abbasbusafwan@gmail.com

انتفاضة التراثيليون

عدة أمور برزت في سباق التراثيليون، الذي أقيم في البحرين في 6 ديسمبر الجاري:

  1. – انتفاضة توتيرية ضد طريقة تنظيم السباق، لكنها لم تبلور موقفا موحدا من السباق، رغم نقد “الجميع” لمساره وتوقيته والقائمين عليه.
  2. – نأي الجمعيات المعارضة عن نقد صاحب فكرة إقامة السباق.
  3. – اعتذار نجل الملك المدلل عما سببه السباق من تعطيل لحركة المرور ومصالح المواطنين.

انتفاضة تويتريه

بينما كان الإعلام المحلي والدولي مشغول بمداولات النسخة العاشرة من حوار المنامة، الذي استضافته البحرين بين 5 ـ 7 ديسمبر الجاري، بدا أن الرأي العام البحريني لم يكن منجذبا للحديث الصاخب الذي تعالى من ردهات فندق رلتز كارلتون حول داعش وإيران وحزب الله والقاعدة البريطانية الجديدة في البحرين، وإنما كان مشغولا بالشلل الذي أصاب حركة المرور، بسبب انطلاق سباق التراثيليون، الذي ينظمه الاتحاد الرياضي للأمن العام، ويشارك فيه النجل الرابع الملك ناصر بن حمد، ممثل الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب، ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، ورئيس اللجنة الأولمبية البحرينية، ورئيس الفريق البحريني للتراثيليون، ورئيس الفريق البحريني للقدرة، ورئيس المؤسسة الملكية الخيرية!

التراثيليون “سباق ثلاثي، أشبه بالماراثون، يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات، وينتهي بالجري، وهناك عدة أنواع منه الشتوي الذي يحتوي على التزلج على الجليد، والجبلي الذي لا يحتوي على السباحة. هذه اللعبة تعتمد أيضاً على سرعة التبديل بين الملابس والأحذية الخاصة بكل مرحلة من مراحل اللعبة”، بحسب ويكيبيديا.

ويصعب القول أن المنظمين لم يكن يعوا أن مسار السباق، الذي يجري على شوارع حيوية  في البلاد وتوقيته ، سوف يتسبب في اختناقات مرورية واسعة، في الجزيرة الصغيرة والمكتظة، (الاكتظاظ السكاني في البحرين شبيه بدلتا النيل في مصر، حيث تعيش الغالبية من السكان، مواطنين وأجانب، على رقعة صغيرة، ومساحات البلاد الكبرى وجزرها، خصوصا في المنطقة الجنوبية وجزر حوار، تحولت ملكا خاصا).

لكن المفاجئ للمنظمين ولكثير من المراقبين، هو ردة الفعل العنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل مواطنين وشخصيات سنية وموالية للنظام تقليديا، والتي تتفادى عادة انتقاد أفراد العائلة الحاكمة.

وكتب النائب السلفي السابق إبراهيم “نطالب القيادة/ الحكومة/ البرلمان بمحاسبة الشيخ ناصر بن حمد، والمسؤولين، للإضرار بمصالح الناس، بسبب التراثيليون، ووضع ضوابط لعدم تكرر التعطل”، لكن المغرد أبوعمر الشافعي، توقع عدم قدرة البرلمان، على فعل شيء، وكتب: “ننتظر تصريحا من أعضاء مجلس النواب الجدد، عن ما حصل اليوم من خربطة وتأخير وازدحام، ولكن السؤال الأهم راح يستجوبون مين ؟؟؟”.

في الواقع، الشافعي يعرف، كما الرأي العام، أنه لا يمكن للبرلمان، الضعيف الصلاحيات، والمنتخب قبل ايام بمشاركة شعبية محدودة، على استجواب وزير الداخلية الذي تقع تحت مسئوليته الدائرة العامة للمرور، وبطبيعة لا يمكن للنواب المساكين مساءلة ناصر بن حمد، الذي لن يتورع أن يسقط عليهم “طوفة”!، وحتى هم نواب موالون للنظام، في ظل خلو البرلمان من شخصيات معارضة، بعد أن قاطعت الجمعيات المعارضة الانتخابات التي جرت في نوفمبر المنصرم.

المغرد محمد بوجيري، عبر عن قلة الحيلة، كاتبا: “إلى الشيخ ناصر، ولد خالي متوفي، وينتظرنا في المقبرة، محد (لا أحد) قادر يوصل للدفن والتشييع، يرضيك يا طويل العمر؟”، أما المخاوف الكبرى، فقد عبر عنها المغرد يوسف جناحي، الذي رفع يده للسماء: “الله يستر، ولا يستضيفون (ناصر وخالد بن حمد) مهرجان الثيران في الشوارع مثل إسبانيا!! دعواتكم يا جماعة عشان ما تصير هواية بس”.

معلوم أن هوايات أبناء الملك تتحول شأنا عاما، ولا يستثني من ذلك النجل البكر للملك، ولي العهد سلمان بن حمد، الذي كلف الخزانة العامة ملايين الدنانير في إنشاء وإدارة حلبة الفورمولا واحد، فقط لأنه يحب سباق السيارات، ويراد لثقافة السيارات ان تتحول إلى ثقافة محلية وشعبية وكأن كل الشعب لديه إمكانية شراء سيارة باهظة الثمن، كما يراد أن تتحول  سباقات الخيول المكلفة، إلى ثقافة محلية وشعبية، لأن ناصر بن حمد، يحب سباقات القدرة!

لا بد من الإشارة هنا إلى أن سباق التراثيليون تم تحت رعاية ولي العهد، الذي سلم الجوائز للفائزين، ومن الملفت أن أخوه غير الشقيق ناصر لم يفز بالمركز الأول، كما هي العادة.

الاعتذار العلني

 أعتذر ناصر بن حمد “عن أي تعطيل حصل”، وذلك في لقاء تلفزيوني، وفي بيان رسمي، بعيد انتهاء السباق. ولا أتذكر أن أحدا من أفراد العائلة الحاكمة اعتذر بهذه الصراحة يوما، وحتى وزيرة الثقافة السابقة مي الخليفة، لم تعتذر إلى النواب بعد أن قذفتهم بكلام لا يقال، ووصفتهم “مب رياييل”.

لا أعرف، كيف أفسر ذلك، لكن دون شك، فقد كان الضغط الشعبي كبيرا وملحوظا، ثم إن الاعتذار جاء في سياق قضية رياضية وليست سياسية، ولا تتعلق بالثروة والسلطة، التي تعتقد العائلة الحاكمة انها حكر عليها.

ولا بد من الإشارة هنا، إذا، إلى أن النقد الذي طال سباق التراثيليون، اختار موضوعا غير حساس، ونحن نعرف أن سقف الحريات في الشأن الرياضي واسع نسبيا في السعودية مثلا، حيث تسود دكتاتورية أعمق، هي القدوة العظمى للسلطة البحرينية.

إن ضيق مساحة الحريات، يدفع للحديث في قضايا، على أهميتها، تظل غير جوهرية نسبيا، خصوصا حين نقارنها بالإعلان مثلا عن إنشاء قاعدة بريطانية في البحرين، بكلفة 23 مليون دولار، تتحملها حكومة البحرين، وتداعيات القاعدة الجديدة أكثر أهمية من نقد الأضرار المؤقتة (24 ساعة) لسباق التراثيليون، بيد أن الجانب والأمني والدفاعي خط أحمر على الموالين نقده.

موقف المعارضة

نأت الجمعيات السياسية المعارضة بنفسها عن نقد صاحب فكرة إقامة السباق :ناصر بن حمد. وقد يبدو ذلك موقفا تقليديا، إذ لم تتحدث هذه الجمعيات عن الاتهامات الموجهة لنجل الملك بتعذيب معارضين، ولم تتحدث عن إشهار القضاء البريطاني هوية ناصر في مايو 2014، كما لم تعلق على إعلان محاكم لندن عن أن نجل الملك لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية التي تمنع محاكمته.

يمكن تفسير ذلك بكون الجمعيات السياسية تحاول، عادة، تجنب بعض المواقف التي يمكن أن يفسرها الديوان الملكي المتشدد، على أنها خطوط حمراء، يتوجب على المعارضة عدم تجازها.

بيد أن بعدا آخر يحضر هنا، هو أن دخول المعارضين في القضايا التي يتجاوب معها السنة الموالين قد يعطي نتائج عكسية. ومثلا فإن الئائب السلفي السابق بوصندل، وإذ يعترض على سباق التراثيليون، فإنه يكتب تغريدات ردا على مغردة معارضة، يقول فيها: “طاعتنا لولي الأمر (الحاكم) هي عبادة أمرنا بها الله تعالى، في غير معصية، ولو أمرني فسأمسحها (التغريدة الناقدة للسباق). انتقادنا للشيخ ناصر بن حمد – مع تقديرنا لجهوده – ليس لشخصه، كما هو حال أمثالك من الطائفيين الانقلابيين الحاقدين، وإنما لمنصبه. طالبنا الحاكم والمجلس النيابي بمحاسبة كل المنظمين لسباق التراثيليون، وذكرنا اسم الشيخ (ناصر) لأنه صاحب الفكرة، وقد اعتذر بشجاعة. حالنا مع حكامنا: أننا نلتزم بالشرع والطاعة، في غير معصية، ونختلف في التفاصيل، ونتناصح بالحسنى، وليس بحقد وطائفية وشخصنة”.

ولذا، أيضا تتفادى القيادات الدينية الشيعية، و”الوفاق”، كبرى جمعيات المعارضة، وذات التوجه الإسلامي، الحديث، عادة، عن البرامج السياحية المثيرة للجدل، والمرفوضة لدى الإسلاميين الشيعة، كما السنة، خشية أن يعطي ذلك الدعم نتيجة سلبية، إضافة طبعا إلى التقدير الذي تتبناه قيادة الوفاق بأن يتولى الملف السياحي الجماعات السياسية والدينية السنية، في وقت تتراكم لدى الجماعات الشيعية، ومناصريهم من القوميين والليبراليين، مطالب سياسية عويصة.

رغم الاتفاق بين قطاعات واسعة على أن الأحادية سائدة في البحرين، والحاجة ملحة للإصلاح، فإن الفشل ذريع، شعبيا، في تحويل ذلك مادة للوحدة الوطنية، وتبي برنامج إصلاحي في قصة “صغيرة”، فكيف يمكن بلورة موقف شعبي جامع حول الإصلاح السياسي برمته؟!

المصدر: انتفاضة التراثيليون

انشر وشارك

مقالات ذات صلة