abbasbusafwan@gmail.com

النشر الالكتروني جزء من إشكال أعقد

لقد أتاح النشر الالكتروني فرصا غير مسبوقة لبث الأفكار والأخبار، بما في ذلك الرؤى التي تعتبرها السلطات “معادية”، ويمكن لشخص واحد أن يصبح “مؤسسة”، يكتب ويوزع البيانات، من دون كلفة مالية تذكر. ويقول أحد الباحثين إن النقلة التي سيحدثها النشر الالكتروني “الصحف الالكترونية، المواقع الإخبارية، مجموعات الأخبار، القوائم البريدية، منتديات الحوار…” أشبه بالنقلة الاستثنائية التي أحدثها اكتشاف جونتبرغ للطباعة منتصف القرن الخامس عشر الميلادي.

وفي بلدان السلطة فيها “متغولة”، وتنظر إلى الإعلام على أنه جزء من “أجهزتها”، بما في ذلك وسائل الإعلام الخاصة، التي عليها أن “تروج” للسياسات التنموية المتبعة، فليس مستغربا أن تكون هذه السلطات حساسة إزاء انتشار المواقع الالكترونية التي تشتغل عمليا على كسر احتكار السلطات للمعلومات والأخبار، في حين مازالت السلطات متمسكة بالاحتكار في مجال الإعلام المرئي والمسموع، على رغم أن التطور التقني يجعل خيارا كهذا بلا معنى، مادام الناس قادرين على اختيار القناة التي يودون متابعة برامجها.

تتمسك السلطة بسياسة احتواء أجهزة الإعلام، وتبذل جهدا لتكريس تبعيتها، عبر احتواء جمعية الصحافيين، وضبط شروط إصدار الصحف والمطابع وسياسة النشر… أو عبر تقليص فرصة الحصول على المعلومات.

ولعل مرسوم بقانون رقم “47” لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، الصادر إبان فترة الانفتاح، يعطي صورة جلية عن ذلك، إذ تنص المادة “17” منه: “لا يجوز تداول أي مطبوع إلا بعد الحصول على إذن كتابي مسبق بذلك من الإدارة…”، فيما تنص المادة “22” على: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على ألف دينار أو بالعقوبتين معا، كل من “…” تداول مطبوعات لم يؤذن في تداولها…”، وهذا جزء من إجراءات أوسع تحد من تداول المطبوعات.

أما إصدار الصحف فدونه مشقة كبيرة، إذ تنص المادة “44” على: “لا يجوز إصدار صحيفة إلا بعد الترخيص في إصدارها من الوزير وبعد موافقة مجلس الوزراء”، في حين يفترض أن تكون هناك شروط معلنة، مادامت متوافرة في الطلب فإن الترخيص يتحصل تلقائيا، دونما حاجة إلى تصريح من طرف مجلس الوزراء، الذي يمكن له أن يحجب موافقته لأسباب تتعلق بموقفه من الراغبين في إصدار الصحف مثلا أو أية أسباب أخرى.

على أن المادة “50” من القانون تبدو أكثر وضوحا لجهة التعقيد في إصدار الصحف، إذ تنص: “يجب ألا يقل رأس المال المدفوع للشركة التي ترغب في إصدار صحيفة عن مليون دينار بحريني إن كانت الصحيفة يومية، وعن مئتين وخمسين ألف دينار بحريني بالنسبة إلى الصحيفة غير اليومية. وبالنسبة إلى الصحف المتخصصة، يجب ألا يقل رأس المال المدفوع عن خمسين ألف دينار بحـريني”، ومبالغ كهذه تعتبر كبيرة، علما بأن التأمين المالي يعد أحد معايير حرية الصحافة، وكلما زاد حجمه فإنه يعد قيدا على الحرية.

إن النشر الالكتروني الذي يواجه صعوبات واضحة، قد يكون أنموذجها موقوفو “بحرين أون لاين”، ليس استثناء، وهو أحد أوجه إشكال حرية الصحافة في البحرين التي شهدت انعطافة كبيرة طبعا مع انطلاق المشروع الإصلاحي.

هذا الموقع مثير للجدل، ومن المؤسف أنه يتضمن بعض ما قد يعد مخالفات قانونية، وكان حريا بالقائمين عليه محاولة “تكييفه” ليتخذ صورة أكثر “اعتدالا”، خصوصا مع الاهتمام الواسع الذي يلقاه من أوساط مختلفة، بما في ذلك الجهات الرسمية التي تتابع ما ينشر فيه بدقة. ويقال إن عدد المشتركين فيه يصل إلى 20 ألفا، فضلا عن 80 ألف زائر شهريا، يدخلون بطريقة “غير شرعية” عبر “الكاسر” “البروكسي”، ذلك أن الموقع مغلق منذ العام .1999

لقد بحثت مطولا، ولم يتسن لي الحصول على معلومات تفيد بدقة عن عدد المواقع الالكترونية العامة في البحرين، ومجموعات الحوار، وهي المعلومات التي تحتاج إلى جهد لتحويلها إلى قاعدة بيانات، وفهمت أن جمعية البحرين للانترنت تشتغل على ذلك… أما عدد المشتركين في الانترنت، فهو أمر تعتبره شركة “بتلكو” سرا، فيما أفادت مصادر الجمعية المذكورة بأنه يتراوح بين 150 إلى 190 ألف مستخدم… وهذا يعني أن على السلطات ومعها مؤسسات المجتمع المدني أن تفكر في طريقة أخرى، غير اليد الغليظة، لتكريس أعراف إيجابية في التعاطي مع متطلبات النشر الالكتروني، فحرية التعبير ليست مطلقة، وهناك ضوابط يجب الالتزام بها، ومن بينها عدم التطاول على الآراء الأخرى، ومتبنيها، ومع الأسف فإن ذلك يحدث في بعض المواقع الالكترونية التي تتم فيها المداخلات من دون ضوابط، ومن أشخاص مجهولين

العدد 919 – الأحد 13 مارس 2005م الموافق 02 صفر 1426هـ

المصدر: النشر الالكتروني جزء من إشكال أعقد

انشر وشارك

مقالات ذات صلة