abbasbusafwan@gmail.com

الانقسام في البحرين على أشده.. 16 ديسمبر: عيد وطني أم عيد شهداء؟

بينما ترى العائلة الحاكمة في البحرين أن 16 ديسمبر  هو “عيد وطني مجيد” يستحق الاحتفاء، تحتفل قطاعات شعبية معارضة، في 17 ديسمبر من كل عام، بعيد الشهداء.

إنه لمن دواعي الأسف العميق، ألا يجد شعب البحرين في 16 ديسمبر مناسبة جامعة لمختلف ألوان الطيف الوطني، بينما يفترض أن تكون الأعياد الوطنية مناسبة للوحدة الوطنية، والتآخي الاجتماعي.

تخسر البحرين كثيرا لأنها لا تجد في “العيد الوطني” مناسبة سعيدة، تجتاح مشاعر شعب حيوي ومثابر وعاشق لوطنه مثل شعب البحرين.

يُصنف ديسمبر باعتباره من الشهور الأكثر سخونة في الجزيرة العصية على التوافق. ولعله الشهر الأكثر توترا على الإطلاق، منذ 1994 حتى 2010. ومازال هذا الشهر ملهبا للمشاعر، حتى بعد أن تصدرت الفترة من منتصف فبراير إلى منتصف مارس جذوة التوتر (منذ 2011)  .

وإذا سألت عما إذا كانت البحرين منقسمة على نفسها أم لا، أو إلى أي حد يبدو الانقسام عميقا، يمكن توجيه الأنظار إلى ما سيحدث خلال هذا الشهر (ديسمبر) لمعرفة عمق التباعد بين الجهات الرسمية وقطاعات واسعة من المجاميع الشعبية.

لن أكتب عن التاريخ كثيرا، لست مغرما إلا بالمستقبل، والعودة لما حدث سابقا مهم لكونه يساعدنا على فهم الحاضر، واستقراء مسارات القادم.

في 16 ديسمبر من كل عام تحتفل الحكومة بعيد جلوس الملك حمد، والعيد الوطني، وتتجاهل السلطات تاريخ 14 أغسطس، رغم كونه يوم الجلاء البريطاني من البحرين في 1971.

وبالنسبة لكثير من القطاعات المعارضة، يُذكّر 16 ديسمبر بالكثير من المآسي التي يعيشها شعب البحرين. وفي هذا العام تحديدا (2014)، تمر الذكرى العشرين على استشهاد الهانيين: هاني خميس وهاني الوسطي، اللذين أزهق الأمن (البحريني) روحهما، بالرصاص الحي، في 17 ديسمبر 1994، مدشّناً انتفاضة التسعينات، التي كانت تطالب بعودة العمل بدستور 1973، الذي ألغاه ملك البحرين 2002. وقد سبق تفجّر التظاهرات الجماهيرية الواسعة حينها، مقدمةٌ طويلة من الفعاليات، منها عريضة نخبوية، وأخرى شعبية وقعها الآلاف، وتجاهلها النظام، الذي مضى عنفا، كعادته، ضد معارضيه.

منذ ذلك الوقت (1994)، تصدّر ديسمبر الأحداث، باعتباره يذكر بانتفاضة التسعينات، التي يفتخر بها الكثيرون، من اتجاهات مختلفة حاليا، مثل الوزير السابق د. مجيد العلوي، الذي كان أحد قادة معارضي الخارج، ومنصور الجمري رئيس تحرير صحيفة الوسط، الذي كان المتحدث باسم حركة أحرار البحرين، أبرز الواجهات الحزبية تأثيرا في مسار الأحداث وقتذاك، أو الشيخ علي سلمان، الذي أطلق شرارة الانتفاضة، وقد أبعدته السلطات في يناير 1995 من البلاد، بمعية الشيخ حمزة الديري والسيد حيدر الستري، إضافة إلى الرموز التي اختارت، منذ 2011، شعار إسقاط النظام، بعد يأسها من احتمال إصلاحه من الداخل، وأبرزهم الثلاثي د.سعيد الشهابي وأ.حسن مشيمع وأ.عبدالوهاب حسين.. كانت تلك الوجوه، المتعددة الرؤى حاليا، مجمعة وموحدة على المطالبة بتفعيل دستور 1973.

شخصيا، أشعر بأسى شديد وأنا أبحث عن يوم وطني جامع، متفق عليه، يجعلني وأطفالي نهتف، والدموع تنهمر فرحا، باسم البحرين، بغض النطر عن اسم الحاكم ومدى اتفاقي مع توجهاته، ولعل البحث عن ذلك (يوم وطني متوافق عليه) بات أمرا ملحا، وقد يكون 14 أغسطس خيارا مناسبا، يلتقي فيه جميع البحرينيين حول الوطن.

وتحتفل المعارضة البحرينية بـ 14 أغسطس يوما للاستقلال، لكنها تختار التظاهر وإغلاق الشوارع تعبيرا عن رفضها لسياسات العائلة الحاكمة، وأتمنى عليها، بدلا من ذلك، أن تحوّل 14 أغسطس إلى كرنفال سعيد، يحتفي به الناس بإطلاق البالونات، وإقامة حفلات الفرح، والتغني بالأناشيد الوطنية، وحمل أعلام البحرين، باعتبار يوم الجلاء باعثاً على السعادة، برحيل البريطانيين من البحرين، ولعل ذلك يجذب بعض الموالين حول حدث متفق عليه. ومع الأسف الشديد فإن السلطات مازالت ترى الانسحاب البريطاني خطوة خاطئة، اتخذتها حكومة لندن نهاية ستينيات القرن الماضي، ومع ذلك قد لا يستحيل جدبها للاحتفاء بالمناسبة بشكل أو آخر.

ومن سوء حظ البحرين، أن الشيخ عبدالأمير الجمري، زعيم انتفاضة التسعينات، قد رحل إلى الباري في 18 ديسمبر (2006)، وأظن أن الجمري أبرز رجال السياسة الذين يحظون باحترام وطني قل نظيره، أقول من سوء حظ البحرين، لأنه لو كان الأجل المحتوم وافاه في تاريخ آخر غير 18 ديسمبر، لربما يشكل ذكرى رحيله يوم للوحدة الوطنية، وإن كانت هذه الفكرة قابلة للإحياء بشكل أو آخر، مثل اختيار يوم مولده، أو يوم مهم في حياته مناسبة للتجمع الوطني. (يمكن أن تكون ذكرى تأسيس هيئة الاتحاد الوطني في أكتوبر 1954 مناسبة شعبية جامعة، وللأسف ترى الحكومة في ذلك التأسيس ذكرى أليمة).

الأهم، هنا أن 16 ديسمبر و14 أغسطس ليسا اليومين الوحيدين اللذين لا يرسمان علامة اتفاق وطني، وحتى 14 فبراير الذي يفترض أن يكون يوما وطنيا بهيجا، كونه شهد التصويت بالإيجاب على ميثاق العمل الوطني (2001)، لكن ما حدث أنه بعد عام من ذلك، اختار ملك البحرين تخريب الذكرى الجامعة الإيجابية بذكرى سيئة، حين أصدر الدستور الجديد (دستور ممكلة  البحرين 2002)، المختلف على طريقة إصداره ومضامين متنه.

وبعد 11 عام على ذلك، تحول يوم 14 فبراير (2011) إلى ذكرى غير عادية ومختلف بشأنها في البحرين: ذكرى سيئة ومشؤمة بالنسبة للسلطات لأنه شهد اندلاع “ثورة 14 فبراير”، وفي نفس الوقت ذكرى متخمة بآمال التغيير، عند عشرات الآلاف من المواطنين الذين احتشدوا في دوار اللؤلؤة. (أخشى ألا نجد مكانا ونصبا متفق عليه أيضا، فقد حطمت السلطات نصب اللؤلؤة كونه يذكر بمحطة أليمة لدى الملك حمد، فيما يستحق النصب الشهير التخليد والتمجيد لدى الغالبية الشعبية).

إن 16 ديسمبر، والمناسبات الأخرى المذكورة، تتجلى فيها عمق الأزمة بين العائلة الحاكمة والمواطنين، ويظهر الآن بأن السلطات تستعد للاحتفال بعيدها الوطني، والمعارضون يعدون العدة للاحتفال بالشهداء الذين رووا الأرض العطشى للحرية والمساواة، ولعل المواجهات الجديدة المرتقبة في غضون الأيام المقبلة ستكون أكثر ضراوة، وقد أعقبت انتخابات مختلف عليها، وتترافق مع مناسبات إقليمية مهمة، ويغذيها حرقة المتضررين من حقبة العنف الأمني المستمرة.

ولا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى أن الانقسام البحريني الحاد، في طريقه إلى التعافي، في ضوء النهج الأحادي الذي يتبعه الملك حمد، والذي يظهر فشلا واضحا في فهم عمق الاختلاف وخطره على النظام والبحرين، فيما القطاعات الشعبية المتعددة غير قادرة بعد على اجتراح يوم قادر على تكتيل الجميع، معارضين وموالين، حول حب البحرين.

المصدر: الانقسام في البحرين على أشده.. 16 ديسمبر: عيد وطني أم عيد شهداء؟

انشر وشارك

مقالات ذات صلة