abbasbusafwan@gmail.com

الموالون السنة في البحرين: مشروع محتمل للمعارضة الدامية

  • الموالون السنة في البحرين: مشروع محتمل للمعارضة الدامية
  • آل خليفة: عقلية الغزو/ “الفتح”
  • السنة: الولاء المصلحي لآل خليفة.. لا الولاء على بياض
  • السنة: مشروع معارضة محتمل
  • تجدد القلق السني والتلويح بشق عصى الطاعة 
  • ما وراء البرود السني تجاه الإصلاح

f1f53c46d22853de0a4d7caebf347202_Lيُصنف المواطنون السنة، سياسيا، في البحرين، عموما، على أنهم تابعين للأسرة الخليفية الحاكمة، وموالين لها. وقد برزت هذه التبعية على نحو فاقع، ومفاجئ للكثيرين، ربما، خلال الأزمة العاصفة التي دخلتها البلاد في سياق الربيع العربي، منذ 14 فبراير 2011، والتي هي في الواقع استمرار لوضع غير مستقر يكاد يطبع الحياة السياسية منذ أحكم آل خليفة قبضتهم على جزر البحرين الصغيرة في نهاية القرن الثامن عشر.

وللمفارقة، ولعله تعبير جلي عن عصر الانحطاط الذي كانت تعيشه شبه الجزيرة العربية والخليج وعموم المنطقة الإسلامية، فإن استيلاء آل خليفة على البحرين تم في الفترة ذاتها التي انتصرت فيها الثورة الفرنسية، وتحولت فرنسا إلى جمهورية ديمقراطية بعد أن كانت ملكية مطلقة.

آل خليفة: عقلية الغزو/ “الفتح”

التاريخ الرسمي لقبيلة آل خليفة، وعموم المناهج الدراسية ووسائل الإعلام الرسمية في البحرين مازالت تفضل استخدام مصطلح “الفتح” لتسمية العملية العسكرية الناجحة والعنيفة التي قادها، في 1783، أحمد بن محمد آل خليفة (توفي عام 1794م) للاستيلاء على جزر البحرين، انطلاقا من مقر حكمه في الزبارة، الواقعة على الشاطئ الشمالي الغربي لشبه جزيرة قطر.

ويجتهد آل خليفة لتكريس مصطلح “الفتح” وتعزيز حضوره في الإطار العام، فأطلقوا لقب “الفاتح” على أول حاكم خليفي دخل الجزيرة عُنوة (أحمد بن محمد آل خليفة)، وسمّوا شوارع ومساجد ومراكز عامة بهذا الاسم.

وتعتقد العائلة الحاكمة إن مصطلح “الفتح” يمنحهم الحق في امتلاك الأرض وما عليها، (هكذا)، ضمن فهم متعسف ومغلوط يحاول تشبيه قيام آل خليفة بغزو البحرين بالغزوات/ الفتوحات الإسلامية إبان العهد الراشدي، فيما الموثوق من التاريخ المسجل والمجمع عليه إن جزر البحرين دخلت الإسلام سلما لا حربا، منذ عهد النبي محمد (ص)، كما لا يُعرف أنها (البحرين) كانت دولة كافرة في القرن الثامن عشر حين احتلها آل خليفة، إلا إذا كان المقصود أن المسلمين الشيعة، الذي يشكلون غالبية السكان، يعتبرون كفارا، وهو ما لا يقره الكافة، الذين يعتبرون الشيعة مسلمين، تحرم دماؤهم وأعراضهم وممتلكاتهم!

ويثير مصطلح “الفتح” امتعاض وحنق ورفض الغالبية من المواطنين الشيعة العرب (البحارنة)، الذين يشكلون تاريخيا الأغلبية من سكان البحرين. وفيما يبدو، فإن إزالة تسميتي الفاتح والفتح من الثقافة السائدة تعد ضرورة، كي ينسى آل خليفة أنهم محتلون للجزر، وكي ينسى الشيعة أن آل خليفة دخلوا البلاد عنوة كمحتلين.

وانطلاقا من عقلية “الفتح” هذه، تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نحو 90 من أرض البحرين وجزرها (34 جزيرة) ملك خاص، نسبته العظمى ملك لأفراد من آل خليفة.كما يحتكر أفراد الأسرة الحاكمة النسبة العظمى من سواحل جزيرة البحرين الأم، فيما يصنف كسواحل عامة نحو 5% فقط، وفق الإحصاءات الرسمية، وقبل ذلك فإن العائلة الحاكمة تحتكر القرار السياسي والثورة القومية في البحرين.

السنة: الولاء المصلحي لآل خليفة.. لا الولاء على بياض

اختارت الجماعات السنية، عموما، نهج الموالاة للنظام منذ حل البرلمان في 1975 وحتى الآن. ويعتقد البعض أن ذلك يعود إلى عدم التسييس الذي تمتع به السّنة الموالين وواجهاتهم الدينية والاجتماعية في فترة أمن الدولة (1975ـ 2001)، والتي لم يُسمح فيها بتشكيل جمعيات/ أحزاب سياسية.

ويعتقد الكثيرون أن الموالين السنة دخلوا على خط السياسة فقط بعد أن أقرت السلطات علنية العمل السياسي، بُعيد التصويت على ميثاق العمل الوطني في 2001. لذا فإن الفارق كبير بينهم وبين الجماعات الشيعية المعارضة، التي احتكرت الفضاء المدني فترة أمن الدولة، ولعلها لا زالت كذلك في مناح عدة.

وقد يكون جزء من ذلك صحيح، خصوصا القول إن العمود الفقري لمعارضة النظام قادها، في السنوات الأربعين الماضية، ناشطون شيعة وسنة، بيد أن وقودها يكاد ينحصر في الجمهور الشيعي، مرة لأنه يمثل الأغلبية السكانية في البحرين، وأخرى لأنه متضرر أكثر من غيره من عمليات التمييز الفاقعة واحتكار السلطة والثروة، التي تزايدت في العقد الأخير من حكم آل خليفة، بقيادة الملك حمد وطاقمه من جناح الخوالد.

وقد نتج عن ذلك أن يكون الجمهور الشيعي أكثر إدراكا من غيره بمشكلات البلاد العامة، وأكثر حضورا في الشارع، ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، ووسائل الإعلام العالمية.

بيد أن البناء على ذلك، بالقول بأن النخبة السنية كانت غير مدركة أسباب اختيارها الولاء للنظام، يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر. وأجدني أقول عكس ما يعتقد الغالبية من المتابعين والمعنيين، بأن النخبة السنية وإذ هي اختارت عدم التسييس، أو سياسة النأي بالنفس، فلأنها وجدت في ذلك مصلحة لها ولجمهورها، مرة لتفادي الصراع مع النظام، والضياع بين غالبية شيعية مستنفرة ومقهورة، وقبيلة دموية، وأخرى كي تحوز (النخبة السنية) أكثر ما تستطيع من المكاسب، مادام غالبية الشعب في خلاف حاد مع نظامه السياسي.

بمعنى آخر، أن خيار “البعد عن السياسة”، إبان حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور في الربع الأخير من القرن الماضي، قد مورس في أحيان كثيرة عن وعي من قبل النخبة السنية، سواء تلك النخبة العربية التي تشكل أقلية من بين السنة، أو النخبة من الهولة وهم السنة من أصول إيرانية، الذين يشكلون غالبية السنة في البحرين، والذين مثلوا، ومازالوا الجسم الأكبر من الوزراء وكبار المسئولين في دوائر الدولة الرسمية والشركات الكبرى، والمؤسسات المالية. وهذه الأخيرة يمارس فيها منذ سبعينات القرن الماضي قدر من التمييز يفوق أضعافا مضاعفة أي تمييز آخر يمارس في مؤسسات الدولة الحكومية، وربما لا يجاري التمييز في البنوك والمؤسسات المالية، التي تسيطر عليها العرق البحريني الهولي (الإيراني الأصل)، إلا ذاك التمييز الذي مارسه الملك حمد، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، في بنائه الجيش البحريني “طاهرا مطهرا” من أي وجود شيعي.

إن البعد المصلحي، والانتهازي إن شئتم، واضح في التحالف السني مع آل خليفة. لذا فإن اعتبار السنة نصيرا للسلطة وتبعا لها، لا يفترض أن يلغي المصلحة أو المفسدة التي تقيمها النخبة السنية، وهي تحدد مسارها وترسم خياراتها وتموضعها.

لم يكن خيار النخبة السنية الاصطفاف مع آل خليفة عن قلة وعي بالضرورة، كما يعتقد جمهور المعارضة وعموم الشيعة، ولعلي أميل إلى أن ذلك قد تم عن إدراك ووعي بالمصالح، حتى وإن سماها خصومهم مصالح ضيقة وأنانية. وبسبب ذلك الإدراك والفهم، فقد استثمرت النخبة السنية الكثير من الجهد في الخلاف الشيعي ـ الخليفي، وعملوا على تعزيز مخاوف الأطرف المتباينة: بين الشيعة وآل خليفة من جهة، والشيعة والسنة من جهة ثانية، والشيعة والإقليم من جهة ثالثة. وقد أثمر ذلك عن تحالف متين بين آل خليفة والنخبة السنية، سيكون له أثره البيّن في طبيعة الحكم في أي مرحلة من المراحل.

ولعل موقف النخبة السنية ذاك ومن خلفها جمهورها الطيّع، يشابه موقف عدد من الأقليات في الدول العربية، مثل الكويت التي يتحالف فيها الشيعة مع أسرة آل الصباح الحاكمة، ومثله تحالف مسيحي سوريا مع آل الأسد العلويين، من دون أن يعتبر ذلك قاعدة، بالضرورة، يمكن تعميمها على مختلف الأقليات في العالم العربي، تلك الأقليات التي تعاني الاضطهاد بدرجات متفاوتة، كما هو حال السود في الخليج، والأمازيغ في المغرب العربي، والمسيحيين في السودان، والأقطاب في مصر، والأكراد في عراق صدام حسين.

ورغم أن شيعة البحرين أغلبية واضحة في بلادهم، فإنه يتم التعامل معهم كأقلية في بحر قبلي وسني في الخليج.

السنة: مشروع معارضة محتمل

في فبراير 2011، وبعد نحو أسبوع من احتشاد جماهير المعارضة في دوار اللؤلؤة (15 فبرايرـ 16 مارس 2011)، اختارت جمعيات الموالاة السنية الاحتشاد في جامع “الفاتح”: المسجد الرسمي الرئيسي في قلب العاصمة المنامة، كما اختارت لنفسها مسمى: تجمع/ ائتلاف/ أهل “الفاتح”، ردا على مسمى: ثورة/ أهل “اللؤلؤة”، للتعبير عن مدى ارتباط الموالين السنة بالعائلة الحاكمة ومساندتهم لها، ورفضهم لمطلب الحكومة المنتخبة، الذي ترفعه الجماعات المعارضة، الشيعية الامتداد.

ولعله ليس مجانبا للصواب القول إن القوى السنية، عموما، بدت أحيانا أكثر تشددا من الأسرة الحاكمة في تعاطيها مع انتفاضة 14 فبراير، سواء لجهة رفضها مطالب المعارضة، أو سواء تعلق الأمر بتشجيع الحل الأمني، والمشاركة في عقاب المحتجين، والتحريض عليهم، وأحيانا “الرقص” على جراحهم. ولعل النخبة السينة مارست في ذلك ما يمكن اعتباره فجورا في الخصومة، شاركت فيه مختلف القيادات السياسية والدينية، بشكل يكاد يكون دون استثناء.

لقد بدا ذلك أمرا مؤلما، بل ومريعا، للغاية، للمواطنين الشيعة، الذين ما زال كثير منهم، خصوصا النخبة الليبرالية الشيعية غير المعارضة عادة بل والموالية للنظام، والتي تخالطت أكثر من غيرها مع السنة الموالين، غير مصدقة بعد الرد العنيف الذي أظهره الجسم السني ضد مطالب التحول الديمقراطي. لقد ظهر السنة ككتلة صلبة وصماء في حماسها للإبقاء على الأمر الواقع، ورفضها مطالب الكتلة الشيعية، الصماء هي الأخرى، المتوحدة حول مطلب المساواة، والتي تختلف إزاء رؤيتها لحجم الشراكة المنشود في السلطة.

وكباحث ومتابع عن قرب، أظن أن الجماعات السنية، عموما، وإذ هي تيار موالاة يكاد يكون بلا طعم سياسي يميزه عن موقف الأسرة الحاكمة على مدى الاربعين سنة الماضية، فإنهم على الأرجح مشروع جاهز للمعارضة السياسية، وربما العنيفة، إذا ما قُدر وانتقلت البحرين لصيغة ديمقراطية، تحكمها أغلبية سياسية شيعية، سواء عبر تحول الحكم إلى نظام جمهوري، البعيد المنال، أو ملكية دستورية تنتج حكومة منتخبة، وهو أمر مازال محل خلاف وطني، أو عبر تحالف آل خليفة مع الشيعة بدل السنة، والخيار الأخير يبدو غير مُفكر فيه على الأرجح داخل أروقة الحكم، الذي يظل ينظر للشيعة باعتبارهم خطر استراتيجي على النظام، وهي فرضية يعتقد الملك حمد أن انتفاضة 14 فبراير قد صدقتها وأكدتها.

وربما يتضح استعداد النخبة السّنية للتحول نحو المعارضة، إذا ما وجدوا ذلك ضروريا، من خلال برودة الترحيب بالخطوات التي اتخذها الملك حمد في بدايته مشروعه السياسي عام 2001، حينها كانت هذه النخبة قلقلة عما يقال إنها بداية تحالف بين الأمير الجديد المفعم بالحيوية والرؤى الإصلاحية، وبين قادة المعارضة الشيعية الذين أسرفوا في دعم الشيخ حمد، وقد نُسج على أثر ذلك حلم تحالف محتمل بين الخصوم التاريخيين: الشيعة وآل خليفة.

فلم تكن النخبة السنية الموالية جزء من مشروع دعم ميثاق العمل الوطني (2001)، الذي كان عمليا مشروعا بين الملك والمعارضة الشيعية، اقترحه الملك للخروج من عنق زججة طال أمده، وفي أعقاب انتفاضة انطلقت في 1995 واستمرت حتى تسلم الملك حمد مقاليد السلطة في 1999، لكن النخبة السنية تنفست الصعداء في 2002 حين أصدر الملك حمد دستور مملكة البحرين من طرف واحد ودون توافق وحوار وطني، الأمر الذي أعاد صورة التحالفات إلى ما كانت عليه قبيل التصويت على الميثاق: معارضة بأغلبية شيعية ضد الدستور، وموالاة بأغلبية سنية مع الدستور وخطوات السلطة.

تجدد القلق السني والتلويح بشق عصى الطاعة 

راهنا، يمكن ملاحظة استعداد الموالاة السنية في البحرين إلى لعب دور معارض للنظام في محطاب عدة، لعل إحدى تجلياتها برودة الترحيب، بل القلق من تعيين ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة نائبا أول لرئيس الوزراء، علما بأن الشيخ سلمان مهيئ، نظريا ودستوريا، في أية لحظة لاستلام زمام السلطة.

وينظر إلى ولي العهد في الغرب وفي أوساط الجمعيات المعارضة البحرينية باعتباره شخصية معتدلة، ولذا سارعت “الوفاق” الشيعية، كبرى جمعيات المعارضة، بالترحيب بتعيينه وبحرارة بالغة بعد عدة ساعات من إصدار الملك حمد أمره بذلك في 11 مارس 2013.

وفي المقابل، لن تجد في اليوم ذاته، وفي صحف اليوم التالي، أية بيانات منسوبة للجمعيات السنية الموالية، ترحب بتعيين ولي العهد في منصب تنفيذي رفيع.ينطبق ذلك على جمعية المنبر الإسلامي، النافذة في دوائر صنع القرار الرسمي، والتي تمثل خط الإخوان المسلمين في البحرين، والتي عُين رئيسها السابق د. صلاح علي وزيرا لحقوق الإنسان في ابريل 2012، في محاولة لطمئنة الجمعية التي تعبر عن المواطنين السنة من أصل إيراني، الذين يسمون “الهولة” في البحرين.

وبحسب تقرير البندر الشهير، فإن أعضاء جمعية المنبر الإسلامي هم الأذرع الرئيسية لتطبيق خطة تحجيم الدور الشيعي (= المعارض بحسب التصنيف الرسمي) في البحرين، عبر شبكة حكومية سرية، يتزعمها الوزير الحالي في الديوان الملكي أحمد عطية الله، وتساعده شخصيات ناشطة أو محسوبة على المنبر الإسلامي.

المستشار السابق للشئون الاستراتيجية في الديوان الملكي البحريني د. صلاح البندر يعتقد أن الجماعات العرقية الممثلة في جمعية المنبر الإسلامي، وامتداداتها في المؤسسات المالية والإعلامية هم الذين يغذون، أكثر من غيرهم، الخلاف الشيعي ـ الخليفي، ويعتاشون عليه، وهو خلاف عميق أصلا، وهم (نخبة المنبر الإسلامي) يظلون يعتقدون أن تقاربا شيعيا ـ خليفيا ينبغي ألا يحصل لأنه يضر بمصالحهم، وهو أمر باتت الكثير من الجماعات السنية الأخرى تعتقد بصوابه.

الموقف السلبي من تعيين ولي العهد في منصبه الجديد ينطبق أيضا على جماعة الأصالة السلفية التي لم تصدر بيانا ترحيبيا هي الأخرى. وقد عُين رئيس الأصالة السابق غانم البوعينين، في ابريل 2012، وزيرا للدولة للشئون الخارجية، في محاولة لاحتواء مخاوف النخبة السنية من أن تقديم تنازلات للمعارضة لن يتم من وراء ظهورهم.

كما لم يُصدر تجمع الوحدة الوطنية بيانا ترحيبا بالتعيين الجديد لولي العهد، رغم أنه يكاد يصدر بيانات في قضايا أقل أهمية. وتشكل التجمع في أعقاب احتشاد الموالين السنة في جامع الفاتح، في 21 فبراير 2011، ردا على تجمع المعارضين، وأغلبهم من الشيعة، في دوار اللؤلؤ في 15 فبراير 2011. وضم التجمع في بداية نشأته أبرز الرموز السنية الموالية، برئاسة الشخصية السنية المعروفة والمعارض السابق د.عبداللطيف المحمود، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن مسار الإصلاح غير متوافق عليه وطنيا، فيما بدا أن ماردا سنيا قد يكون في طريقه إلى الخروج من قمقمه.

بيد أن أطرافا في السلطة ضغطت من أجل تسجيل التجمع ضمن قانون الجمعيات السياسية، من أجل تحقيق أهداف عدة أبرزها: امتصاص قلق الجماعات السنية الموالية تقليديا للنظام، مثل المنبر الإسلامي (الإخوان المسلمين)، والأصالة (السلف)، الذين شعروا أن التشكيل الجديد (تجمع الوحدة الوطنية) قادم ليأخذ موقعهم الشعبي، وأمام السلطة.

أما الأمر الآخر، والأكثر أهمية، فجعل الجماعات السنية متعددة الأقطاب، بما يُمكن القصر من إدارة الموالين، كما كان يفعل قبيل فبراير 2011.. وقد تم ذلك بالفعل، ويكاد يتقلص تجمع الوحدة الوطنية إلى درجة تصل إلى واحد في المئة مقارنة بالزخم الكبير وقت نشوئه.

ولعل أهم ما تحقق للسلطة إثر خضوع تجمع “الفاتح” الجديد لقانون الجمعيات، هو إنهاء الأمل بأن تحقق القوة الناشئة تيارا سنيا شعبيا عاما، لا جمعية سياسة ضيقة وصاحبة أهداف سياسية وانتخابية، وأدى ذلك إلى إحباط فرص الوحدة بين القوى السنية وتحقيق معادلة خروج “المارد السني من القمقم”، إذ بقي المارد المفترض في قمقم السلطة. فيما أحيط زعيم المارد المفترض د. عبداللطيف المحمود بحبال السلطة، الذي يصعب عليه الفكاك منها، خصوصا بعد أن مضى (المحمود) في تأييد الخطوات الأمنية العنيفة الرسمية، المذمومة عالميا، ومضى في رفض مطالب المعارضة إلى أكثر مما طمحت السلطة ذاتها. لقد كبل بذلك نفسه بسلاسل من حديد يعصب الفكاك منها.

إنها ولا شك أبرز نجاحات آل خليفة، الذين يواجهون كتلة شيعية تكون صماء، ولا يريدون تكرار ذلك مع الجانب السني. من الحق القول أنهم أجادوا اللعب هذه المرة على وتر الخوف السني من الشيعة، وسجلوا نقاطا مذهلة لصالحهم، جعلت السنة الموالين يتبرعون لممارسة العنف ضد المعارضين.

ولعل من المثير العلم أن كثيرا مما تم في الفترة التي أعقبت اندلاع الاحتجاجات في فبراير 2011، بما في ذلك زيادة النعرة الطائفية، واختيار د.المحمود زعيما للموالين السنة، كانت جزء مما وثقه تقرير البندر.

ما وراء البرود السني تجاه الإصلاح

سيكون مثيرا معرفة أن المؤسسة التشريعية لم تصدر بيانا ترحيبيا بتعيين ولي العهد في منصبه الجديد. وتسيطر الجماعات الموالية للسلطة على البرلمان، الذي استقالت منه المعارضة في فبراير 2011، احتجاجا على العنف الرسمي ضد المحتجين السلميين المطالبين بالديمقراطية.

وقد بث تلفزيون البحرين يوم الخميس 14 مارس 2013 تسجيلا مصورا للمهنئين لولي العهد، مدته 16 دقيقة، اختيرت زواياه بعناية لم تنجح في إظهار حجم التأييد السياسي الشعبي لولي العهد، وإذا كان متوقعا أن لا تجد وجوه المعارضة بين جمهور المهنئين في ظل هذا الشد والجذب، فإن عدم تواجد القيادات السنية يؤكد فرضية عدم ارتياح الجمعيات السنية للسياسات التي توصف بالإصلاحية، التي يتبعها ولي العهد.

المأخذ الأكبر من قبل الأطراف الموالية على ولي العهد تعود إلى الصورة التي شكلها الإعلام المحلي والدولي للشيخ سلمان إبان اعتصامات اللؤلؤة الحاشدة، حينها تم ابراز الابن البكر للملك على أنه شخصية معتدلة، تشجع على التظاهر في ميدان اللؤلؤة، وترحب بالحوار، ومستعدة للتفاهم مع المعارضة، بل والمضي معها في صيغة قد تحدث انقلابا في توازنات الحكم كما في مبادرته المكونة من سبع نقاط، التي أجهضها التدخل السعودي، والتي ضمنت عناصر مهمة من أسس الملكيات الدستورية، الأمر الذي ترفضه الجماعات الموالية التي كانت ومازالت متمسكة بالأمر الواقع.

لمن يعرف خيوط اللعبة في البحرين، فإن مجمل المواقف التي تتبناها الجمعيات الموالية يصيغها عادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، الرجل القوي في النظام، الذي لا يرتاح للدور المحدود أصلا الذي يلعبه ولي العهد في السياسة العامة، بمعنى أنه يبدو صعبا للغاية اعتبار مواقف الموالاة منفصل عن موقف الشخصيات النافذة في القصر، وذلك ما يعزز فرضية الصراع بين أجنحة السلطة بشأن خطوات الخروج من الأزمة.

إن تحالف آل خليفة مع النخبة السنية ليس أبديا. ففي السياسة لا توجد علاقات، بل مصالح دائمة. بيد أن الطرفين، وإن اختلفا في بعض المحطات وحدود ومناطق النفوذ، فقد أظهرا قدرا كبيرا من فهم ما يتوجب عليهما القيام به للحفاظ على الأمر الواقع، فيما حدود اللعبة سمحت للطرفين الدفع بالمعارضين الشيعة في زاوية لا تخلوا من العزلة، أحيانا.

ليس السُنة في البحرين سوى بشر يفضلون الحفاظ على مكاسبهم التي يعتبرونها “تاريخية”. لقد أعتادوا أن يحظوا بصفة المواطنين الأولى بالرعاية، ولن يرضوا عن ذلك بديلا بالسهولة التي يمكن تصورها. انهم مثل العلويين في سوريا، الأقلية التي تحكم، أو جزء منه، أو تعيش على تخومه.

على أن ما يميز سنة البحرين عن شيعتهم، يختصره ولي عهد بقوله: “صحيح أن الشيعية أغلبية، لكن السنة يملكون السلاح”، بحسب ما سربت ويكيليكس، لذا فإن زرقاوي بحريني يمكن توقع بروزه في اليوم التالي لتشكل حكومة بنفوذ شيعي، مع أن الشيعة أغلبية في البلاد، وتبدو شراكتهم في السلطة حقا أصيلا لهم.

الحقيقة التي يتوجب إعلانها، بأن البحرين إزاء مفترق طرق خطير: خيارات العائلة الحاكمة صعبة، ولعل ليس من المبالغة القول أنها في حالة ضياع وشلل تام. أما الشيعة، فبعد القمع المروع الذي مورس ضدهم، وفي ظل ظلامتهم التاريخية في البحرين، فباتت قطاعات كثيرة منهم ترفع شعار “إما النصر أو الشهادة”. فيما يظهر السنة مخاوف جادة من كلمة الإصلاح والتسوية التي يخشون أن تكون على حسابهم، ولذا باتو مستنفرين وقلقين من التبدلات المحتملة، لدرجة أنه لم يعودوا يرفعون أصابعم من فوق زناد أسلحتهم.

الأزمة في البحرين لا يعالجها الاحتكار أيا كان لونه، سواء كان خليفيا أو سنيا أو شيعيا، ولا يعالجه تحالف سني خليفي مضاد للشيعة، ولا تحالف خليفي شيعي مضاد للسنة، فأي من ذلك سيعقبه تنامي المعارضة لدى الجهة التي تشعر أنها طرف مقصي من السلطة.

إن الحل الأسلم يتمثل في تبلور حكم يأخذ بالاعتبار حق جميع الأطراف في أن تكون جزء فاعلا في السلطة.

المصدر: الموالون السنة في البحرين: مشروع محتمل للمعارضة الدامية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة