغم إني مازلت أرى أن التصويت الإيجابي هذا كان خطوة صحيحة ومهمة للبدء في التحول الديمقراطي، فإن التحفظ هو بشأن الآلية «الشعبية» التي حسمت الموقف، والتي أعلنت في جامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، كدلالة لا لبس فيها على استئثار القيادات الشيعية، تحت دعاوى يمكن قبول بعضها، على الأقل لجهة أن السياسة بنتائجها، لكن لا يخفى ما لذلك من آثار سلبية بلغت أوجها في الانتخابات البلدية في مايو/ أيار 2002.

وليدرك حلفاء التيار الشيعي، بأن التنظير لاستبعاد آخرين، سيكون تنظيرا لابعادهم في أية فرصة تلوح في الأفق أمام الحكم لحسم الصراع الدستوري مع القيادات الشيعية، ليكرس عرفا، وليؤكد أن الخلاف أساسا ذو بعد طائفي.

أدرك أن الموضوع إشكالي ومعقد… فمخاوف التحالف الرباعي من أن يفسد وجود جماعات حكومية الهوى في جلسات الاستماع في محلها، وطالما تدخلت بعض الجماعات الموالية للسلطة لإجهاض رؤى تقدمية، وظهر البعض الآخر على أنهم حكوميون أكثر من الحكومة.

ومن المهم قراءة واقع البلد وتركيبته جيدا، والتي تسمح بتعطيل دستور عقدي لمدة ربع قرن، وتنتج دستور 2002 كحل لا يرقى إلى التوافق، فضلا عن تفهم المضي في «التجنيس السياسي» من طرف جماعات لا تنكر ضرره البالغ على اقتصاد البلد واجتماعه.

لكل ذلك وغيره، يجدر بالتحالف الرباعي أن يعيد النظر في خطابه وتكتيكه، وليس بالضرورة في استراتيجيته، في أن يكون له تواصل مباشر مع الحكم في الإصلاح الدستوري وخصوصا ان جميع الاطراف تدرك أن مشاركة «الرباعي» خصوصا «الوفاق»، في اي حوار بمثابة حجر الزاوية، وكثيرون يرون أن «ترشيح» التحالف طرفا ممثلا للناس سيكون مفيدا جدا، لانه الاعلى سقفا. لكن الحوار وحده، وحسن إدارة اللعبة، هو الذي قد يشجع الآخر ليخول آخرا الحديث باسمه.

لقد حقق التحالف الرباعي نجاحا على صعيد جعل المشكلة الدستورية أولوية وطنية. علما بأنه ركز ضغطه على بعض أطراف الحكم، وأهمل الحديث مع قوى سياسية مهمة، ومع التجار والمهنيين والعمال… ولو فعل ذلك ربما ما اضطر الآن إلى أن يلح في أن يكون هو سيد الموقف في القضية الدستورية.

سيظل السؤال: كيف يدير التحالف مسألة غاية في الصعوبة، في ظل حكم يرى فيما اتخذه من إجراءات مقدمة يجب أن تكون مشجعة للقوى المعارضة الإصلاحية تدفعها إلى الأمام، ريثما تتوافر ظروف أفضل في الداخل يمكن أن تجعل من المضي قدما في الإصلاح أمرا أقل صعوبة… وواقع نخبوي غير قادر على النهوض بمتطلبات المرحلة، ووضع إقليمي يرى في البحرين أنموذجا؟

العدد 654 – الإثنين 21 يونيو 2004م الموافق 03 جمادى الأولى 1425هـ

المصدر: في الدستور: حق المعارضين لا يعلو على الموالين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة