abbasbusafwan@gmail.com

موازنة المجلسين: اختبار البرنامج والشفافية

فيما أقر مجلس الشورى موازنته للعامين 2005 – ،2006 في جلسة علنية قبل نحو أسبوعين، فإنه لا يعرف إن كان مجلس النواب سيفعل ذلك، في ضوء تعاطيه غير الملتزم بضوابط الشفافية على أكثر من صعيد، ومن أبرزها موضوع التوظيف الذي يطعن في كل مقولات المجلس عن التزامه بالوحدة الوطنية، وسعيه إلى تطبيق تكافؤ الفرص، علما بأن رئيس المجلس يتحمل مسئولية مباشرة إزاء ذلك، كما ورد في المادة 12 من اللائحة الداخلية، والتي تنص على ان “رئيس المجلس هو الذي يمثله في اتصاله بالهيئات الأخرى، ويتحدث باسمه، ويشرف على جميع أعماله، ويراقب مكتبه ولجانه، كما يتولى الإشراف على الأمانة العامة للمجلس، ويراعي في ذلك كله تطبيق أحكام الدستور والقوانين”، التي تؤكد أهمية إعلان الوظائف، فيما المجلس يتجاهل هذه الضوابط، ولو نشرت أسماء الموظفين في الأمانة العامة، وأجري تحقيق في كيفية اختيارهم، لاتضح أن مخالفات واسعة جرت من دون أن تستقصى من طرف مكتب المجلس، الذي يضم النائبين عبدالهادي مرهون وعادل المعاودة ورئيس اللجنة التشرعية حمد المهندي ورئيس اللجنة الاقتصادية جهاد بوكمال والأمين العام عبدالناصر جناحي، وفي رقبتهم جميعا ما يحدث في المجلس من مخالفات جسيمة.

أما بشأن الموازنة، فقد وقع المجلسان في مطب اللاشفافية قبيل نحو عامين، حين أقر مكتب كل مجلس موازنته، لعامي 2003 – ،2004 من دون أن يطلع عليها الأعضاء، أو تقر في جلسة عامة، كما تقضي الضوابط الدستورية والأعراف البرلمانية.

ولا يبدو مقنعا القول ان سبب ذلك يرجع إلى كون الموازنة قدمت متأخرة من طرف السلطة التنفيذية، فإذا كانت موازنة الدولة، حينها، أقرت في جلسات عامة عقدتها غرفتا المؤسسة التشريعية، كل على حدة، فإن الأولى بهاتين الغرفتين أن تفعلا الشيء ذاته في موازنتيهما، بأن تتيحهما للنقاش العام، بل وكان الأولى بكل مجلس أن ينشر موازنته على موقعه الالكتروني “اللذين لا يعملان منذ أسبوع”، ليتسنى للمواطنين الاطلاع عليهما، وإبداء الملاحظات بشأنهما.

وإذا كان النواب يحتجون ليل نهار على الحكومة مطالبين إياها بالشفافية، فإن الأولى فعل ذلك داخل المجلس، فإن عجزوا، فلا يجدر بهم توقع ربح المعركة مع الحكومة إن قرروا خوضها وهي المتمرسة في ممارسة اللاشفافية، وقوتها على الأرض تمنع التأشير على علاتها الحقيقية، فينشغل الجميع بالهوامش.

وإذ يجري الحديث عن أن موازنة الحكومة هي خطتها للعامين، وتوجه الدعوات إلى النواب وأعضاء الشورى إلى أن يسألوا الحكومة عن برامجها المفصلة، لا أن يحدقوا في الأرقام الصماء. ولهم أن يسألوا، مثلا: عن أسباب غياب مخصصات لتطبيق برنامج إصلاح سوق العمل الذي اقترحته شركة “ماكنزي”، ويرعاه ديوان ولي العهد، وإن كان ذلك الغياب يعني أن برنامج إصلاح سوق العمل لن يرى النور، بما يؤكد المخاوف من أن الحكومة لن توافق عليه، إلا إذا كانت هناك أموال غير مدرجة ضمن الموازنة، كما هو حال الحساب الختامي للدولة… فإن موازنة الغرفة البرلمانية هي خطته للعامين أيضا، وبالتالي على النواب وأعضاء الشورى أن يروا إلى أي مدى توفر الموازنة احتياجاتهم على صعيد تعزيز العمل البرلماني، وتوظيف الخبراء، وتوفير المعلومات.

فهل تعزز الموازنة مكتبة المجلسين؟ وهل تهدف إلى توظيف باحثين يوفرون المعلومات، ويجرون الاستقصاءات التي تساعد المجلس على القيام بدوره؟ وهل تتضمن بنودا لتوظيف خبراء اقتصاديين للمعاونة في درس الموازنة والقضايا الاقتصادية المختلفة؟ وتوظيف خبراء سياسيين كي يتفادى المجلس الوقوع في إشكال شبيه بـ “هوشة الفلوجة”؟

وهل تتضمن الموازنة بنودا لتدريب الأعضاء على إعداد اقتراحات القوانين، والاقترحات برغبة بدل تقديمها من دون حد أدنى من المعلومات؟ وهل تتضمن بنودا لتدريب الأعضاء على الاستفادة من الـ 750 دينارا التي تصرف إليهم شهريا بدل مكتب؟ “لا يعرف إلا عدد محدود منهم فتح مكتبا ووظف مساعدا”.

وهل تتضمن الموازنة بنودا تصرف في تدريب الأعضاء للتواصل مع جمهور الناخبين، لمعرفة رأيهم في أداء النائب، الذي يفترض أنه سيتعرض لامتحان بعد حين، قد يكلفه خسارة موقعه؟ أم ان غالبية النواب يعرفون أنهم “نواب صدفة”، ولن يتكرر انتخابهم في حين يعرف اعضاء الشورى ان إعادة تعيينهم لن يكون مقاسا بما قدموه من عمل إلى الناس، وإنما أمور أخرى لا صلة لها بالكفاءة والانجاز واحقاق الحق؟

لقد أقر الشورى موازنته من دون مراعاة ما ذكر أعلاه، فيما سيقر النواب موازنته، سواء في المكتب أم المجلس من دون أن يراعي ذلك على الأرجح، فكيف بهما إذا أن يكونا مدركين لأهمية موازنة الدولة؟

العدد 856 – الأحد 09 يناير 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1425هـ

المصدر: موازنة المجلسين: اختبار البرنامج والشفافية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة