abbasbusafwan@gmail.com

الصراع المكتوم: مستقبل ولاية العهد في البحرين

اضغط هنا لتحميل المرفق PDF

  • الصراع المكتوم: مستقبل ولاية العهد في البحرين
  • معطيات أولية
  • تموضع سلمان إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة
  • تموضع ناصر إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة
  • ترقيات العسكر تتجاهل ولي العهد
  • ولي العهد: تداعيات تعثر برامج الإصلاح الاقتصادي
  • سيناريوهات ولاية العهد
  • الخاتمة

 9c6fe1c968db328e216ec811fa7a37c6_Lقد يبدو أن البحرين لا تعيش إشكالية ولاية العهد، كما تعيشها السعودية وعُمان، بيد أن ذلك ليس إلا السطح. إذ يعاني ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة (1969 ـ الآن)، الابن البكر للملك، من مصاعب جمّة في إقناع عائلته الحاكمة وشعب البحرين (موالاة ومعارضة) والعربية السعودية وحتى بعض الأطراف الغربية بأنه خياراً واعداً، فيما يبرز على الدوام اسم أخيه الأصغر غير الشقيق ناصر (1987ـ الآن) كأحد البدائل أمام المتشددين في العائلة الحاكمة وشقيقتها الكبرى آل سعود لتولي هذا المنصب، لكن هذا الأخير قد يواجه رفض المعارضة له، وتشكيك غربي في قدرته على خلق انسجام وطني، وهجوما كاسحا من المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة، ستلقي بظلالها بالضرورة على الموقف الغربي، وقد تقوض مصداقية الأمير الذي هو قيد التصنيع. 

 1. معطيات أولية

في 26 نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة الأيام، المملوكه لنبيل الحمر المستشار الإعلامي للملك البحريني، على صدر صفحتها الأولى، خبر استقبال الملك الأردني عبدالله الثاني للشيخ ناصر بن حمد، إلى جانب صورة يظهر فيها الملك عبدالله وهو يستمع باهتمام بالغ إلى ناصر. 

في نفس العدد، أفردت الصحيفة صفحة كاملة عن زيارة الابن الرابع للملك حمد من الذكور إلى المملكة الأردنية، وإعلانه من مخيمات اللاجئين السوريين في عمّان عن جملة مشروعات إنسانية داعمة للسوريين.

يرأس ناصر المؤسسة الخيرية الملكية(1)، التي أعيد هيكلتها، في 2007، على مقاس الأمير الشاب المتطلع إلى لعب دور عام، بعد نحو سنة من تخرجه من كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية.

وتكاد المؤسسة الملكية تبتلع مؤسسة الهلال الأحمر البحريني والمؤسسات الخيرية الأخرى ذات الصبغة الوطنية، في محاولة غير بريئة لاحتكار العمل الخيري، وإبرازه علامة مسجلة باسم الأمير المحظي عند والده.

وفي وقت تواجه فيه مشاريع الإصلاح الاقتصادي لولي العهد مشاكل جوهرية تكاد تطيح بها وبه، لا تجد المشاريع الخيرية للشيخ ناصر انتقادات علنية، حتى من قبل المعارضة، فيما حملات العلاقات العامة المكثفة والمكلفة مستمرة لتقديمه رجلا ذو وجه إنساني، يعطي من وقته وجهده الكثير للفقراء واليتامى والأرامل في داخل البحرين وخارجها، ولا يمكنني اعتبار ذلك أمراً عفويا وغير مقصود ولا يحمل دلالات خاصة.

وترأس ناصر اتحاد الفروسية وسباقات القدرة، ضمن ميزانية ضخمة وغير معلنة، وهي قضية كانت ومازالت تثير جدلا واسعا، ونقمة شعبية، وتطرح أسئلة حول إهدار المال العام من وجهة نظر الموالين كما المعارضين.

وعادة ما يعلن اسم ناصر فائزا بالمركز الأول في السباقات التي اشترك بها منذ أسس فريق القدرة في 2002، وكأنه “سوبر هيرو”.

في المقابل، اتجه أخوه الأكبر غير الشقيق ولي العهد سلمان نحو سباق السيارات، التي تعد موضة غربية، وأنشأ حلبة البحرين الدولية للفورمولا بكلفة 150 مليون دولار، ومنذ افتتاحها في 2004 وهي تسجل خسائر كبيرة ومتتالية (أكثر من ٨ مليون دينار في 2011). 

ومن الملفت، أن الملك إبان ولايته للعهد، كان يرأس المجلس الأعلى للشباب والرياضة حتى تبوئه منصب الإمارة في مارس 1999. ثم تولى الشيخ سلمان رئاسة المجلس تزامنا مع تعيينه وليا للعهد في 1999، بيد أن سلمان خسر هذا الموقع لصالح أخيه الأصغر ناصر في 2010، وربما عليه (أي ولي العهد) أن يخشى خسران مواقع أخرى.

ويستثمر النظام في ناصر الكثير من المال والجهد لتقديمه راعي الرياضة والشباب، وإبراز الفعاليات التي يرعاها أو تلك التي تحمل اسمه، على أنها أحداث استثنائية، مثل ناصر 5، التي اعتمد جوائز لها بكلفة ٦٠ ألف دينار، وتم تغطيتها إعلاميا على نطاق واسع(2).

باختصار، يتم تسويق ناصر خلال بروبوغندا الإعلام المحلي المكثف كشاب ملهم، رياضي، شاعر، صاحب رأي ومنظر، راعي الشباب والحريص على ثقافتهم وتعليمهم وسكنهم ومعاشهم، رحيم ومعطاء، يكاد لا ينام الليل من شدة وجعه على الفقراء والأرامل واليتامى.. وقبل كل ذلك فإنه عسكري، استحق ثقة أبيه، لا يشلح لامة حربه، يده على زناده، مستعد للضرب بيد من حديد ضد خصوم والده من المعارضين. إنها صفات القائد الملهم، الذي تنشد الجماهير قيادته، وتتطلع إليه كمنقذ!!

 

2. تموضع سلمان إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة 

إبان الاعتصامات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية في دوار اللؤلؤة (فبراير- مارس 2011)، تم تسويق ولي العهد، عبر الإعلام المحلي والدولي، على نحو شهر كامل، وفي لحظة فاصلة وتاريخية ستظل عالقة في الأذهان ردحا من الزمن، على أنه صاحب موقف وسطي، رجل حوار، وحمامة سلام، يتعاطى مع المعارضة أو حتى حليف لها، من خلال دعوته للتهدئة والحوار، وتقديمه مبادرة سياسية جريئة(3)، مما أكسبه دعم الغرب، ونقمة الموالين، وتعاطف المعارضين الذين لا يجدون بديلا للتحالف معه في العائلة الحاكمة، التي يغلب على وجوهها شعار “نحن أو هم”.

وشكّل عدم نجاح سلمان في استقطاب المعارضين لمبادرته فشلا ذريعا له، من وجهة نظر خصومه في العائلة (جناح الخوالد)، برئاسة وزير القصر خالد بن أحمد آل خليفة. ولعلي لا أكون مبالغا إن قلت بأن نجاح سلمان في استقطاب المعارضين كان سيسجل، من وجهة نظر الخوالد، فشلا أكبر، ذلك أن هؤلاء ومعهم الرأي العام السني ـ عموما ـ اعتبروا أن مجرد تفكير ولي العهد، أو قبوله لعب دور المحاور، حول تأسيس برلمان كامل الصلاحيات وحكومة تمثل الإرادة الشعبية، يعد خطأ استيراتيجيا وقاتلا، يستدعي تدخلا عسكريا من السعودية، لحسم الصراع لصالح الوضع القائم، ويقبُر الحلم الذي قد تكون رسمته المبادرة المكونة من سبع نقاط على محيا المعارضة، بأن يكون لها وزن مرموق في دائرة الحكم والنفوذ.

لقد جرّت تلك المبادرة مزيدا من التحديات أمام ولي العهد، وفاقمت من هشاشة وضعه أمام المتنفذين في القصر، الذين يعتبرونه شخصية لا يمكن الاعتماد عليها، ولا ينجح في المهام المناطة به، ويكررون دائما أنه شخصية وديعة، وليبرالية. إضافة إلى ميوله الشخصي الغربي: يهوى ركوب السيارات لا الخيول، ولا ينظم الشعر البدوي، كما يفعل أخاه ناصر! 

وإضافة إلى المعارضة، تحمّل سلمان لوحده مسئولية انهيار مباحثات مارس الماراثونية والنادرة، وكأن أطراف السلطة الأخرى غير معنية بذلك. وانزوى بُعيد فض السلطات بالقوة المفرطة اعتصام دوار اللؤلؤة، وطالما كرر إنه ليس صاحب قرار سياسي أو عسكري، واجتهد لإرضاء المتشددين والموالين السُنة بالإقدام على فصل الآلاف من العاملين في الشركات التي تديرها “ممتلكات” (الذراع الاستثماري لحكومة البحرين)، الواقعة تحت إشرافه. إنه إذا ـ وفق هذا النص المحكم ـ شخصية متذبذة، خطها غير واضح، مرة يدعو للحوار وأخرى يصطف مع أصحاب نظرة الحل لأمني، لا يكمل مسعى الحوار والتهدئة، ولا يضع كل بيضه في سلة العسكر الذي يقود الساحة: “لا نعرف له أرض من سماء، ولا أين يتكئ”، كما علق أحد كبار الموالين مرة، واصفا سلمان.  ولا تقول المعارضة كلاما أفضل عن سلمان وإمكاناته، وأفق محاولات الحوار التي ساهم فيها. 

ولم يعد مجلس التنمية الاقتصادية الذي يرأسه ولي العهد يجتمع كل يوم خميس، كما كان عليه الحال منذ الصدام العلني مع رئيس الوزراء في 2008، وتم نقل مستشاره الأبرز محمد بن عيسى آل خليفة من منصبه رئيسا تنفيذيا لمجلس التنمية إلى مستشار أول في ديوان ولي العهد، كإحدى علامات الانزواء، والفشل الذريع الذي مني به مجلس التنمية الاقتصادية، الذي بات مشجبا ترمي عليه الدولة اخفاقاتها الاقتصادية.

لكن محاولات إعادة تسويق ولي العهد استمرت، عبر فتحه مجلسه الأسبوعي لاستقبال الداعمين له، ولم يزره والده أو رئيس الوزراء أوالنافذين في الحكم، كما لم تسجل زيارات للمعارضة في المجلس(4)… إنه حقا وضع معقد لولي العهد، يتحمل هو مسئولية هذه الصورة أولا وأخيرا، ولعله يرتضيها أو يستسغيها، معتقدا ـ خطأ ـ أنه بذلك يشبّك مع كل الأطراف، بيد إنه في الأغلب يخسرها.

 

3. تموضع ناصر إبان اعتصامات دوار اللؤلؤة

في مارس ٢٠١١، تقدم ناصر صفوف المتشددين في العائلة الحاكمة، داعما الموقف الذي اتخذه والده، وقائد الجيش خليفة بن أحمد، ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وتحدث علنا عبر شاشة تلفزيون البحرين بطريقة عنيفة، متهورة، وتفتقر إلى الدبلوماسية، داعيا إلى الانتقام من المعارضين(5). لقد بدت تلك لحظة فارقة في نهج الدولة الرسمي التي عبّر عنها ناصر أكثر مما عبّر عنها سلمان الذي خرج على التلفزيون الرسمي مرات عدة داعيا للتهدئة، بينما كان الجيش يقتل عبدالرضا بوحميد (18 فبراير 2011)، وها هو أخيه الأصغر ناصر ينحاز إلى الخيار الأمني، وهو القرار الذي مضت فيه السلطات دون هوادة.

ويُتهم ناصر (وشقيقه خالد) بتعذيب بعض معتقلي الرأي(6)، وقد أساء ذلك لصورته في الداخل وفي الغرب، وهي أهم نقاط ضعفه التي ليس من السهل تناسيها، أو تجاهلها كمدخل في الصورة النهائية لشخصية يراد لها أن تكون قيادية، فيما تأكد للسعودية والجناح النافذ في العائلة الملكية والموالين لها أن ناصر خيار يستحق الدرس لتولي مناصب رئيسية في النظام.

 

4. ترقيات العسكر تتجاهل ولي العهد

عيّن الملك ابنه ناصر رئيسا للحرس الملكي في يونيو 2011، بُعيد أيام من رفع حالة الطوارئ في البلاد، التي أعلنت بين 15 مارس و31 مايو 2011. لقد أظهر ذلك مدى الثقة التي يحظى بها ناصر لدى والده، الذي يعتبره درعا حصينا لحماية أمن الملك الشخصي (رمز السلطة الخيلفية)، ويمنع المعارضة من تنفيذ مأربها في الإطاحة بالحاكم، أو تقليص صلاحياته. 

لقد جاءت ترقية ناصر إلى رتبة عقيد وتكليفة برئاسة الحرس الملكي، ضمن سياسة ممنهجة لترقية الأطراف التي اعتبرها النظام مناصرة له، وأحيانا فإن هذه الترقيات جاءت كخطوة استباقية، كما في حالة قائد الجيش الذي تم ترقيته من رتبة فريق أول إلى مشير في 8 فبراير 2011، بمناسبة يوم قوة الدفاع الثالث والأربعين، وفي ظل الاستعدادات الشبابية المعلنة لإنطلاقة انتفاضة 14 فبراير، التي أعقبت ربيعي مصر وتونس، وأعطى ذلك ضوءاً أخضراً لقيام الجيش بانتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وثق بعضها تقرير بسيوني الشهير.

ويبدو ملفتا، بأن ترقية ولي العهد من رتبة فريق أول إلى مشير، أعلنت بعد أيام من ترقية قائد الجيش، وكأنها جاءت بعد عتب الابن على أبيه، الذي نسى ترقية ابنه البكر أو تجاهله، وفي الحالتين فإن لذلك دلالات سياسية فاقعة.

فقد أصدر الملك حمد أمرا ملكيا بترقية خليفة بن أحمد (1946 ـ الآن) إلى مشير في 8 فبراير 2011، كما بث ذلك تلفريون البحرين، ووكالة أبناء البحرين “بنا”(6)، ونشرت الصحف المحلية خبر الترقية في مواقعها الالكترونية في نفس اليوم(7)، وفي نسخها المطبوعة في اليوم التالي(8)، مترافقة مع إعلانات تهنئة غزيرة بالمناسبة على مدى يومي 9 و10 فبراير(9)، من دون الإشارة إلى خبر ترقية ولي العهد، الذي نشر في 15 فبراير، أي بعد نحو أسبوع من ترقية قائد الجيش(10).

ويلاحظ أن ترقية ولي العهد لم تلق صدى في الإعلام المحلي، الذي لم ينشر إعلانات تهنئة، ولا حتى تقارير عادية عن ذلك، لأسباب تتعلق بشكلية الترقية دون شك، وبتوقيتها المحرج كونها جاءت عقب ترقية قائد الجيش، ولكن ربما أيضا لأن البلد حينها كان غارقا في الدم بسبب مقتل شابين (علي مشميع في 14 فبراير، وفاضل متروك في 15 فبراير)، ثم الهجوم الدامي على دوار اللؤلؤة في ١٧ فبراير.

وفي حين هنأ وزير الديوان الملكي شقيقه قائد الجيش بالترقية(11)، فإنه لم يهنئ ولي العهد، كما لم يصدر من قائد الجيش ترحيب بترقية سلمان بن حمد، إلا أنه سجل ترحيبا حارا بترقية الشيخ ناصر(12) إلى رتبة عقيد. ويصعب أن لا يكون لذلك معان سياسية. ولذلك، وعلى رغم أن ولي العهد يشغل منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإنه لا يملك التأثير في القرار العسكري، الذي يمسك به بقوة قائد الجيش، شقيق وزير الديوان الملكي الذي يعد الساعد الأيمن للملك ورئيس الوزراء الفعلي، ذلك أن الشيخ خليفة رئيس الوزراء لم يعد صاحب قرار يذكر بعد أن جرده الملك من صلاحياته، خلاف ما يردد الإعلام الدولي(13).

 

 5. ولي العهد: تداعيات تعثر برامج الإصلاح الاقتصادي

 وصلت مشاريع الإصلاح الاقتصادي التي يقودها ولي العهد إلى طريق شبه مسدود، وتتضمن هذه المشاريع، التي اطلقت في 2003، إصلاح الاقتصاد وسوق العمل والتعليم. وقد يعود تقهقرها، في الجوهر، إلى محاولات فصل الإصلاحين السياسي عن الاقتصادي، والسعي لتكريس نموذج احتكاري بوجوه جديدة وآليات عصرية، فيما لوبيات الاحتكار القديمة ستقف صدّا منيعا لمنع تحقيق نتائج تصب في الصالح العام، وتقلل من امتيازاتهم.

لقد انحرف إصلاح سوق العمل كليا عن مساره حين تم التأكد بأن المضي فيه سيصب في خانة المواطنين الشيعة العاطلين عن العمل، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يستثمرون فيها، مادام التضييق عليهم على أشده لتأسيس شركات كبرى. فيما إصلاح التعليم سيفتح باب المنافسة في الاستثمار في التعليم الذي يراد احتكاره، وسيزيد من خيارات المواطنين الشيعة الباحثين عن تعليم جيد، عله ينتشلهم من وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وهم الذين لا يجدون فرصتهم التي يستحقونها في البعاث التي تقدمها وزارة التربية والمؤسسات العسكرية.

ولم يحدث أي إصلاح اقتصادي، وظلت حفنة قليلة من المتنفذين يتحكّمون في الاقتصاد ويحتكرون الثروة، فيما الحديث عن “التنافسية” انصب على تنافسية البحرين وشقيقاتها الخليجيات، وتجاهل المستثمر المحلي الذي يصعب عليه منافسة التاجر الخليفي وواجهاته. 

ولعل ذلك لا يلمسه المواطن العادي بالضرورة، بيد أن ملفات الاخفاق على مستوى إصلاح شركة طيران الخليج وغيرها قد سبب حرجا بالغا لولي العهد، فقد أثمرت برامج الإصلاح هذه عن خسائر يومية للشركة تقدر بنصف مليون دينار بحريني(14)، كما تراجعت أرباح شركة “ألبا” لانتاج الألمنيوم (كبرى شركات البحرين) “خلال النصف الأول من العام 2012 إلى نحو 57 مليون دينار، مقارنة بأرباح تبلغ 102.88 مليون دينار لنفس الفترة من العام 2011، وبنسبة هبوط تبلغ 44.63 في المئة”(15).

وإلى جانب تشكيك الرأي العام في جدوى مشاريع ولي العهد، فقد أدخلت برامج الإصلاح المفترضة ولي العهد في حرب ضروس مع رئيس الوزراء، بلغت أوجها في يناير 2008. وقد كلفت هذه الحرب ولي العهد الكثير، لجهة كسبه خصوما شرسين: لوبي التجار، والإسلاميين السنة، وهم الحلفاء الموضوعيين لرئيس الوزراء ضد إصلاح الاقتصاد، وهم  يعتقدون أن الإصلاح المفترض سيزيد من أعباء رجال الأعمال، ويصب في صالح المواطنين الشيعة، سواء التجار الذين قد تتاح لهم فرصا أكثر تنافسية، أو العمال الشيعة الذين يمثلون الغالبية في القطاع الخاص.

ويبدو ملفتا أن مشروع فتح سوق الاتصالات الذي سجل بعض النحاجات لم يربط بولي العهد!، مع إنه انطلق بمبادرة منه في 2003، لكن تم العمل على ربطه بأحمد عطية الله، المستشار المتشدد وسيء الصيت في الديوان الملكي، فيما يمكن لحاظ أن ملف البيوت الآيلة للسقوط قد أحيل من المؤسسة الملكية الخيرية إلى جهات حكومية أخرى، وعلى نحو عاجل، حين اتضح أنه مشروع متعثر، كي لا يرتبط فشله بالشيخ ناصر الذي يراد أن يكون ملفا بلا أخطاء.. فيما إلصاق الأخطاء بولي العهد بدت، في أحيان عدة، وكأنها سياسة يقودها النافذون في القصر.

لقد كان مقصودا الزج بولي العهد ـ الذي يقبل عادة بالدور المرسوم له وقد يتطوع لذلك ـ في أتون معركة استنزاف ضد رئيس الوزراء، ضمن حرب شاملة شنها الملك ضد عمه، في طريقه (الملك) للاستئثار بالسلطة. وقد لقي برنامج الإصلاح الشكلي الدعم من خصوم ولي العهد في القصر، خصوصا وأن هدفه الأساسي وغير المعلن والمتوافق عليه بين الابن وأبيه هو سحب صلاحيات عمهما رئيس الوزراء لا إعادة هيكلة الاقتصاد لغايات الصالح العام. لكن المتنفذون في القصر يدركون جيدا أن طاحونة برنامج الإصلاح المفترض ستكون كافية كي يخسر ولي العهد ثقة النخبة الليبرالية والمعارضة المعتدلة، وهي المرشحة لدعمه في قبال خصومه المحافظين، بيد أن كلا الطرفين لم يعودا يعوّلا عليه، سواء ليكون نموذجا للحكم الرشيد أو يقود إصلاحا اقتصاديا جديا كما تأمل المعارضة، أو أن يكون يدا غليظة كما تريد الموالاة والمتنفذون من آل خليفة(16).

 

 6. سيناريوهات ولاية العهد

 يصعب رسم سيناريوهات واضحة لمستقبل الأخوين سلمان وناصر، في ظل مرحلة تحولات مرتقبة في طبيعة شكل الحكم، إذا افترضنا ـ وهذا ليس مؤكدا ـ أن تقدم السلطة البحرينية على مجموعة من الإصلاحات قد تؤثر على العصبة المعنية باتخاذ القرار. ولا يبدو منطقيا غض البصر عن التطلع الذي يبديه ناصر ليلعب دورا مهما في الدولة، والدعم الذي يلقاه في ذلك من والده والمحيطين به، في ظل الهشاشة التي يتسم بها أداء ولي العهد، وضعف تحالفاته.

إن شواهد عدة تؤشر إلى استمرار قيام وزير الديوان الملكي (قارئ أفكار الملك ومنفذها) بالدفع بناصر إلى أن يكون مقدما على إخوته، بما في ذلك أشقاء ولي العهد، مثل الشيخ عبدالله بن حمد (1975 ـ الآن)، الذي عُين في مارس ٢٠١٠ ممثلا شخصيا للملك، في محاولة مكشوفة لاحتواء احتجاجات أبناء الشيخة سبيكة، الزوجة الأولى للملك، والتي تظهر في الإعلام باعتبارها “السيدة الأولى” في البحرين، ويعتقد أبناؤها أنهم أولى بالحظوة، فيما يرون أخوهم غير الشقيق ناصر يتقدم الصفوف بشكل صاروخي.

إزاء هذا المشهد، لعلنا أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة، أبرزها ما يلي:

 

السيناريو الأول: ناصر ولي للعهد

لست مترددا في القول بأن الشيخ سلمان لا يمثل الخيار الأنسب للطاقم الحاكم، وللسعودية ليكون الملك المستقبلي للبحرين. ولعل هؤلاء، ومعهم قطاع واسع من الموالين السنة يفضلون الشيخ ناصر، لأسباب ذكر بعضها أعلاه.

لكن سيناريو الإطاحة بسلمان وتعيين ناصر محله قد تشكل قفزة تجر تداعيات ليست هينة، ولعلها تواجه معضلات عدة، أبرزها ما يلي: 

المعضلة الأولى، التحالف المتين الذي بناه ولي العهد مع أميركا وبريطانيا، فيما صورة الشيخ ناصر تبدو كشاب متهور ويفتقر للحكمة، ولا يتمتع بعلاقة وطيدة مع الغرب، كما يفتقر المتشددون في القصر وفي ديوان رئيس الوزراء لهذه العلاقة. 

ولا يُعرف فييما إذا كانت هذه المعضلة قد يكون تم تضخميها ضمن المعادلة، في ظل النهج السعودي الذي قد يكون تأثيره أكبر من الغرب. ولعل الرضوخ الأميركي البريطاني للابتزاز الذي يمارسه المتنفذون في القصر الملكي، والذين لا يترددون في توجيه نقد لاذع إلى أميركا وبريطانيا عبر نواب وجمعيات الموالاة وصحيفة الوطن(17)، قد يعد مؤشرا على احتمال أن يتخلى الغرب عن سلمان، خصوصا وأن بعض الأصوات تعتقد أن استثمارها الطويل في ولي العهد لم يأت أكله، وبعض هذه الأصوات ترى التحالف مع الحكام الفعليين للبلاد أولى من التمسك بورقة سلمان، الذي يفتقد الكثير من صفات القيادة والحزم، من وجهة نظرهم.

وكان موقع ويكيليكس، كشف أن المحللين في واشنطن لاحظوا في 2009، وبعد “تحليل (سلوك) القيادة للعائلة المالكة البحرينية أن يكون الأمير ناصر بن حمد آل خليفة و(شقيقه الأصغر) الأمير خالد بن حمد آل خليفة أهدافاً صاعدة مهمة”، وأشارت الوثيقة المسربة إلى افتقار وزارة الخارجية الأميركية معلومات عن الأميرين، وطلبت “تقارير عن نطاق نفوذهم داخل الأسرة، والسمات الشخصية، والتخصصات المعرفية، وإذا ما كانا يتعاطيان المخدرات أو يشربان الكحول أو يسببان مشاكل داخل العائلة المالكة، وما إذا كان لهما أي أصدقاء بين المسلمين الشيعة، الذين يقفون عادة وراء الاحتجاجات التي تشهدها البحرين”(18).

إن اعتبار الغرب قد حسم أمره لتولي سلمان السلطة بعد والده قد لا تكون بهذا اليقين، خصوصا حين نتذكر أن الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال اتخذ قراره بتغيير ولاية العهد ونقلها من أخيه الحسن إلى ابنه عبدالله الثاني قبيل أسابيع من رحيله في ١٩٩٩، فيما تسنى للأمير القطرى نقل السلطة من ابنه البكر مشعل إلى الابن الصغر تميم بسلاسة.

 المعضلة الثانية، يفضل المواطنون الشيعة الشيخ سلمان على ناصر، بيد أن قطاع مهم من السُنة قد يفضل ناصر، لكنهم لن يستطيعوا رفض سلمان. وفي ظل هذه الظروف المعقدة، فإنه يصعب على الحكم تجاهل موقف الشيعة السلبي من ناصر الذي يعتبرونه متشددا ومنتهكا لحقوق الإنسان.

ولم تعتد العائلة الحاكمة أخذ رأي الشعب بالاعتبار في أمر هكذا أو حتى أمور أخرى أقل أهمية. ومع ذلك فإن تعيين ناصر وليا للعهد قد يعمق الخلاف البحريني البحريني، ويؤدي إلى تعزيز موقف قوى المعارضة الرافض لاستئثار آل خليفة بالسلطة، ويكرس شعار “الشعب يريد اسقاط النظام”، ويزيد من شكوك الغرب في قدرة النظام الخليفي على اجتراح تسوية سياسية للمسألة البحرينية الدائمة.

إن وجود ناصر على قمة الهرم في الدولة يعني بوضوح استمرار سياسة اليد الغليظة والتطهير والتجنيس، وما يجره ذلك من تفاقم الأزمة السياسية في البلاد.

 

السيناريو الثاني: مملكة برأسين

في حال صعُب على العائلة الخليفية وضع ناصر بديل عن سلمان، لأسباب تتعلق بوحدة العائلة أيضا، وقد يصعب عليها إيجاد خيار ثالث من أبناء الملك، ولا يُعرف مدى جاهزية خالد بن حمد (1989ـ الآن) لهذه المهمة، وهو الابن الخامس للملك البحريني، ومتزوج من كريمة الملك السعودي عبدالله، والذي يصدُق ما يقال عن ناصر عليه… ولضمان أن تستمر الملكية في أبناء حمد، يمكن أن يتم طرح سيناريو مملكة برأسين: سلمان وناصر، الأول ملكا، والثاني رئيس وزراء، أو ولي عهد، رغم أن سلمان طالما أبرز ابنه عيسى باعتباره خلفا له.

معروف أنه إبان حكم الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة (1933 ـ 1999)، كان رئيس الوزراء الشيخ خليفة الحاكم الفعلي للبلاد، وهذا السنياريو قابل للتكرار مرة أخرى.

وحين كان محمد بن راشد وليا للعهد في دبي، كان الحاكم الفعلي للإمارة، في ظل حكم أخيه مكتوم بن راشد آل مكتوم، وقد حسم الشيخ محمد ولاية العهد لابنه حين أصبح حاكم دبي، وكما نعلم فإن ناصر بن حمد متزوج من كريمة حاكم دبي.

وفي أبوظبي، انتقل الحكم من الراحل الشيخ زايد إلى ثنائي: حاكم أبوظبي خليفة وأخيه محمد الذي عيّن وليا للعهد، بيد أن الأخير فيما يبدو هو المتصدي لإدارة شئون الحكم.

إن خيار مملكة برأسين جُرب في البحرين ودبي وأبوظبي، وقد ضمِن للعائلة تماسكها، لكنه قد لا يضمن لسلمان تعيين ابنه في ولاية العهد.

إن هذا السيناريو يعني أن السلطة ستكون بيد ناصر لا سلمان، بكل ما يمثله ذلك من انتصار للنهج السعودي، الذي سيجذر التوتر ويفاقمه في البحرين.

 

الخاتمة

سيكون على ولي العهد الأخذ بجدية بالغة إقناع والده والموالين والمعارضين والسعودية بأنه قادر على حفظ مصالحهم، تحت سقف وطن واحد.

لكن لعله يفترض به أن يضع في ذهنه احتمالات الإطاحة به، كما على الحركة السياسية أخذ ذلك بعين الاعتبار، وعلى ناصر أن يتهيّب من موقعه الجديد إذا ما أصدر الملك أمرا ملكيا بذلك، سيكون بالضرورة مثيرا للجدل وزيادة القلاقل، وينمي القلق الغربي حول مدى نجاعة الخط الذي يقوده الملك حمد، والذي أدخل البلاد في مأزق غير مسبوق(19).

ولعلي أرجح بأن فرص ناصر تتزايد كلما تمكن والده من إخماد الانتفاضة غير المسبوقة التي تعم البحرين، فيما يتعزز وضع ولي العهد بوجود حراك شعبي، في ظل اعتقاد بعض أطراف العائلة أن سلمان قد يكون أحد مفاتيح التفاهم مع هذا الحراك.

ليست هذه دعوة للتحالف بين ولي العهد والمعارضة، كما سيكون من العجلة اعتبارهما في موقع تحالف موضوعي. فهذا لا يجر سلمان للنفخ في التظاهرات بطبيعة الحال، وهو يمضي معطيا غطاء لقمعها عبر سلوك العلاقات العامة التي يمارسها في داخل البحرين وخارجها، بيد أن الجمعيات المعارضة بقيادة “الوفاق” تظل تتمسك به كحليف في عائلة يغلب التشدد على قياداتها. 

البحرين أمام مفترق طرق، واستمرار الوضع الراهن، أو حصول أحد السيناريوهين الأول أو الثاني لا يحمل الخير للبحرين، ولعل سيناريو التوافق الديمقراطي، الذي يفترض أن يشمل أيضا تمكين المؤسسة التشريعية من إقرار اسم ملك البلاد وولي عهده، وحسم الخلافات بشأن ذلك إن حصل، أحد الشروط التي قد تفضي إلى عدم السماح لشخص ـ مهما يكن ـ أن يتحكم بالبحرين. فالمؤسسة المنتخبة هي من يفترض أن تكون صاحبة القرار، ليس فقط في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، وإنما أيضا في البت في اختيارات العائلة الحاكمة للشخص الذي سيعتلي سدة الملكية، كما تم ذلك في الكويت حين ثبّت مجلس الأمة الشيخ صباح الأحمد أميرا للدولة في 2006.

المصدر: الصراع المكتوم: مستقبل ولاية العهد في البحرين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة