abbasbusafwan@gmail.com

البحرين في تقرير التنمية الإنسانية: قراءة أولية

ينتقد تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام ،2004 الذي يتخذ من “الحرية” عنوانا له، واقع الحال في البلاد العربية، التي تمارس حكوماتها “التهميش الاستراتيجي” لقوى المجتمع، عبر سيطرة يفرضها الجهاز التنفيذي الذي يمثل “ثقبا أسود”، على المؤسستين التشريعية والقضائية، والفضاء المدني والسياسي، ليضع كل شيء تحت الإبط، مستغلا شرعية تقليدية ودينية وثورية، تطورت في بعض الحالات، ضمن التعاطي البطيء مع الضغط السياسي الداخلي والخارجي، إلى دولة ذات شعارات ديمقراطية مفرغة من مضمونها، في الغالب الأعم، يسميها التقرير “الليبرالية الاستبدادية”، تمارس أنواعا شتى من “الابتزاز” للمواطنين، لتدير الأوضاع لصالح أقلية متحكمة في النفوذ والمال.

لا يستثني التقرير البحرين من هذا الوصف، ويورد اسمها نحو ثلاثين مرة، مسجلا في بعضها صورة إيجابية، وفي بعضها الآخر صورة سلبية للأوضاع القائمة، ويحصرها في الفترة الفاصلة بين صدور تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني ،2003 وبين الموعد المفترض لصدور التقرير الحالي في الصيف الماضي.

وبالتالي، وعلى رغم تأخر صدور التقرير، لأسباب معروفة، فإنه قد لا يشير إلى تطورات حدثت بعد هذا التاريخ، ومن بينها تطورات بالغة الحساسية بشأن حل مركز البحرين لحقوق الإنسان، وإغلاق نادي العروبة. هذا من الجانب السلبي، وفي الجانب الإيجابي فإنه لا يشير مثلا إلى توزير فاطمة البلوشي على رأس وزارة الشئون الاجتماعية، كإحدى علامات تمكين المرأة.

في هذا المقال، من بين مقالات عدة، محاولة لإلقاء الضوء على تقييم التقرير لطبيعة التحول الديمقراطي في البحرين، كما سيحاول قراءة مواقف القوى السياسية منه، بما في ذلك الكتل النيابية، وكذا القوى المعارضة، التي لم تلتفت بعد -كعادتها- إلى أهم تقرير عربي، مدعوم من طرف الأمم المتحدة، في وقت تتحدث فيه ليل نهار، عن “تدويل” الملف الدستوري، بكل ما يثيره ذلك من حساسيات، ستكون السلطات مضطرة للتغاضي عنها، إذا قنن ضمن المنظمات الدولية، التي تتيح آلياتها لمؤسسات المجتمعين المدني والسياسي تقديم تقارير موازية لما يقدمه الجانب الرسمي من معلومات.

بشأن البحرين، يعالج التقرير موضوعات عدة، من بينها ضحايا انتهاكات حقوق الانسان “الصفحات: ،5 ،26 6”. مواثيق حقوق الإنسان “الصفحات ،101 102”. إصلاح التعليم “،35 ،36 37″، الأحزاب والجمعيات السياسية “،12 ،38 ،104 ،105 112″، مؤسسات المجتمع المدني “،82 ،104 126″، وضعية المرأة “41”، القضاء وما يتعلق به “،12 ،107 110″، التجمع السلمي “111”، العريضة الشعبية “39”، الصحافة “،112 ،113 114”.

هذا المقال سيركز على الملف المتعلق بضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، التي ترد في الصفحات الأولى من التقرير، على أمل مقاربة القضايا الأخرى، أو بعضها، في مقالات أخرى.

يفاجئك التقرير في الصفحة الخامسة بالاشارة إلى “اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب”، التي “بدأت تطالب بتعويضات لعائلات الذين قتلوا وعذبوا بيد قوات الأمن في الحوادث السياسية السابقة، كما طالبت بمحاكمة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان”.

ويعتبر التقرير ذلك التحرك جزءا من “تصاعد وتائر المناداة بالإصلاح”، حين يوردها ضمن قائمة “مبادرات الإصلاح، الرسمية ومن منظمات المجتمع المدني، التي طرحت واستهدفت معالجة بعض أوجه القصور في العالم العربي”، بل ويعتبر التقرير مطالبات اللجنة المذكورة إحدى “الاختراقات المهمة” لقوى المجتمع المدني في “تحركها الإيجابي نحو الإصلاح السياسي”.

في صفحة “26”، يعيد التقرير ذكر المعلومات ذاتها، مضيفا أن “اللجنة استطاعت جمع توقيعات 33 ألف مواطن – عدد سكان البحرين 400 ألف شخص “بحسب التقرير” – على عريضة تطالب بإلغاء المرسوم بقانون رقم 56 الذي لا يمكن بموجبه رفع قضية في المحاكم ضد الأشخاص الذين قاموا في الفترة السابقة بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان”، ويمكن أن أضيف أن العريضة سلمت إلى ملك البلاد في مايو/ أيار من العام الماضي.

هذا ما يذكره التقرير بشأن الموضوع. وفي قراءة ذلك يمكن القول إن لجنة الشهداء تستحق هذه الإشارة، بسبب حساسية الملف الذي تعالجه، والمتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، وهو الملف الذي بات الأكثر سخونة، كونه أحد أهم مداخل الاصلاح، الذي لن ينطلق بجدية في ظل سجون مليئة بالناشطين السياسيين.

وفي حين أن السلطات البحرينية بيضت السجون، واتخذت جملة إجراءات لضمان مواءمة الأجهزة الأمنية مع متطلبات العملية السياسية في البلد، التي انطلقت في فبراير/ شباط ،2002 فإن ملف التعويضات لضحايا التعذيب والشهداء لازال عالقا، وكذا ملف المتهمين في انتهاك حقوق الإنسان. “التقرير لا يسميهم متهمين، ويستخدم لفظ “الذين قاموا بانتهاكات…””.

ويرى متابعون أن وزارة الداخلية بدت أكثر من غيرها “وزارة الإعلام مثلا” رغبة في التعاطي مع مرحلة لا يكون فيها الأمن سيدا، ولعل هذا المنحى تعزز بشكل واضح بعد تعيين وزير داخلية جديد “الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة” في مايو/ أيار الماضي، بعد أن أقدمت سلطات الأمن، حينها، على إطلاق مسيلات الدموع على تظاهرة سلمية منددة بالاحتلال الأميركي في العراق، وهي خطوة تبدو غير مسبوقة في الدول العربية.

لكن السلطات، بالمقابل، اتخذت من الإجراءات ما يمنع رفع قضايا ضد المتهمين بممارسة الانتهاكات، أبرزها مرسوم بقانون 56 لسنة ،2002 وبالفعل فقد رفضت النيابة العامة، التي لا تتمتع بالاستقلال على أي حال، قبول ثمان قضايا ضد بعض هؤلاء المتهمين في سبتمبر/ ايلول ،2003 ما جعل عددا من الناشطين يلوحون بالتقاضي أمام محاكم دولية، وهو الحق الذي يتيحه اتفاق مناهضة التعذيب الذي وقعت عليه البحرين – بتحفظ – في فبراير ،1998 ثم سحبت في العام 1999 هذه التحفظات التي تعطي لجنة مناهضة التعذيب الحق في التحقق من ادعاءات التعذيب، بما في ذلك ارسال خبراء إلى الدولة المتهمة بذلك.

غير أن السلطات أقرت، بشكل أو بآخر، ارتكابها أخطاء في حق مواطنيها المطالبين بممارسة الديمقراطية، وحاولت التعاطي مع ملف الضحايا، لجهة العلاج وغيره، ولعل في إنشاء مركز الكرامة في ديسمبر/ كانون الأول ،2004 من قبل الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وبدعم من السلطات، أحد تجليات الرغبة في احتواء جزء من مآزق الماضي.

كما أبدت السلطات بعضا من المرونة على صعيد درس ملف التعويضات. ويقال إنها عرضت مبالغ مالية قيل انها بلغت نحو 40 ألف دينار عن كل ضحية، وهو المطلب الذي تردد رفضه من طرف اللجنة الوطنية للشهداء، مطالبة بإجراء المحاكمات، لا الاكتفاء بالتعويضات.

وفي الواقع، فإن اللجنة المذكورة تعاني من إشكالات بنيوية، تعكس الإشكالات التي يواجهها التيار الإسلامي الشيعي. وربما يصعب أن تقوم اللجنة بواجبها في ملف خطير كما يأمل الضحايا، فهي تتشكل من شخصيات غير معروفة، وكثير منهم ليسوا عارفين، حتى لا نقول خبراء، في قضايا حقوق الانسان، وذلك بسبب ابتعاد مؤثرين عن الترشح لعضوية اللجنة.

وفي الغالب فإن نشاطها يتركز في المطالبة بمحاكمة المتهمين في الانتهاكات، مهملين إهمالا يكاد يكون تاما، التثقيف، وكسب مناصرين جدد، وملف العلاج النفسي والجسدي للمتضررين، وكذا الأوضاع المعيشية لذوي الضحايا.

والأهم أن خطابها يبدو متركزا حول ضحايا عقد التسعينات، من دون أن يشمل من سجن وعذب وهجر واستشهد دفاعا عن الحرية في عقود سابقة، وربما يكون أحد اسباب ذلك التركيبة الأحادية الجانب للجنة، التي يغلب عليها التيار الإسلامي الشيعي، أو جزء منه.

على أن إغلاق ملف التعويضات إذا ما تم، لأسباب أو أخرى، من بينها رغبة السلطات في احتواء المواقف السياسية، في ظل استشراء ملفات أخرى، دستورية وعمالية ومعيشية، فإنه لا يتوقع أن يكون كافيا لاحتواء مشاهد الدمار النفسي في نفوس المتضررين. وكثيرون باتوا يطالبون بالاقتداء بالتجربة المغربية، مثلا، التي شكلت هيئة للانصاف والمصالحة تجتهد لمقاربة الملف في كل جوانبه وأبعاده، آملة الوصول إلى توافق وطني، يقي البلاد شر التداعيات غير المحسوبة.

وهذا لن يتم بالتأكيد إلا إذا أدرك الخطاب الشعبي المعارض، خصوصا، عمق الحدث، ومواقف السلطة والأطراف المتعاطفة معها، التي لن تهضم بسهولة تعرض ضباطها السابقين للمساءلة، وهم الذين كانوا يمارسون الانتهاكات ضمن أوامر فوقية “لا يبررها القانون على أي حال”.

يبدو الحوار، لا القانون وحده، الخيار الأكثر واقعية، لمقاربة واقع معقد، بيد أن السلطات ومناوئيها مازالوا بعيدين عن ذلك

العدد 950 – الأربعاء 13 أبريل 2005م الموافق 04 ربيع الاول 1426هـ

المصدر: البحرين في تقرير التنمية الإنسانية: قراءة أولية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة