abbasbusafwan@gmail.com

البحرين: الصراع المكتوم حول ولاية العهد

قد يبدو أن البحرين لا تعيش إشكالية ولاية العهد، كما تعيشها السعودية وعُمان، بيد أن ذلك ليس إلا السطح. إذ يعاني ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة (1969 ـ الآن)، الابن البكر للملك، من مصاعب جمّة في إقناع عائلته الحاكمة وشعب البحرين (موالاة ومعارضة) والعربية السعودية وحتى بعض الأطراف الغربية بأنه (خيار واعد)، فيما يبرز على الدوام اسم أخيه الأصغر غير الشقيق ناصر (1987ـ الآن) كأحد البدائل أمام المتشددين في العائلة الحاكمة وشقيقتها الكبرى آل سعود لتولي هذا المنصب، لكن هذا الأخير قد يواجه رفض المعارضة له، وتشكيك غربي في قدرته على خلق انسجام وطني، وهجوما كاسحا من المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة، ستلقي بظلالها بالضرورة على الموقف الغربي، وقد تقوض مصداقية الأمير الذي هو قيد التصنيع.
1. معطيات أولية
في 26 نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة الأيام، التي يملكها نبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك البحريني، على صدر صفحتها الأولى، خبر استقبال الملك الأردني عبدالله الثاني للشيخ ناصر بن حمد، إلى جانب صورة يظهر فيها الملك عبدالله وهو يستمع باهتمام بالغ إلى ناصر.
في نفس العدد، أفردت الصحيفة صفحة كاملة عن زيارة الابن الرابع للملك حمد من الذكور إلى المملكة الأردنية، وإعلانه من مخيمات اللاجئين السوريين في عمّان عن جملة مشروعات إنسانية داعمة للسوريين.
وفي وقت تواجه فيه مشاريع الإصلاح الاقتصادي لولي العهد مشاكل جوهرية تكاد تطيح بها وبه، لا تجد المشاريع الخيرية للشيخ ناصر انتقادات علنية، حتى من قبل المعارضة، فيما حملات العلاقات العامة المكثفة والمكلفة مستمرة لتقديمه رجلا ذو وجه إنساني، يعطي من وقته وجهده الكثير للفقراء واليتامى والأرامل في داخل البحرين وخارجها، ولا يمكنني اعتبار ذلك (أمر عفوي) وغير مقصود ولا يحمل دلالات خاصة.
2. تموضع سلمان إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة
إبان الاعتصامات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية في دوار اللؤلؤة (فبراير-ـ مارس 2011)، تم تسويق ولي العهد، عبر الإعلام المحلي والدولي، على نحو شهر كامل، وفي لحظة فاصلة وتاريخية ستظل عالقة في الأذهان ردحا من الزمن، على أنه صاحب موقف وسطي، رجل حوار، وحمامة سلام، يتعاطى مع المعارضة أو حتى حليف لها، من خلال دعوته للتهدئة والحوار، وتقديمه مبادرة سياسية جريئة، مما أكسبه دعم الغرب، ونقمة الموالين، وتعاطف المعارضين الذين لا يجدون بديلا للتحالف معه في العائلة الحاكمة، التي يغلب على وجوهها شعار ‘نحن أو هم’.
وشكّل عدم نجاح سلمان في استقطاب المعارضين لمبادرته فشلا ذريعا له، من وجهة نظر خصــــومه في العائلة (جــــناح الخوالد)، برئاسة وزير القصر خالد بن أحمد آل خليفة. ولعلي لا أكون مبالغا إن قلت بأن نجاح سلمان في استقطاب المعارضين كان سيسجل، من وجهة نظر الخوالد، فشلا أكبر، ذلك أن هؤلاء ومعهم الرأي العام السني ـ عموما ـ اعتبروا أن مجرد تفكير ولي العهد، أو قبوله لعب دور المحاور، حول تأسيس برلمان كامل الصلاحيات وحكومة تمثل الإرادة الشعبية، يعد خطأ استراتيجيا وقاتلا، يستدعي تدخلا سعوديا عسكريا لحسم الصراع لصالح الوضع القائم، ويقبُر الحلم الذي قد تكون رسمته المبادرة المكونة من سبع نقاط على محيا المعارضة، بأن يكون لها وزنا مرموقا في دائرة الحكم والنفوذ.
لقد جرّت تلك المبادرة مزيدا من التحديات أمام ولي العهد، وفاقمت من هشاشة وضعه أمام المتنفذين في القصر، الذين يعتبرونه شخصية لا يمكن الاعتماد عليها، ولا ينجح في المهام المناطة به، ويكررون دائما أنه شخصية وديعة، وليبرالية. إضافة إلى ميوله الشخصية الغربية: يهوى ركوب السيارات لا الخيول، ولا ينظم الشعر البدوي، كما يفعل أخيه ناصر.
وإضافة إلى المعارضة، تحمّل سلمان لوحده مسؤولية انهيار مباحثات مارس الماراثونية والنادرة، وكأن أطراف السلطة الأخرى غير معنية بذلك. وانزوى بُعيد فض السلطات بالقوة المفرطة اعتصام دوار اللؤلؤة، وطالما كرر إنه ليس صاحب قرار سياسي أو عسكري، واجتهد لإرضاء المتشددين والموالين السُنة بالإقدام على فصل الآلاف من العاملين في الشركات التي تديرها ‘ممتلكات’ (الذراع الاستثماري لحكومة البحرين)، الواقعة تحت إشرافه. إنه إذا ـ وفق هذا النص المحكم ـ شخصية متذبذبة، خطها غير واضح، مرة يدعو للحوار وأخرى يصطف مع أصحاب نظرة الحل الأمني، لا يكمل مسعى الحوار والتهدئة، ولا يضع كل بيضه في سلة العسكر الذي يقودون الساحة: ‘لا نعرف له أرض من سماء، ولا أين يتكئ’، كما علق أحد كبار الموالين مرة، واصفا سلمان، ولا تقول المعارضة كلاما أفضل عن سلمان وإمكاناته، وأفق محاولات الحوار التي ساهم فيها.
ولم يعد مجلس التنمية الاقتصادية الذي يرأسه ولي العهد يجتمع كل يوم خميس كما كان عليه الحال منذ الصدام العلني مع رئيس الوزراء في 2008، وتم نقل مستشاره الأبرز محمد بن عيسى آل خليفة من منصبه رئيسا تنفيذيا لمجلس التنمية إلى مستشار أول في ديوان ولي العهد، كإحدى علامات الانزواء، والفشل الذريع الذي مني به مجلس التنمية الاقتصادية، الذي هو بات مشجبا ترمي عليه الدولة اخفاقاتها الاقتصادية.
لكن محاولات إعادة تسويق ولي العهد استمرت، عبر فتحه مجلسه الأسبوعي لاستقبال الداعميـــن له، ولم يزره والده أو رئيس الوزراء، والنافذين في الحكم، كما لم تسجل زيارات للمعارضة في المجلس.. إنه حقا وضع معقد لولي العهد، يتحمل هو مسؤولية هذه الصورة أولا وأخيرا، ولعله يرتضيها أو يستسغيها، معتقدا ـ خطأ ـ أنه بذلك يشبّك مع كل الأطراف، بيد إنه في الأغلب يخسرها.
3. تموضع ناصر إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة
في مارس 2011، تقدم ناصر صفوف المتشددين في العائلة الحاكمة، داعما الموقف الذي اتخذه والده، وقائد الجيش خليفة بن أحمد، ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وتحدث علنا عبر شاشة تلفزيون البحرين بطريقة عنيفة، متهورة، وتفتقر إلى الدبلوماسية، داعيا إلى الانتقام من المعارضين. لقد بدت تلك لحظة فارقة في نهج الدولة الرسمي التي عبّر عنها ناصر أكثر مما عبّر عنها سلمان الذي خرج على التلفزيون الرسمي مرات عدة داعيا للتهدئة، بينما كان الجيش يقتل عبدالرضا بوحميد (18 فبراير 2011)، وها هو أخيه الأصغر ناصر ينحاز إلى الخيار الأمني، وهو القرار الذي مضت فيه السلطات دون هوادة.
ويُتهم ناصر (وشقيقه خالد) بتعذيب بعض معتقلي الرأي، وقد أساء ذلك لصورته في الداخل وفي الغرب، وهي أهم نقاط ضعفه التي ليس من السهل تناسيها، أو تجاهلها كمدخل في الصورة النهائية لشخصية يراد لها أن تكون قيادية، فيما تأكد للسعودية والجناح النافذ في العائلة الملكية والموالين لها أن ناصر خيار يستحق الدرس لتولي مناصب رئيسية في النظام.
4. ترقيات العسكر تتجاهل ولي العهد
عيّن الملك ابنه ناصر رئيسا للحرس الملكي في يونيو 2011، بُعيد أيام من رفع حالة الطوارئ في البلاد، التي أعلنت بين 15 مارس و31 مايو 2011. لقد أظهر ذلك مدى الثقة التي يحظى بها ناصر لدى والده، الذي يعتبره درعا حصينا لحماية أمن الملك الشخصي (رمز السلطة الخليفية)، ويمنع المعارضة من تنفيذ مأربها في الإطاحة بالحاكم، أو تقليص صلاحياته.
لقد جاءت ترقية ناصر إلى رتبة عقيد وتكليفة برئاسة الحرس الملكي، ضمن سياسة ممنهجة لترقية الأطراف التي اعتبرها النظام مناصرة له، وأحيانا فإن هذه الترقيات جاءت كخطوة استباقية، كما في حالة قائد الجيش الذي تم ترقيته من رتبة فريق أول إلى مشير في 8 فبراير 2011، بمناسبة يوم قوة الدفاع الثالث والأربعين، وفي ظل الاستعدادات الشبابية المعلنة لإنطلاقة انتفاضة 14 فبراير، التي أعقبت ربيعي مصر وتونس، وأعطى ذلك (ضوء أخضر) للجيش للقيام بانتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وثق بعضها تقرير بسيوني الشهير.
ويبدو ملفتا، بأن ترقية ولي العهد من رتبة فريق أول إلى مشير، أعلنت بعد أيام من ترقية قائد الجيش، وكأنها جاءت بعد عتب الابن على أبيه، الذي نسى ترقية ابنه البكر أو تجاهله، وفي الحالتين فإن لذلك دلالات سياسية فاقعة.
فقد أصدر الملك حمد أمرا ملكيا بترقية خليفة بن أحمد (1946 ـ الآن) إلى مشير في 8 فبراير 2011، كما بث ذلك تلفريون البحرين، ووكالة أبناء البحرين ‘بنا’، ونشرت الصحف المحلية خبر الترقية في مواقعها الالكترونية في نفس اليوم ، وفي نسخها المطبوعة في اليوم التالي، مترافقة مع إعلانات تهنئة غزيرة بالمناسبة على مدى يومي 9 و10 فبراير، من دون الإشارة إلى خبر ترقية ولي العهد، الذي نشر في 15 فبراير، أي بعد نحو أسبوع من ترقية قائد الجيش.
ويلاحظ أن ترقية ولي العهد لم تلق صدى في الإعلام المحلي، الذي لم ينشر إعلانات تهنئة، ولا حتى تقارير عادية عن ذلك، لأسباب تتعلق بشكلية الترقية دون شك، وبتوقيتها المحرج كونها جاءت عقب ترقية قائد الجيش، ولكن ربما أيضا لأن البلد حينها كان (غارق في الدم) بسبب مقتل شابين (علي مشميع في 14 فبراير، وفاضل متروك في 15 فبراير)، ثم الهجوم الدامي على دوار اللؤلؤة في 17 فبراير.
وفي حين هنأ وزير الديوان الملكي شقيقه قائد الجيش بالترقية فإنه لم يهنئ ولي العهد، كما لم يصدر من قائد الجيش ترحيب بترقية سلمان بن حمد، إلا أنه سجل ترحيبا حارا بترقية الشيخ ناصر إلى رتبة عقيد. ويصعب أن لا يكون لذلك معان سياسية. ولذلك، وعلى رغم أن ولي العهد يشغل منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإنه لا يملك التأثير في القرار العسكري، الذي يمسك به بقوة قائد الجيش، شقيق وزير الديوان الملكي الذي يعد الساعد الأيمن للملك ورئيس الوزراء الفعلي، ذلك أن الشيخ خليفة رئيس الوزراء لم يعد صاحب قرار يذكر بعد أن جرده الملك من صلاحياته، خلاف ما يردد الإعلام الدولي.

المصدر: البحرين: الصراع المكتوم حول ولاية العهد 

انشر وشارك

مقالات ذات صلة