abbasbusafwan@gmail.com

شرطة المجتمع مدخلاً لبناء الثقة

لا يمكن استبعاد الحسابات السياسية من مشروع شرطة المجتمع، الذي بدأت وزارة الداخلية تلقي طلبات المواطنين في الالتحاق به. إذ ليس جديداً القول إن وزارة الداخلية تبدي حذرا إزاء توظيف قطاعات شعبية معينة، ونفيها ذلك أو سكوتها عنه لا يغير من الواقع شيئا. وفي العموم فإن هذا الحذر نتاج عدم طيب العلاقة بين هذه الأطراف الشعبية والسلطات الرسمية، وربما من واجب الجميع الاعتراف بذلك، والعمل على تطبيع العلاقات، والأخذ بها إلى طريق الود، عبر سلسلة من الإشارات المتبادلة، التي يفترض أن تمتد لتشمل جوانب شتى، سواء من طرف الجهاز الرسمي الذي عليه أن يعيد النظر في مسبقاته، أو من طرف جهات شعبية قد لا تدرك الحساسيات حين ترفع شعارات وصورا، أو تتخذ موقفا سلبيا من مؤسسة رسمية هي جزء من النظام العام.

وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإن مشروع شرطة المجتمع يمكن أن يكون مدخلا مناسبا لهذا التطبيع، الذي بدأ منذ دشن جلالة الملك مشروعا إصلاحيا، يفترض أن يكون جبّ ما قبله قانونا، بيد أن الجهد السياسي مطلوب مضاعفته لتثبيت قواعد أمتن لثقة متبادلة.

لنضع بين الاحتمالات، أن من بين الأهداف التي تسعى وزارة الداخلية إلى تحقيقها من خلال تطبيق مشروع الشرطة المجتمعية، أن توظف المواطنين الشيعة في الوزارة، بما يخفف من مشكل البطالة المنتشرة في صفوف أبناء القرى، على ألا يشتغل هؤلاء في مواقع تعتبرها السلطات حساسة، ولا يتدربوا على تسليح قد يعتبر مخالفا للتخمينات التي ترى فيهم خطرا أمنيا محتملا.

وإذا اعتبر ذلك خطوة أولى تستهدف التعاطي بواقعية مع مشكل عدم الثقة، فيجب أن تشجع بصراحة ومن دون تردد، وأن تمتد لتشمل جوانب أخرى، وقطاعات أكبر، في المؤسسة العسكرية، وخارج المؤسسة العسكرية التي لا يبدو التمييز فيها قائم على مسألة الثقة، بقدر قيامه على محسوبيات يمكن مواجهتها عبر سلسلة من المبادرات الأهلية والحكومية، وربما لا يمكن التعويل على المبادرات النيابية في مسألة كهذه بسبب غالبيته التي لا تستنكف في رفض مشروعات تدين التمييز.

صحيح ان المطلوب من الجهات في الداخلية النظر إلى جميع المواطنين وفق معيار واحد، دونما حاجة إلى ابتداع مشروع كهذا، لكن يبدو هذا المطلب غير عملي في ظل ما نعرف. ومن المناسب هنا التعاطي مع الواقع القائم كما هو، وليس كما نأمل أو نتمنى.

لكن القلق أن يطول «جس النبض» هذا، ويتحول إلى سياسة دائمة، وألا يكون مشروع شرطة المجتمع خطوة منطلقة من رؤية اشمل لإيجاد حل لمعضلتي البطالة والثقة.

بيد أن واحدا من الأمور التي قد تدعو إلى التفاؤل ان بحرنة الوظائف الأمنية «الخفيفة»، إن صح القول، قد بدأت قبل عام تقريبا، حين تم توظيف المئات من البحرينيين حراس أمن أمام بوابات المدارس. وسمعنا عن توجه إلى استحداث دوريات تابعة للبلديات للرقابة على الشأن ذي العلاقة بالخدمات البلدية مثل النظافة والأسواق.

وفي المدى المتوسط، فإن مشروع شرطة المجتمع يمكن أن يكون مدخلا أيضا لبحرنة الوظائف العسكرية، وهو مشروع قانون يأمل نواب أن يصدر خلال الدور الحالي، لكن البحرنة لن تتم بمجرد صدور القانون، إذ لا بد من آليات حصيفة تتعاطى مع الصعوبات على الأرض.

إلى ذلك، فإن الانتقاد الذي يوجه للداخلية بشأن رفضها توظيف من ينتمون إلى الجمعيات السياسية، يمكن أن يكون منطقيا إذا قنن عدم مشاركة المشتغلين في السلك العسكري في الانتخابات النيابية والبلدية، وهو أمر تطالب به عدة جمعيات سياسية. أما أن تكون مشاركة العسكريين على هوى السلطة، تمنحه وتمنعه إن أرادت، كما جرى في العمليتين الانتخابيتين الماضيتين إذ منع العسكريون من المشاركة في الانتخابات البلدية، «وأجبروا» على المشاركة في الانتخابات النيابية، فهو أمر لا يعطي صدقية للقول بأن الهدف من عدم توظيف المنتمين إلى الجمعيات السياسية في الشرطة المجتمعية، هو النأي بها عن السياسة.

إن المخاوف التي يبديها البعض من تحول الشرطة المجتمعية إلى جهاز مخابراتي قمعي، تبدو مبالغا فيها، بل وفي غير محلها، وربما تتناقض مع مطلب بحرنة الوظائف. ومشكلات كهذه لن يكون حلها صدور بيانات وخطابات، وربما على مؤسسات المجتمع المدني، أن تتبادل المشورة مع وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، فهو قدير على الإجابة عن أسئلتها، كما أن عليها مساندته في خطة البحرنة، وسعيه الرامي إلى تحقيق دولة القانون

العدد 738 – الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ

المصدر: شرطة المجتمع مدخلاً لبناء الثقة

انشر وشارك

مقالات ذات صلة