abbasbusafwan@gmail.com

قراءة سياسية في انتخابات المجلس الطلابي

عبرت الانتخابات في جامعة البحرين، لجهة طريقة إدارتها ونتائجها وتعاطي السلطات الإدارية والجماعات الطلابية معها، عن صورة للواقع السياسي الملتبس في البلد، والقوى المؤثرة فيه، وحساسية السلطات من نمو هذه القوى، إضافة إلى المحفزات التي تجعل أكبر ممثلين للتيارات السنية الدينية “الإصلاح” و”الأصالة” يتحالفان، وكذلك الإشكالات التي توجه تحالف “الوفاق” و”العمل الديمقراطي”، باعتبارهما أهم شريكين في “التحالف الرباعي” المعارض للحكومة.

وسيحاول المقال التالي مقاربة بعض هذه المعطيات، متجاوزا حصر الحدث بين أسوار الجامعة. فلقد بدا واضحا رفض الخطاب الرسمي في الجامعة للوقائع السياسية التي أفرزها المشروع الإصلاحي، مشددا على ضرورة أن يغض الطلاب أبصارهم عما يجري خارج أسوار مؤسستهم الأكاديمية، وبالمقابل أن تقصي مؤسسات المجتمع المدني “والسياسي خصوصا” نفسها عن مجريات ما يحدث في داخل أسوار هذه المؤسسة التي ينتسب إليها نحو 20 ألف طالب، هم في أكثر الفترات العمرية نشاطا وحيوية.

إذا أردنا التشخيص الدقيق للحال الراهن، فإن هذا الرفض يبدو متوقعا من طرف بعض الجماعات، التي مازالت غير مستوعبة أن التصويت على ميثاق العمل الوطني، وما تلاه من استحقاقات، قد رسم معطيات جديدة، أبرزها تشكيلات سياسية “معترف” بها فعليا، وإن ظل القانون “21 لسنة 1989” متخلفا عن الواقع. وأن هذه التشكيلات أصبحت – أو تحاول – أن تصبح جزءا من صنع القرار، في كل مكان، وليس فقط في البرلمان.

في جانب آخر، بدا الخطاب الجامعي الرافض لوجود قوائم، وتسييس الطلاب، متناقضا مع الخطاب الإصلاحي الذي تتبناه المؤسسة الحاكمة، التي تدعو فيه علنا إلى تثقيف الشباب، وإدماج المسائل الدستورية والسياسية وحقوق الإنسان ضمن المنهج الدراسي في المدارس والجامعات، ولعل التربويين في الجامعة يدركون أن المنهج الدراسي ليس ذلك المحصور بين دفتي الكتاب، وإنما هو بالأساس الخبرة التي يتعلمها الطالب من خلال تجربته العملية.

ومع ذلك، فإن الخطاب الرسمي في الجامعة، من نواح معينة، وفي العمق خصوصا، يبدو يرقص على أنغام بعض الخطاب الرسمي الحكومي الذي مازال يعتبر التسييس جرما، أو شيئا مذموما على الأقل، الأولى تجنبه… وذاك الخطاب ينبع من ذات الثقافة التي تؤصل إلى تهميش الناس ومؤسساتها،، وهو الأمر الذي يتبدى في جانب منه في رفض الخطاب الحكومي لتقنين الأحزاب، وتحفظها على إعداد تشريع متقدم لعمل الجمعيات السياسية.

إن اعتبار الجامعة جزيرة منعزلة عما يحدث خارجها، ليس سوى تصور فوقي لواقع متداخل تداخلا يستحيل فصله. ومن المؤكد فإن طبيعة إدارة اللعبة الانتخابية، من الأطراف جميعها، والتحالفات التي نسجت، وأفرزت فوزا كاسحا للتيارات الدينية، يعد معطى غاية في الوضوح لكون الجامعة فرزا مجتمعيا في الأساس، وأية محاولة لنفي ذلك، ستبوء بالفشل، ومن صالح الإدارة الجامعية أن تكون سباقة بالإقرار بالوقائع المستحدثة، وهي الوقائع التي فرضت أصلا تأسيس كيان طلابي في العام ،2002 وليس قبل ذلك، مشكل من منتخبين مباشرة وبشكل غير مباشر، يتمتع بصلاحيات محدودة، عل ذلك يكون مخرجا لنداءات طلابية مستمرة ساعية إلى تشكيل اتحاد طلابي “حر ومستقل”.

إن احتواء العمل الطلابي، وضبط إيقاعه، هو أحد الأهداف المراد تحقيقها من تشكيل المجلس في العام ،2002 ومع ذلك فقد اعتبر التشكيل الطلابي بادرة إيجابية في طريق طويل، قد ينتهي يوما إلى أن يكون الطلاب أصحاب رأي أكبر في صوغ الممارسات الجامعية التي ظلت مفروضة من عل، ضمن سياق عام كان يرى المواطنين رعايا.

ولعل الجامعة مدعوة لأن تتعاطى مع المستجدات على نحو مختلف، بأن تشرك المجلس الطلابي، مثلا، في النقاشات مع المؤسسة التشريعية في محاولة لإقناعه بزيادة موازنة الجامعة، على الطلاب زيادة الضغط على البرلمان. وإذا اعتبرت الجامعة ذلك تسييسا مضرا، فإنها على الأرجح مازالت لم تتكيف بعد مع وقائع استجدت فعلا.

هذا جانب من الصورة، ليس نشازا أبدا، ذلك أن الممارسات الحكومية مازالت، في مواقع كثيرة، لم تتكيف مع العهد الجديد، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على الممارسات الشعبية، التي ظلت على مستوى الخطاب والفعل قصيرة الأفق، خصوصا حين لا يدرك أولويات الطلبة، ويتوقع أن تحالفا في إطار دستوري، مثلا، يعني بالضرورة تحالفا في الساحة الجامعية.

وهم “الوفاق”

يعتبر خطاب قائمة “الطالب أولا”، المحسوبة على جمعية “الوفاق”، نفسه فائزا في انتخابات المجلس الطلابي، بحصوله على 6 مقاعد من بين 13 مقعدا انتخبوا بشكل مباشر، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق، ذلك أن المجلس الطلابي في الجامعة يتشكل من 22 عضوا، على النحو الآتي:

– 13 عضوا يتم انتخابهم عبر الانتخاب السري المباشر، وهو ما جرى في 18 مايو/ أيار الجاري، حين انتخب 6 محسوبين على “الوفاق”، من بينهم طالبة، و5 محسوبين على قائمة “الإصلاح / الأصالة”، من بينهم طالبة، وعضو محسوب على “الشبيبة” “الذراع الشبابي للمنبر التقدمي”، وعضو مستقل “تلقى دعما واضحا من جمعية “الميثاق””.

– 9 ينتخبون بشكل غير مباشر، على النحو الآتي:

– 7 أعضاء، هم رؤساء الجمعيات الطلابية في كل كلية من الكليات السبع، وكل واحد منهم ينتخب مباشرة من أعضاء الجمعية العمومية في الجمعية الطلابية، ومن ثم يصبح تلقائيا عضوا في المجلس الطلابي.

– عضوان ممثلان للأندية الطلابية السبعة، ينتخبهما رؤساء الأندية بشكل سري مباشر لعضوية المجلس.

وتسيطر جمعية الإصلاح “الأصالة نشاطها أقل على هذا الصعيد”، على ست جمعيات طلابية، من أصل ،7 هي الهندسة، التربية، الآداب، تقنية المعلومات، الحقوق، إدارة الأعمال، ويستثنى من سيطرتها جمعية كلية العلوم التي تصنف على أنها مستقلة.

أما الأندية الطلابية، فتميل الكفة لصالح “الوفاق”، على النحو الآتي: الإعلام، والشطرنج تحسب إدارتهما على “الإصلاح / الأصالة”، الفنون، التصوير، أصدقاء البيئة، والمسرح: تحسب إدارتها على “الوفاق”، أما نادي الموسيقى فيعد مستقلا، وعلى رغم الغلبة الوفاقية الظاهرية، فإنه يرجح أن يتم انتخاب ممثل محسوب على “الوفاق”، وآخر محسوب على “الإصلاح والأصالة”، لعضوية المجلس الطلابي عن الأندية.

من ذلك يتضح أن قائمة “الإصلاح/ الأصالة”، هي التي ستسيطر على المجلس الطلابي المقبل، بغالبية 12 عضوا، “5 منتخبين مباشرة، و7 بشكل غير مباشر من خلال الجمعيات الطلابية الـ 6 وممثل عن الأندية”، فيما سيكون نصيب “الوفاق” 7 أعضاء، “6 انتخبوا مباشرة، وممثل عن الأندية”، ونصيب المنبر التقدمي عضو واحد، وآخر محسوب على الميثاق، وعضو مستقل هو حسين بوشهري الذي فاز بأحد مقاعد كلية إدارة الأعمال، مدعوما على أساس عرقي. “هذا التقسيم بني على التشكل الحالي للجمعيات والأندية، ولا يتوقع أن يحدث انقلاب أو تغير جذري في تشكيلها حين يجري انتخاب رؤساء الجمعيات في 30 من الشهر الجاري وإذا حدث تغير فسيكون محدودا”.

نفوذ “الاصلاح”

وتتلاقى جملة أسباب تقود إلى سيطرة “الإصلاح/ الأصالة” على الجمعيات الطلابية، من بينها تداعيات الفترة التي حكم العسكر فيها الجامعة بيد من حديد، إبان الحركة المطلبية “1994 – 1999″، حين وجهت ضربة كبيرة للوجود الإسلامي الشيعي في المؤسسات الطلابية المنتخبة، بيد أن ذلك أصبح ماضيا، ولعل السبب الأبرز الآن يعود إلى إخفاق الجماعات الطلابية المحسوبة على “الوفاق” في إعادة تنظيم صفوفها، لتكون رقما مؤثرا في الجمعيات الطلابية، التي تشترك في اتخاذ القرار، بحسب القانون، فذلك ليس أمرا مستجدا، لكي يعد مفاجأة، ولا يحسب حسابه.

وربما يعود ذلك الإخفاق في جزء كبير منه أيضا إلى أن بعض القائمين على العمل الشبابي الطلابي “الوفاقي” يعطون الأولوية القصوى للانتخابات، حين يجيشون قبل أسابيع فقط جماعاتهم للتصويت باتجاه معين، من دون محاولة لغرس يؤتي أكله بعد شهور من العمل الجاد في الجمعيات.

فيما أثبتت “الإصلاح” قدرة كبيرة على تنظيم صفوف طلابها، إن على مستوى الانتخابات المباشرة أو غير المباشرة، وفي ذلك لا يبدو مستندا إلى دلائل ملموسة أية اتهامات توجه لإدارة الجامعة على أنها منحازة إلى تيار “الإصلاح”، حتى مع اعتبارعميدة شئون الطلبة إحدى عضوات المنبر الإسلامي البارزات.

وكان متوقعا أن يفتخر “الإصلاح” بطلابه الذين حققوا نتائج باهرة داخل الجامعة، وإذ لم تفعل الجمعية ذلك تفاديا للصدام مع الخطاب الرسمي الجامعي الذي دان تدخل الجمعيات السياسية في العمل الطلابي، فإنه لا صدقية للإدانة التي وجهها رئيس المكتب الإعلامي في المنبر الإسلامي، حين قال بأن مركز شباب المنبر، ومنتدى الجامعيين في “الإصلاح” يأسفان لتدخل الجمعيات السياسية في انتخابات مجلس طلبة الجامعة، ذلك أن هذه الجمعية الإسلامية تفعل ما هو متوقع منها، وهي تجني اليوم ما بدأت غرسه منذ سنين طويلة، بقيادة لا تتوانى عن الانحياز إلى ما تعتقد أنه في صالحها، وإن اعتبر ذلك تواطؤا مع السلطات في نظر معارضيها.

ويتسع هامش المناورة حين يتحالف المتنافسان “الإصلاح” و”الأصالة” من أجل “حقوق الطائفة”، التي قد تتعرض للاهتزاز في ظل الغلبة العددية الشيعية، وهو الأمر المتوقع حدوثه أيضا في الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة، في ظل أجواء تؤشر إلى تنامي الفزعات الطائفية.

وفي ذلك، لعل من المناسب أن تبدأ الإدارة الجامعية في المساهمة في تثقيف الطلبة، بشأن التحالفات وبناء البرامج، فهذا يبدو مختلفا عن المطالبة بعدم تدخل الجمعيات السياسية في الشأن الطلابي، وربما يكون المطلوب أن تساهم كل الأطراف بالارتقاء بالخطاب السياسي والطلابي ليكون الأساس في الانتخاب مبدأ الكفاءة، لا الانحياز المذهبي، كما هو الحاصل، وأن الأساس في تبني البرامج مصلحة الطالب الجامعي، لا مصالح ضيقة لهذا الطرف أو ذاك.

الليبراليون: فشل متجدد

إلى ذلك فإن التيارات الليبرالية أثبتت ضعفا واضحا، خصوصا جمعية العمل الوطني الديمقراطي، التي فشلت فشلا مدويا في الحصول على مقعد طلابي، للمرة الرابعة على التوالي، فمنذ شكل المجلس ظلت التيارات الدينية مسيطرة عليه، مع أن الوفاق سجلت تراجعا على صعيد عدد المقاعد.

وبدل أن تتحمل “العمل الوطني” مسئوليتها تجاه اخفاقها، فإن بعض خطابها يبدو يوجه اللوم إلى حليفتها “الوفاق”، التي تخلت عنها بعد أن وعدتها بالدعم، وهو ما جعل “العمل” تسحب 3 من مرشحيها الأربعة. ويقال أن فرصة ربما كانت متاحة لفوز مرشحة “العمل الديمقراطي” فاطمة سيادي بمقعد كلية الحقوق، لكنها ضاعت بسبب عدم سحب “الوفاق” لمرشحها قاسم الفردان. ومعروف أن هذه الكلية تضم غالبية سنية تقدر بنحو 60 في المئة، ما يعني بحسب الذهنية السائدة، أن الفائز سيكون سنيا، وقد طلب “العمل” من “الوفاق” دعم مرشحته في قبال مرشح “الإصلاح/ الأصالة” حسن علي الشتي، بيد أن “الوفاق” تخلت عن وعدها، آملة أن تتشتت الأصوات السنية بين سيادي والشتي، ليفوز مرشحها الفردان، لكن “العمل” ردت على ما تسميه خذلان “الوفاق” بسحب مرشحتها، لأنها تعرف أن الغالبية السنية ستحسم المعركة لصالح الشتي، وهذا ما حدث فعلا.

وفي الواقع، فإن سيادي ليست المرشحة الوحيدة التي سحبها “العمل”، للسبب ذاته، هذا الإجراء المتسرع الانفعالي لم يعط الجمعية، التي تعد أكثر الجمعيات المعارضة تنظيما، فرصة لاختبار قوتها في الجامعة، التي يمكن أن ترسم لها صورة عن قوتها خارج الجامعة، ومثل هذه الصورة يحتاجها تنظيم مثل “العمل” سيشارك في الانتخابات البلدية، وعلى الأرجح في “النيابية” أيضا.

ومن دون ذكر حوادث أخرى، وحتى من التقدير بأن القيادة السياسية في “الوفاق” لم تعط توجيهات للناشطين الطلابيين بالتخلي عن “العمل”، فإن ذلك يعد شاهدا جديدا على الصعوبات التي تواجه “التحالف الرباعي” القائم على أولوية الإصلاح الدستوري. ويجدر بالطرفين أن يدركا أن التحالف في الشأن الدستوري لا يعني تحالفا على الصعد كلها، ذلك أن الأجندة النسائية للطرفين تبدو مختلفة، وكذا الأجندة الشبابية التي تبنى على أسس اجتماعية في الغالب. وحتى إذا أقنعت “العمل” الوفاق بأن المشهد في الجامعة يتعلق بحقوق الطلبة في قبال السلطات الإدارية، فإن ذلك غير كاف لضمان تحالف متين، ذاك أن مرحلة الانتخابات تعني في نظر كثير من “الوفاقيين” استحقاقا حزبيا ليس من المنطقي التخلي عنه. “الأحد المقبل – حلقة ثانية”

العدد 992 – الأربعاء 25 مايو 2005م الموافق 16 ربيع الثاني 1426هـ

المصدر: قراءة سياسية في انتخابات المجلس الطلابي

انشر وشارك

مقالات ذات صلة