abbasbusafwan@gmail.com

الحكومة لم تحل الموازنة ومجلس النواب لم يتسلمها!

أحالت الحكومة موازنة الدولة لعامي 2005 – 2006 إلى الغرفة الثانية! من البرلمان “مجلس النواب” في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مخالفة بنود الدستور الذي يلزمها بإحالتها في موعد أقصاه نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، كما جاء في الفقرة “ب” من المادة . 109

وأحال مجلس النواب، بدوره، مشروع الموازنة إلى لجنة الشئون المالية والاقتصادية في 30 من الشهر ذاته “نوفمبر” في جلسة ثلثاء اعتيادية، وفيها صوت النواب على أن تسلم الموازنة لن يعتبر رسميا إلا إذ وفرت وزارة المالية “جميع التفاصيل” المطلوبة، لا أن تقدمها هكذا “عظم بلا لحم”.

أهمية هذا الموقف تنطلق من كون اللجنة الاقتصادية ملزمة، بحسب المادة 167 من اللائحة الداخلية، على تقديم تقرير إلى المجلس “يتضمن عرضا عاما للأسس التي يقوم عليها مشروع الموازنة وبيانا مناسبا عن كل باب من الأبواب… في موعد لا يتجاوز ستة أسابيع من تاريخ إحالة المشروع إلى اللجنة”، فإذا اعتبر أن اللجنة تسلمت المشروع نهاية نوفمبر، فهذا يعني أن المدة انتهت فعلا، وعليها تقديم التقرير إلى المجلس حالا.

ويمكن للمراقب أن يشكك في أن مجلس النواب سيقف مع اللجنة في أنها لم تتسلم مشروع الموازنة، بالنظر إلى المواقف التقليدية لكتله المؤثرة التي تميل عادة لمسايرة الحكومة. بيد ان المهم الإشارة إلى أن الحكومة قد تكون قدمت المعلومات الأولية عن الموازنة، بادراك كامل لما تفعل، على أن تقدم التفاصيل التي تحددها هي إلى المجلس لاحقا، إذا ما توافرت!، وهذا يعني أن الحكومة ربما تعتبر نفسها لم تقدم مشروع الموازنة أيضا، علما بأنها ملزمة بحسب المادة “115” من الدستور على أن تقدم “برفقة مشروع الموازنة السنوية، بيانا عن الحال المالية والاقتصادية للدولة، وعن التدابير المتخذة لتنفيذ اعتمادات الموازنة المعمول بها، وما لذلك كله من آثار على مشروع الموازنة الجديدة”.

هذا التفاهم غير المقصود، على أن الموازنة لم تقدم رسميا، يحقق مطلب الطرفين راهنا على الأقل. فمن ناحية يمكن للحكومة القول بأنها قدمت الموازنة متأخرة شهرا واحدا فقط، ليس أكثر من ذلك، وأنها تعمل حاليا، بعد أن قدمت النصوص الرئيسية، على توفير المعلومات التي يطلبها النواب، والتي ليست من الجسم الأساسي للموازنة، وهي إذ تفعل ذلك، فمن باب التعاون مع المؤسسة التشريعية، وكأنها تقول إنها تعطي النواب من المعلومات أكثر مما هو مطلوب منها.

هكذا يمكن قراءة الخطاب الحكومي، الذي ستكشف خطورته لاحقا، خصوصا لجهة خلق أعراف بتقديم مشروعات غير مكتملة المعلومات.

ومن ناحية ثانية، فإن الوقت الإضافي يتيح للنواب فسحة أكبر لمناقشة الموازنة، غير مدركين أن قبول إحالة الموازنة إلى اللجنة الاقتصادية من دون توافر المعلومات التفصيلية قد يضعهم في مأزق متى شاءت الحكومة. ذلك أن التحدي للمجلس سيكون في حال قررت الحكومة أنها استوفت إعطاء المعلومات المطلوبة، وأن اللجنة “تتحجج”، وتطالب بما ليس من اختصاصها، وتتدخل في شئون السلطة التنفيذية، وهو أمر مناف للدستور الذي يؤكد الفصل بين السلطات.

إن مفهوم “التفاصيل” زئبقي. وإذا أرادت الحكومة وضع حد لأسئلة اللجنة الاقتصادية ستفعل، وحينها من الصعوبة أن تجد اللجنة أصدقاء كثر يناصرونها في استمرار طلب المعلومات، إذ من المرجح أن التيارات الحكومية التي تسيطر على المجلس ستكون سباقة إلى المطالبة بوضع حد لتأخير الموازنة في اللجنة الاقتصادية، ويمكن خلق أعذار شتى.

إلى ذلك، غير معروف بعد كيف ينظر النواب إلى مشروع الموازنة العامة للدولة. هل يعتبرونها مجرد أرقام صماء، كما فعلوا في دور الانعقاد الأول حين مرروا موازنة العامين 2003 ـ2004 من دون تغيير يذكر، أم سيعتبرونها أهم تشريع برلماني على الاطلاق، لأنها توضح بجلاء برنامج عمل السلطة التنفيذية للسنتين 2005 – 2006؟

المعلومات تفيد بأن اللجنة الاقتصادية تحاول ذلك، وإن كانت الصورة غير واضحة عندها. وهي بعثت برسائل عدة إلى وزارة المالية مطالبة بإيضاح مبررات الزيادات الكبيرة في أبواب الموازنة والتي بلغت أكثر من 20 في المئة، وعدد الموظفين في كل وزارة، وخطط وبرامج كل وزارة، وتفاصيل موازنة وزارتي الدفاع والداخلية التي تستحوذ على نحو 30 في المئة من الموازنة، وتفاصيل إيرادات الدولة، ومشروعات الخصخصة، وموازنة شركتي ألبا وبابكو، ولماذا لم تزداد موازنة الأسر الفقيرة، وأسباب زيادة موازنة توظيف الأجانب والمشتريات والأثاث، وكيفية تقليل العجر، وحجم الدين العام، وحجم الاحتياطي العام للدولة… وربما على اللجنة أن تضيف اسئلة أخرى، من بينها سؤال عن أسباب وضع موازنة بتحديد سعر برميل النفط بثلاثين دولارا، بينما أعدت السعودية موازنتها بسعر 21 دولارا للبرميل.

عموما، مطالب اللجنة الاقتصادية تعكس تطورا في مقاربتها للموازنة، مقارنة بالدور الأول الذي أقرت فيه الموازنة من دون تدخل يذكر من قبل المنتخبين، وكذلك المعينين الذين “بصموا” على الموازنة. ومازال الطريق طويلا لاقناع البرلمانيين بأن مشروع الموازنة يستحق من المجلس التفرغ الكامل. فكم عدد الذين قرأوا الموازنة وقد أعطيت إليهم منذ خمسة اسابيع؟ كما أن المقترحات برغبة التي تقدم من طرفهم من دون دراسة لا تعكس حساسية الكلف المالية للطلبات. فضلا عن أن طريقة نقاش الموازنة داخل اللجنة المالية، وبعيدا عن اللجان الأخرى في المجلس، وأيضا بعيدا عن المجتمع لا تعكس إدراكا بأهميتها الاستثنائية.

ربما انتظر كثيرون أن تعقد اللجنة المالية في النواب مؤتمرا صحافيا، تبين فيه ملاحظتها على الموازنة، وأن تعقد جلسات تشاور مع خبراء في الاستثمار والتعليم والصحة والاسكان والفقر والبطالة… لمعرفة رأيهم في إن كانت الموازنة “برنامج الحكومة” تتعاطى بالصورة المطلوبة مع هذه القضايا الملحة أم لا.

وفي داخل المجلس، لم يعرف أن اللجنة الاقتصادية طلبت رأي اللجان الأخرى في المشروعات ذات الصلة بعملها. ولعل المطلوب أن تقدم لجنة المرافق العامة رأيها في الموازنة لجهة “الإسكان والبريد والكهرباء والماء والزراعة والمواصلات والطرق والبلديات والبيئة”، وأن تقدم لجنة الخدمات تقريرا عن الأمور الداخلة في اختصاصها، والمبينة في المادة 21 من اللائحة الداخلية: “التعليم بجميع أنواعه ومراحله، والتدريب المهني ومحو الأمية، والموضوعات المتعلقة بالخدمات الاجتماعية والرياضية والثقافية والصحية والإعلام والأمور العمالية”. وأن تقدم لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني تقريرا عن موازنة وزارات الدفاع والداخلية والخارجية…

وهكذا تبين كل لجنة ملاحظتها على الموزانة، ومدى تناسبها مع الاحتياجات الفعلية. فهل البلد بحاجة، مثلا، إلى 18 وزارة؟ وما الداعي إلى وجود وزارة للنفط وأخرى للصناعة، ووزراة للعدل وأخرى للشئون الاسلامية، خصوصا في ظل وجود وزارة كبيرة هي الاشغال والاسكان تدار بطريقة جيدة؟

ويبدو استشارة خبراء من خارج البرلمان، واللجان في داخله مهما للغاية. ذلك أن من الصعوبة على اللجنة المالية درس الموازنة على النحو المطلوب في ظل عدم وجود خبراء ومساندين لها. وربما لا يصدق أن مجلس النواب، وكذلك مجلس الشورى، لا يضمان خبيرا اقتصاديا واحدا، ولا يعرف كيف يمكن للجنة يتيمة وغير خبيرة أو متخصصة أن تفك طلاسم الموازنة.

ويقال إن اللجنة أعطت رئيس المجلس خليفة الظهراني أسماء عدد من الاقتصاديين، من بينهم حميد عبدالغفار وجاسم العجمي، لتوظيفهم خبراء في المجلس، لكن الرئيس لم يتفاعل مع هذا المطلب، وكأنه يستقصد إضعاف المجلس من هذه النواحي، أمام حليفته الحكومة.

وتزداد أهمية الخبراء، كون البحرين تعد موازنتها لسنتين، مخالفة السائد، وتوصيات المؤسسات المالية الدولية، من دون مبررات منطقية. والمؤسف أن مجلس النواب كان أحبط مقترحا برغبة تقدمت به الكتلة الاسلامية يدعو الحكومة لإعداد موازنة كل عام، وكأن المجلس يحارب نفسه.

يذكر انه يوجد أربعة خبراء اقتصاديين متفرغين لدرس الموازنة في البرلمان الكويتي، الذي يضم بين لجانه لجنة خاصة بالموازنة، وفي البحرين يبدو أن الوضع سيطول ريثما تتشكل لجنة للموازنة “قدم جاسم عبدالعال مقترحا بذلك، ولا يعرف كيف سيكون موقف النواب منه”، أو أن تدعم اللجنة المالية بخبراء…

وإذا كان الحال كذلك فلنا أن نتوقع شكل الموازنة التي ستقر، في ضوء مواد قانونية تضيق على المجلسين.

أما تهديد النواب بأنهم لن يسمحوا بتمرير الموازنة إذا لم تلب بعض مطالبهم، وآخرها تهديد النائب السلفي عادل المعاودة بذلك إلا إذا وافقت الحكومة على مقترح “الضمان الاجتماعي” الذي يكلف نحو 11 مليون دينار، فإن لدى الحكومة من الحيل ما يمكنها من بلع تهديدات المعاودة وغيره، من دون أن تربت على كتفيه

العدد 852 – الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ

المصدر: الحكومة لم تحل الموازنة ومجلس النواب لم يتسلمها!

انشر وشارك

مقالات ذات صلة