abbasbusafwan@gmail.com

لا حاجة للرقابة في بلد المنزهين

أعادت الحكومة، إلى المؤسسة التشريعية، قبل أيام، مشروعا بقانون بشأن إنشاء ديوان الرقابة الإدارية. وهو المشروع الذي تم رفعه إلى الحكومة في أبريل/ نيسان من العام الماضي، وكان قدمه عدد من أعضاء مجلس الشورى، من بينهم الخبير في شئون الخدمة المدنية عبدالحسن بوحسين. ولعل ابرز ما ورد في خطاب الإحالة، مطالبة الحكومة بأن يكون الديوان تابعا لمجلس الوزراء! في حين كان النص المقترح أن يكون الديوان تابعا إلى جلالة الملك، في ظل مطالبات منطقية بأن يكون تابعا لمجلس النواب المنتخب أصلا. الحكومة تبدو جامدة في خطابها، كالعادة، إلى حد يثير الأسى، ذلك أن تبعية ديوان الرقابة المالية، الذي أنشئ قبل عدة سنوات، للديوان الملكي، وليس للحكومة، لا يبدو مقنعا لكثير من النواب والناشطين، وسبق أن قدم عدد من النواب مقترحات تطالب بإعادة “الوضع إلى نصابه”، لتكون تبعية ديوان الرقابة إلى الغرفة المنتخبة، “كما هو الحال في الكويت”، وهي الغرفة التي يمنحها الدستور الصلاحيات الرقابية على السلطة التنفيذية التي راكمت طوال سنوات فسادا، أحال البر والبحر ملكا خاصا، والمال العام موردا لا ينضب للغنى الفاحش، وتأتي لتطالب هكذا وبلا تردد بأن تكون قاضيا وخصما، وأن يكون المراقب تابعا لها، ليفقده ذلك أي قدرة على الحركة والحراك، ويكون كمؤسسات الحكومة الأخرى، التي تضم أجهزة رقابية، عمياء لا ترى، وكذا خرساء، وبكماء. موقف الحكومة كان أشد تطرفا من ذلك، وقد كانت إبان النقاشات الأولى للمشروع والمشروعات المشابهة رافضة لانشاء مؤسسة رقابية على القطاع العام “تفاديا للكلف الإضافية التي ستنتج عن استحداث الأجهزة الإدارية والفنية التابعة للجهاز المقترح”، كما جاء في رد وزير مجلس الوزراء السابق محمد المطوع، حين كان يناقش، في جلسة نيابية، في سبتمبر/ أيلول الماضي مقترحا برغبة يدعو للرقابة على ديوان الخدمة المدنية، الذي تعتبره السلطات – على مايبدو – منزها عن الخطأ، على رغم كل أنواع السوء التي تنخر الجهاز الرسمي، الذي يشرف ديوان الخدمة على التوظيف والترقي فيه، وهو السوء الذي كشفت بعضا منه، ندوة الاصلاح الاقتصادي التي رعاها سمو ولي العهد في فبراير/ شباط الماضي. عقود من البيروقراطية ليست كافية لاقناع الجهاز المحافظ بالحاجة إلى الرقابة، هذا الجهاز الذي كان يرفض إنشاء برلمان وديوان للرقابة المالية وغيرهما، وهي المؤسسات التي دشنها جلالة الملك، فاتحا بابا لاحتمالات وقوع خطأ، وضمن فهم لا يستبعد أن بعض المسئولين البحرينيين، مثل أي مسئولين في دول العالم، يصيبون وكذا يخطئون، وبالتالي لابد أن يحاسبوا عبر مؤسسات رقابة منتخبة، وأخرى مختصة مع اعطاء مساحة للجهد الشعبي المتمثل في نشاط جمعية الشفافية. يذكر التقرير العالمي عن الفساد لسنة ،2004 عشرة زعماء استولوا على أموال طائلة، حين كانوا في السلطة، من بينهم الرئيس الاندونيسي السابق سوهارتو الذي يقدر ما استولى عليه بين 15 و35 مليار دولار، في السنوات التي قضاها رئيسا، بين أعوام 1967 و،1998 فيما تقدر قيمة الأموال التي استولى عليها الرئيس الفلبيني السابق فرديناند ماركوس بين أعوام 1972و1986 بين 5 و10 مليارات، أما الرئيس الزائيري موبوتو سيسيسيكو فقد ظفر بخمسة مليارات. التقرير يضيف أن “الزعماء العشرة الواردة أسماؤهم ليسوا بالضرورة الأكثر فسادا خلال الفترة الزمنية المذكورة”، وربما هناك من هم أشد فسادا منهم، ولم تتح الفرصة للكشف عنهم. وفي البحرين لا أحد راكم ثروة ابدا، وباستثناء مدير عام بنك الاسكان السابق الذي فرضت تجاذبات “السيستم” إحالته للنيابة العامة، التي فشلت في لملمة الموضوع، عبر التوصل إلى تسوية بين الوزارة والمتهم، فإن باقي المسئولين البحرينيين منزهون، أو يفترض أنهم كذلك، على رغم أن وجود المادة 45 من قانون مجلسي الشورى والنواب التي تمنع البرلمان من مساءلة الحكومة في أمور سبقت انعقاده، تفترض التورط في الافساد… إذا، كانت هنالك أخطاء لابد من السكوت عليها، كما تدعو المادة المذكورة، غير الدستورية، وهو أمر لا يقبله كثيرون، فإنه ليس مقبولا أكثر، ألا نشرع لما هو قادم، وألا نعطي المؤسسات الرقابية الصلاحيات التي تؤهلها لخوض معركة احتواء الفساد، لا القضاء عليه طبعا

العدد 943 – الأربعاء 06 أبريل 2005م الموافق 26 صفر 1426هـ

المصدر: لا حاجة للرقابة في بلد المنزهين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة