abbasbusafwan@gmail.com

المؤتمر الدستوري… لعبة التوازنات تضيع “الحقيقة”

تدخل رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان في جلسات المؤتمر الدستوري أكثر من مرة، بدا موحيا بالصورة التي ستسير عليها الأمور بعد المؤتمر، كما كان تدخله قبل المؤتمر أساسيا لضبط إيقاع البيان الختامي والمقررات.

أظهر سلمان قدرة فائقة على إدارة الملف، وهو المتهم دائما بالسكوت، والتراخي، وعدم الدفاع عن رؤيته، وترك “العصا” أحيانا، فضلا عن مسكها من المنتصف في غالبية الأحيان، بيد أنه كان هذه المرة مبادرا، ناجحا في غالبية تدخلاته، مستعينا بإدراكه لموازين القوى داخل الساحة العامة وضمن تيارات المقاطعين، ومستمدا جزءا كبيرا من قدرته على التفاوض من إمكانات جمعيته الهائلة على الأرض، ودعم المرجعية الدينية لنشاطه دون غيره في أطر “الوفاق”، وأيضا عدم نجاح الخيارات المضادة لتوجهاته السياسية، وخصوصا تلك المتصلة بما يسمى “الاستفادة القصوى” من الورقة الشعبية، التي يصر سلمان على أن تكون في يده، لا في يد غيره، حتى ضمن أطر “الوفاق”، وإذا أراد أي من اللاعبين الخروج عن هذا التفاهم، فإن الغطاء السياسي سيرفع عنه، كما حدث مع تحرك ناشطي مركز البحرين لحقوق الإنسان “المنحل”.

ومن بين تدخلاته القليلة في المؤتمر، طلبه تغيير عبارة “من خلال” إلى “من قبيل”، في النص الداعي إلى “تفعيل التحرك الشعبي لدعم الملف الدستوري بجميع الطرق السلمية من قبيل توقيع العرائض والاعتصامات وتنظيم المسيرات السلمية، وغيرها خلال العام 2005″، ذلك أن كتابة عبارة “من خلال” قد تعني إلزاما للتحالف الرباعي بتدشين عرائض شعبية، فيما يرى سلمان أن قرارا من مثل ذلك يجب أن يخضع للظروف، مع الإشارة هنا إلى أن طريقة تقديم عريضة الجمعيات الدستورية إلى الديوان الملكي في الأيام التي سبقت انعقاد المؤتمر، بدت وكأنها قتل لها، وذلك لم يكن بالتأكيد هدف القائمين عليها.

أرضى سلمان كل الأطراف هذه المرة، وخصوصا لوبي الدستوريين المتشدد، وأعطاهم الفرصة ليقودوا اللجنة التحضيرية، ورئاسة المؤتمر للعام الثاني على التوالي، والفرصة كاملة لنقد الدستور، واعتباره ليس دستور “منحة” فقط، بدعوى أن هذا اللفظ “يعطي مشروعية للتعديلات الدستورية”، وإنما اعتباره “وثيقة 2002 التي لا ترقى لأن تكون دستورا”، بيد أن كل هذه المصطلحات لم ترد في البيان الختامي الذي يعبر رسميا عن خلاصة آراء المجتمعين، ويعكس توجهاتهم.

وتخلى البيان كليا عن أية تعبيرات سلبية لدستور ،2002 مستعيضا عنها بالتأكيد على دستور 1973 الشرعي، الذي تعتبره السلطات كذلك أيضا، وترى في دستور 2002 امتدادا له، ومتخليا “البيان” عن نص اقترحته اللجنة التحضيرية للمؤتمر يدعو إلى “دحض وثيقة 2002 داخليا وخارجيا”.

ودعم سلمان وصول تيار متشدد إلى الأمانة العامة للمؤتمر، لكن بعد أن حصر صلاحياتها في “تنفيذ” القرارات، وحتى هذا التنفيذ ليس مفتوحا، وإنما هو مقيد “بالتنسيق” مع الجمعيات الأربع. وبدا هذا الدعم جليا حين رشح سلمان إلى الأمانة العامة الناشطين المستقلين عبدالعزيز أبل ومحمد أحمد، ثم دعا إلى انتخاب أمانة عامة تعبر عن جميع ألوان الطيف المقاطع، وذلك استجابة إلى شكاوى “العمل الديمقراطي” و”التجمع القومي” من عدم الالتزام بالمحاصصة في الترشيحات من جانب “الوفاق”.

بيد أنه لا يعرف إلى أي مدى كان تدخل سلمان مؤثرا في ضبط إيقاع التصويت والخروج بتشكيلة ترضي الجميع. وعلى الأرجح فإن انتخاب أمانة عامة متعددة المشارب، يعود في الأساس إلى طبيعة المشاركين في المؤتمر، والذي لا تطغى عليه غالبية “وفاقية”، وهذا ما يجعل “الوفاق” حريصة على ضبط مدخلات المؤتمر أولا، بما ذلك التفاهم على ألا تعطي الأمانة العامة المنبثقة عنه أية صلاحيات رئيسية تتعلق بالتفاوض مع السلطة، وحسم قرار المشاركة/ المقاطعة في الانتخابات المقبلة. بل ويمكن الملاحظة هنا أن مسائل الانتخابات المقبلة لم تناقش، ولم يتم تأكيد مواقف التحالف الرباعي التقليدية بشأن المقاطعة، وهو الموقف الذي أعلن قبيل أيام من المؤتمر الدستوري.

وإذ تهرب المؤتمر من الإجابة على هذا السؤال، فإنه هرب أيضا من سؤال العلاقة بين أطراف التحالف الرباعي، والمعوقات التي تمنع قيام تحالف دستوري قوي، كما لم تقدم إجابات بشأن المطلوب فعله للخروج من المأزق الدستوري، والصعوبات التي تواجه ذلك، ما جعل البعض يسألون عن “الحلول بعد وضوح التشخيص”.

ويقول البعض إن غياب المسائل الحرجة عن المؤتمر، قد تشي بأن الأمور “مستقرة”، بيد أن تجاهل التعقيدات لن يحلها أبدا، فاستحقاق الانتخابات قادم بعد نحو عام ونيف.

فيما يرى آخرون أن عدم الدخول في التفاصيل المتعلقة بالحلول على الأقل، قد يكون هدفه إتاحة فسحة أكبر للتحاور مع السلطات، وربما من هذه الناحية يطالب سلمان دائما بتعديلات “مجزية”، وهي كلمة فضفاضة، يمكن أن تقرأ بأطوار مختلفة.

إلى ذلك، فإن مراقبين يعتقدون أن انكفاء سلمان، كما عموم الداعين إلى التعاطي مع اللعبة السياسية من داخلها، قد يكون مرحلة في طريقها إلى الانحسار، مع تزايد الداعين إلى فصل المشاركة في الانتخابات عن المطلب الدستوري، ذلك أن دخول المؤسسة التشريعية لا يجب أن يفهم أبدا منه التخلي عن مطلب الإصلاح الدستوري، وخصوصا بعد أن أعطيت جماعات المقاطعة على أساس دستوري مساحات واسعة من العمل لم تبلور فيها برنامجا ناجعا، ما يجعل البعض يتساءل إن كان دعم سلمان للمتشددين لدخول الأمانة العامة ولجنة المتابعة هدفه وضعهم على محك الفعل، علما أن اتهامات المتشددين لنهج سلمان مستمرة في اعتباره أحد أسباب فشل المقاطعة، ذلك أنه “يقودها بنفس مشارك”.

لقد بدا المؤتمر الدستوري معبرا عن توازنات المقاطعين، ما يزيد من مساحة التخوف من أن تكون قراراته ستنفذ أم ستظل حبرا على ورق، كما هي مقررات القمم العربية، وكما حصل مع بعض مقررات المؤتمر الدستوري الأول. كما ساد المؤتمر خطاب معتدل، كان راغبا في الخروج من المأزق الدستوري، وينتظر من الحكومة استجابة… الحكومة التي نجحت في ما ترمي إليه، وإن تعثر برنامجها هنا أو هناك، فيما تعثر المقاطعون والمشاركون في برامجه

العدد 891 – الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ

المصدر: المؤتمر الدستوري… لعبة التوازنات تضيع “الحقيقة”

انشر وشارك

مقالات ذات صلة