abbasbusafwan@gmail.com

مقبرة “الديمقراطيين” أم مجدهم؟

تميزت مجموعة النواب الديمقراطيين عن غيرها داخل مجلس النواب، بانتهاجها خطا معارضا، في قبال غالبية موالية، في مجلس يتكون من عدة كتل نيابية، “على الورق”، إذ يصعب إطلاق هذا المسمى على تجمعات كل فرد فيها يبدو أحيانا متناقضا عن خطاب الكتلة التي يدعي تمثيلها.

معروف أن مجلس النواب يضم ست كتل هي: الأصالة: 5 نواب، المنبر الإسلامي: 7 نواب، المستقلين: 8 نواب، الإسلامية: 9 نواب، الديمقراطيين: 3 نواب، الاقتصادية: 3 نواب، غير منتمين: 6 نواب، “لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة: ماهية الكتل في مجلسي الشورى والنواب، ورقة نشرتها “الوسط” في ثلاث حلقات مطلع مايو/ أيار 2004″.

النواب الثلاثة “عبدالنبي سلمان، يوسف زينل، إضافة إلى مرهون” يسمون أنفسهم مجموعة لا كتلة، ربما لأنهم وإن انتموا إلى مدرسة ايديولوجية واحدة، هي جبهة التحرير الوطني البحرانية، فإن مرهون وزينل لم ينضما إلى جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي التي ورثت “التحرير”، في حين انضم سلمان إلى هذه الجمعية، ولا أعرف أن كانت هناك أسباب أخرى للتسمي، وإن كان ذلك عائدا إلى الرغبة في عدم الالتزام الشديد بخط ايديولوجي محدد، وخصوصا أن الخط السياسي بينهم منسجم.

منذ البداية تمكن زعيم “الديمقراطيين” عبدالهادي مرهون من انتزاع موقع قيادي في المجلس، إذ انتخب بفارق صوت واحد عن النائب المحافظ علي السماهيجي، لمنصب النائب الأول للرئيس، بعد التحالف مع كتلة المنبر الاسلامي، التي ضعف تأثيرها داخل المجلس، خصوصا منذ نهاية الدور الماضي، ما يجعل من المهم إلقاء مزيد من الضوء على طبيعة التحالفات التي أعيد انتاجها داخل المجلس، في ضوء المعطيات المستجدة، وهو ما نأمل التطرق إليه في وقت لاحق.

أهل موقع نائب الرئيس مرهون من تقلد منصة رئاسة هيئات المجلس واللجان التي يحضرها، من دون أن يحظى طبعا بالقوة غير الاعتيادية التي يتمتع بها رئيس المجلس خليفة الظهراني الذي يظل ممسكا بمفاصل الأمانة العامة، والتوظيف، ويتحكم بتدفق المعلومات، ويؤثر في تحديد خط سير المشروعات والأسئلة والمقترحات، مدعوما بالغالبية المحافظة، ومستفيدا من اللائحة الداخلية التي تعطيه صلاحيات واسعة، ومستغلا قربه من السلطة التنفيذية، ما يجعل المراقب يشعر بأنه يشتغل لأجندتها وكأنه أحد أعضائها.

وعلى رغم عددها الصغير، فإن تأثير “الديمقراطيين” أكثر وقعا بمرات من الكتل الأخرى الأكثر عددا، وهي تتميز بحضور إعلامي مكثف، يعتبره البعض سلبيا، كجزء من نشاطها العام، كما يفهم من خطابها، إذ تعتبر المجموعة نفسها مراقبة للحدث السياسي، وترفض حصر نشاطها في العمل النيابي التقليدي.

ويمكن الملاحظة أنها تضم نوابا من الطائفتين: شيعة وسنة، ما يضفي على خطابها نوعا من “الحصانة” ضد متهميها بـ “الطائفية”، خصوصا حين فتح ملف “التمييز” الشائك، بتوجيه عبدالنبي سلمان سؤالا إلى الوزير السابق محمد المطوع عن سياسة التوظيف غير العادلة التي يتبناها ديوان الخدمة المدنية.

على أن كتلة الديمقراطيين ظلت غير قادرة على جذب نواب آخرين إليها، بسبب خلفيتها اليسارية، ربما. بيد أنها تمكنت من مد يدها للكتل “الصديقة”، بحسب تعبير مرهون، لعل أكثرها إثارة للسؤال كتلة الأصالة السلفية التي يترأسها عادل المعاودة، الذي يعتبر أحد أقطاب المجلس المنتخب، ورموز الاعتدال السلفي. وليس من المبالغة القول إن المعاودة يحظى بشبه إجماع داخل المجلس من طرف غالبية الكتل النيابية، بسبب قدرته على التواصل مع الآخر، وإن كان تيار التشدد في جمعيته يهزمه مرات، لعل آخرها الخطأ غير المبرر من طرف “الأصالة” بإصدار بيان ضد ما سمي “تجاوزات عاشوراء”، في وقت حاولت فيه الحكومة التخفيف من لهجتها التي بدت في البداية غير مدركة لردود الفعل الشيعية.

“الديمقراطيون” لم ينجحوا في التقدم بملف التعديلات الدستورية إلى الأمام، والملفات غير التقليدية الأخرى التي يتبنونها مثل محاربة الفساد وقضايا التخطيط، بسبب قلة عددهم، والتشكيلة المحافظة للمجلس، وفي ظل طروحاتهم التي تحاول ملامسة سقف المقاطعين، وخصوصا لجهة الالحاح في سحب الصلاحيات التشريعية من المجلس المعين.

وهم سيجدون أنفسهم أمام تحد حقيقي في ملف التجاوزات في خليج توبلي، بعد أن شكلت، في 21 من الشهر الماضي، لجنة تحقيق في الأراضي التي استحوذ عليها، أو تم منحها، لعدد من المتنفذين في الخليج الممتد من شارع الشيخ عيسى بالقرب من السفارة الأميركية شمالا إلى ساحل المعامير جنوبا، وتحده من الغرب منطقة توبلي، ومن الشرق جزيرة النبيه صالح.

اللجنة شكلت باقتراح من “الديمقراطيين” أنفسهم، وأصبح الناطق الرسمي باسمهم النائب البارز عبدالنبي سلمان رئيسا لها بالتزكية، وهو الذي كان يتفادى ذلك، آملا أن يضمن المقرر على الأقل، كما كان في لجنة التحقيق البرلمانية في إفلاس هيئتي “التقاعد” و”التأمينات”. ربما بسبب إحباطه الناتج من فشله المتكرر في الفوز برئاسة لجان عدة كان ترشح إليها، مثل لجنة الشباب المؤقتة التي يترأسها النائب يوسف الهرمي، ولجنة الشئون الاقتصادية والمالية التي ترأسها، على التوالي، عثمان شريف، جاسم عبدالعال وجهاد بوكمال في الأدوار التشريعية الثلاثة.

ويقال إنه لولا إلحاح النائب فريد غازي على سلمان للترشح لرئاسة اللجنة لما اقتنع الأخير بذلك، وربما كان فوت على نفسه ومجموعته فرصة لن تتكرر لإثبات الوجود. وخصوصا أن مصادر أشارت إلى أن كتلة المستقلين المحافظة، الممثلة في لجنة التحقيق بالنائب يوسف الهرمي، كانت تأمل بفوزه “الهرمي” للرئاسة، وقد سعت إلى أن يتأخر انتخاب الرئيس، لحين تمكن الهرمي من حضور الاجتماعات، ويقال إن النائب حمد المهندي كان يميل إلى هذا الرأي، وقد تكون تلك “الحرب الباردة” أحد أسباب تأخر اللجنة عن عقد اجتماعها أكثر من أسبوعين.

القطار سار لحد الآن لصالح إجراء تحقيق أكثر جدية، لا يعيد تكرار النتائج الهزيلة التي توصلت إليها لجنة التحقيق في التجنيس، التي يعود أحد أسباب إخفاقها في عملها إلى تشكيلتها المحافظة، التي مررت بفضل قوة رئيس المجلس، الذي يدرك خطورة النتائج التي قد تتوصل إليها تشكيلة تضم معارضين. وهو ما يعرفه “الديمقراطيون” أيضا، وهم تمكنوا من إحداث نقلة نوعية في عمل لجنة التحقيق في خليج توبلي، بإضافة ثلاثة نواب نشطين إلى عضوية اللجنة هم محمد آل عباس وعيسى ابوالفتح ويوسف زينل، الذي اعترض الظهراني على عضويته، بدعوى أنه عضو مجموعة “الديمقراطيين” الممثلة في اللجنة بالنائب سلمان، وكأن اللوائح تمنع وجود أكثر من عضو من كتلة واحدة في اللجنة ذاتها. الظهراني كان يأمل ضم نواب محافظين مثل محمد فيحان الدوسري ومحمد خالد إلى اللجنة، وهو الأمر الذي “أسقط في يده”، بيد أن اللجنة مازالت تضم نوابا يمكن أن يشكلوا مداخل للضغط والنفوذ الحكومي، مثل النائب عيسى بن رجب وحسن بوخماس إضافة إلى الهرمي.

الخيارات صعبة أمام اللجنة، التي تبدو محاصرة أحيانا. إن لجهة الأبعاد القانونية التي تمنع المجلس من محاسبة السلطة التنفيذية في الأمور التي سبقت انعقاده في 14 ديسمبر/ كانون الأول ،2002 أو لجهة ضعف الدعم في المجلس، الذي لن يكون جاهزا للمواجهة “إذا حقت حقايقها”، بيد أن الدعم الشعبي الذي تلقاه اللجنة سيكون “اسثنائيا” فعلا، في ملف جاهز للقطف وتسجيل الأهداف. ويتوقع أن تتلقى اللجنة تعاونا كبيرا من طرف الأهالي، والمؤسسات الأهلية، والمجالس البلدية، بما في ذلك المجالس المحسوبة على “الوفاق”، التي سترتكب خطأ فادحا ولا يمكن غفرانه إن هي طالبت أعضاءها بعدم تزويد النواب بأوراق تدين المتنفذين، بدعوى مقاطعة البرلمان. وربما تفتح اللجنة عرفا بتنظيمها جلسات استماع مفتوحة للمواطنين وكل المهتمين من الجمعيات والناشطين، لا أن تكتفي بالنظر إلى الورق فقط.

لكن، لعل من المناسب أن تدرك لجنة التحقيق، أنه يجب الابتعاد عن فكرة “قتل الناطور”، التي أفشلت النتائج المتحصلة من لجنة التحقيق في ملف إفلاس هيئتي “التقاعد” و”التأمينات”. ويجب الاعتراف باكرا بأنه لا يمكن “حلق” رؤوس المستحوذين على الأرض، فهم متنفذون من الطراز الأول، ولعل هؤلاء بإمكانهم حلق رؤوس النواب، فيما يبدو خيار التعويض الذي يدعو إليه البعض – بما في ذلك نواب وبلديون – غير عادل. وإذ يتعذر، سياسيا، سحب الأراضي من هؤلاء المتنفذين وهذا أمر مؤسف، فإن خيار التعويض يجب استبعاده أيضا، على أن توضع الأراضي تحت تصرف الدولة وأجهزتها، فيما يبدو واجبا الأخذ في الاعتبار الناس الذين اشتروا الأراضي من المتنفذين، فهؤلاء يجب تعويضهم. إذا تمكنت لجنة التحقيق من نشر الحقائق والمعلومات عن تاريخ الاستملاكات الخاصة، بالأسماء والمواقع والمساحات، ستكون حققت الكثير، ذلك أنه لم يتبق الكثير على إعلان “موت الخليج”، الذي كانت مساحته قبل أكثر من عقد ونصف العقد نحو 28 كيلومترا مربعا، تقلصت إلى نحو 13 كيلومترا مربعا، ويتوقع أن تتقلص إلى نحو 10 كيلومترات مربعة، مع وجود أراض تبلغ مساحتها نحو ثلاثة كيلومترات مربعة غير مدفونة، وتزداد التوقعات بشأن ذلك في ظل تباطؤ السلطات الرسمية في تحديد خط الدفان، وعدم اتخاذها الخطوات الكافية لمنع الدفن كليا

يمكن أن تكون هذه اللجنة “مقبرة” الديمقراطيين، ويمكن أن تكون اسهاما متميزا لهم، ورصيدا انتخابيا قبل نحو عام ونيف من الانتخابات النيابية التي من المفترض تنظيمها العام المقبل، وهو تحد يستحق المجازفة

العدد 926 – الأحد 20 مارس 2005م الموافق 09 صفر 1426هـ

المصدر: مقبرة “الديمقراطيين” أم مجدهم؟

انشر وشارك

مقالات ذات صلة