abbasbusafwan@gmail.com

فرص التحالف الشيعي الخليفي في البحرين

  • فرص التحالف الشيعي الخليفي في البحرين
  • مبررات التحالف الشيعي الخليفي
  • تموضع ولي العهد في منظومة الحكم
  • تموضع الوفاق/ الشيعة في منظومة الحكم
  • خارطة التحالفات الشيعية السنية الخليفية
  • خيار تناغم ولي العهد مع الوضع القائم
  • خيار تحالف ولي العهد مع النخبة الشيعية
  • بين السعودية وإيران
f028aa9496fa3ddc3ff41813ed2863c7_L

فرص التحالف الشيعي الخليفي في البحرين

 لا يمكن الحديث عن مواقف الشيعة في دول الخليج العربية في إطار واحد تجاه علاقاتهم بحكومات بلدانهم، ونفوذهم السياسي والاقتصادي والعسكري، وتوجهاتهم الدينية والسياسية، وتمثيلهم في المؤسسة الرسمية.

في الكويت تسجل المؤشرات علاقة إيجابية بين عائلة الصباح الحاكمة والأقلية الشيعية، التي تقدر نسبتها بنحو 30% من المواطنين البالغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة. وقد انحاز المواطنون الشيعة للوضع القائم حين مضت المعارضة في مطالبة صاخبة بانتخاب حكومة شعبية بديلا للحكومة المعينة من قبل أمير البلاد، في وضع معاكس للبحرين، حين طالبت الأغلبية الشيعية فيها بانتخاب الحكومة، ورفضت الأقلية السنية ذلك، وإن كان الوضع مختلفا بين الكويت التي يحكمها دستور متوافق عليه، وبرلمان مُنتخب ثُلثي أعضاءه، ويعيش أبناءه وضعا اقتصاديا مريحا، فيما ألغى حاكم البحرين دستور 1973، الذي كان نسخة طبق الأصل تقريبا من دستور الكويت، وأحال البحرين دكتاتورية بديكور ليبرالي.

وقد انتقلت العلاقة بين الحاكمين من آل صباح وتيارات شيعية رئيسة من التوتر إلى التحالف بعد 2008، وذلك على خليفة الهجمة الرسمية ضد جماعات شيعية عبرت عن حزنها على مقتل القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، الذي تتهمه السلطات الكويتية بتفجير طائرة الجابرية (1986)، وانتهى هذا الإشكال بانتقال الكويتيين الشيعة المعارضين تقليديا للنظام إلى التحالف معه، الأمر الذي تجلى في الوقوف مع رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الصباح طوال خمس سنوات من الهجوم الممنهج ضده من قبل المعارضة القبلية – الإسلامية بقيادة مسلم البراك. ثم مضى الشيعة في تحالف أكثر وضوحا مع السلطة إبان التظاهرات التي عمّت مناطق كويتية في 2011، ولم تنتهي بالإطاحة بالمحمد من رئاسة الحكومة في نوفمبر 2011.

وفي عُمان، تقدر نسبة الشيعة في حدود عن 5% من المواطنين البالغ عدد 2.1 مليون نسمة. وتتمتع الأقلية الشيعية بوضع مثالي لجهة علاقتهم بالسلطة وتمثيلهم في المؤسسة الرسمية. وعشية الاحتجاجات في 2011، كان واضحا الانحياز الشيعي لخيارات السلطان قابوس بن سعيد الذي يحكم السلطنة المحافظة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، في ذات الوقت الذي كانوا (شيعة عمان) يتظاهرون منددين بالعنف الخليفي غير المسبوق ضد شيعة البحرين المعارضين، كما فعل شيعة الكويت.

وفي الإمارات وقطر، حيث تقدر نسبة الشيعة فيهما 15% و10% على التوالي، فإن التوجس الرسمي لم يتحول تغولا واضطهادا سافرا ضد الأقلية الشيعية التي تعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية مريحة، بيد أن عصا التضييق غير المباشرة ضد المؤسسات والمناسبات الدينية الشيعية ظلت على الدوام حاضرة.

أما الأقلية الشيعية في السعودية المتمركزة في مناطق انتاج النفط في شرق شبه الجزيرة العربية، والمقدر نسبتها في حدود 15% من المواطنين، فإن احتجاجاتها المتصاعدة ضد التمييز والازدراء، ومطالبتها بالمساواة وتمثيل عادل في المؤسسة الرسمية، فيما تمضي جماعات محدودة مطالبة بالانفصال، أو حكم ذاتي واسع النطاق، على غرار الأكراد في العراق، ويرون في ذلك خيارا محقا، ولعله أكثر قدرة على تحقيق العدالة التي ستظل بعيدة عن أقاليم المملكة ما ظلت المركزية والدكتاتورية سائدة في الرياض.

إذا، تعميم الحديث عن موقف موحد للشيعة في المنطقة يبدو تسطيح للحالات المتعددة في عمومها والمتباينة في بعض تفاصيلها، فالجماعات الشيعية تتحرك ضمن نطاق ما تؤمن بأنه حقها بالمواطنة، بما في ذلك شيعة السعودية الذين اختارت قياداتهم العودة للداخل في 1993، لكن التقديرات الآن أن الطموح الذي كان يراود الشيخ حسن الصفار، أبرز الزعامات الشيعية في القطيف، والقيادات الشيعية الأخرى، والإصلاحيين من السنة وعموم الراغبين في التغيير قد تبدد منذ زمن، خصوصا إن وعود الملك عبدالله الذي رفع شعارات إصلاحية قبل نحو ثلاث سنوات، لم تكن أفضل حالا من دعوات الإصلاح التي أطلقها الملك حمد في البحرين، وإن كان الأخير تميز عن غيره بصبغة ليبرالية شكلانية سرعان ما تعرت ديكتاتورية متأصلة.

مبررات التحالف الشيعي الخليفي

إذا، في ظل عدم وجود قاعدة ثابتة لتعامل الشيعة مع حكامهم غير ما تمليه عليهم قناعاتهم ومصلحة وطنهم.. وفي ظل تحولات مهمة وتوازن قوى جديد تشهده الساحة الإقليمية، بما في ذلك الحديث عن استدارة أميركية نحو إيران، حيث المصالح دائمة والعلاقات متحركة، هل يمكن الحديث عن فرص لتحالف شيعي خليفي في البحرين؟

هنا لن أتحدث عن فرص التحالف مع رئيس الوزراء خليفة بن سلمان الذي هو في طور الرحيل، وإن كان عهده الآفل لم يشهد تمييزا جائرا بائنا على النحو الذي أشاعه نهج الملك حمد، بيد أن خليفة كان قد اختار التمييز الفاعل ضد الشيعة في القطاع المالي حين مكّن السنة من التحكم الكامل في قطاع البنوك الذي بدأ ينتعش مع انطلاق رصاصات الحرب الأهلية في لبنان صيف 1975، وتواكب ذلك مع تمييز فاقع آخر خطّه الملك في المؤسسة العسكرية، التي بدأ العمل على تأسيسها بمساعدة البريطانيين منتصف الستينيات من القرن الماضي.

وأخشى بعد الذي جرى من ترد، أن الحديث قد لا يكون منطقيا عن فرص التحالف الشيعي مع الشيخ حمد الذي شكل عهده مرحلة حاسمة في تدهور العلاقات بين الشيعة والعائلة الحاكمة من جهة، والعلاقات السنية الشيعية من جهة أخرى، على نحو لم تشهدها مراحل سابقة في العهد الحديث.

ولذا، سنقارب هنا إمكانية التحالف بين ولي العهد سلمان والإسلاميين الشيعة في جمعية “الوفاق” بقيادة رجل الدين الشيخ علي سلمان، في بلد طالما نظر فيه إلى المعارضة والشيعة على أنهما وجهين لعملة واحدة. ولا يبدو ذلك دقيق تاريخيا، بيد أنه ولا شك يحمل الكثير من علامات الصحة في الوضع الراهن.

ويقتضي اختبار الفرضية المذكورة مناقشة ما يمكن للمعارضين وعموم النخبة الشيعية من جهة وولي العهد من جهة أخرى أن يقدماه لبعضهما البعض، في سبيل اختراق الوضع القائم على تحالف المكون السني مع العائلة الحاكمة التي تحتكر القرار الفعلي.

نقترح هنا مجموعة من العناوين لدراسة تموضع ولي العهد، بما يمكن من رسم خارطة التحالفات الماثلة، أذكرها على النحو الآتي: تموضعه في العائلة الحاكمة، موقف الموالين السنة تجاهه، موقف السعودية والعوائل الحاكمة في الخليج تجاهه، موقف الغرب وتقييمهم لبرنامجه وأدائه، وخياراته المتاحة إبان توليه منصبه وليا للعهد من 1999 حتى 2013، خصوصا منذ تعيينه نائبا أول لرئيس الوزراء في مارس 2012 حتى الآن، وهي مدة تبدو كافية لرصد إمكاناته وفرص نجاح طروحاته التي توصف بأنها معتدلة.
ويبدو أني أشرت إلى بعض تموضعات الرجل في ورقة: “الصراع المكتوم: مستقبل ولاية العهد في البحرين”، وفي كتاب “بنية الاستبداد في البحرين: دراسة في توازنات النفوذ في العائلة الحاكمة”، مما يعفيني من التفصيل هنا، آملا من القارئ العودة للكتابات السابقة، وبعضها منشور في هذه الصفحة.

بعض العناوين أعلاه، قد تصلح لمقاربة تموضع الشيعة، إضافة إلى عناوين أخرى مثل الثقل الديمغرافي، والنفوذ الاقتصادي، وموقف إيران، والدول الغربية خاصة بريطانيا وامريكا ومراكز النفوذ الشيعية في البحرين وخارجها.

الفرضية التي تقوم عليها هذه المقاربة تستند إلى عناصر ثلاثة: (1) هشاشة تموضع كل من ولي العهد والشيعة في مراكز القرار والمؤسسة العسكرية، (2) ضعف علاقة الطرفين بالسعودية، (3) الانفتاح الغربي عليهما يستند إلى فرضية وصول ولي العهد للسلطة، ومشاركة الوفاق فيها.

تموضع ولي العهد في منظومة الحكم

حين ندرس تموضع ولي العهد والشيعة في منظومة السلطة، قد ندرك أن كليهما في موقع ضعيف داخل منظومة الحكم. بالنسبة لولي العهد، يمكن الاشارة إلى ثلاث نقاط:

-1 وضعه الدستوري: عدا عن النيابة عن الملك في حال غيابه أو في افتتاح البرلمان، لا يمنح الدستور ولي العهد صلاحيات، إلا تلك التي يكلفه بها الملك، وهذا ما تكشفه المواد الدستورية الثلاث (1، 34، 74) ذات الصلة بولي العهد.

-2 تاريخيا في التقاليد الخليفية، لا يمارس ولي العهد تسيير الشؤون العامة، ولا يعتبر العضد الأيمن لرأس الدولة، بل هنالك حرص بالغ على ابعاده عن محيط دائرة تحرك الحاكم العلني وينطبق ذلك على الملك حمد حين كان وليا للعهد، كما ينطبق على نحو واضح على ولي العهد الحالي سلمان.

-3 في الأداء العملي يمكن ملاحظة أربع مراحل لولي العهد: الأولى من مارس 1999 إلى صدور الدستور في 2002، والتي تتضمن رئاسته لجنة تفعيل الميثاق الفاشلة والمحبطة للإصلاحيين في البلد، والمرحلة الثانية من 2002 حتى انتفاضة 2011 وهي أكبر مرحلة خاض فيها غمار التجارب الاقتصادية غير الناجحة، والمرحلة الثالثة من فبراير 2011 إلى فبراير 2012 التي قدمته كحلقة وصل تحت الطلب، وكبير مدير العلاقات العامة للنظام، وأخيرا المرحلة الرابعة منذ تعيينه نائبا لرئيس الوزراء في مارس 2012 حتى الآن، والتي أكدت غياب تمايز برنامجه السياسي البديل، وأخطرها عليه المغامرة بخسارة الغرب، كما تجلى في زيارته الأخيرة لبريطانيا ومشاركته في اجتماع المنبر الاسلامي الاقتصادي العالمي التاسع بين 28 أكتوبر-1 نوفمبر 2013.

ومع إني سأخصص دراسة عن تلك المراحل التي مر بها ولي العهد، خصوصا ما أنجزه في الشهور الثمانية الماضية منذ توليه منصبه نائبا لرئيس الوزراء في مارس 2012. فإني أسجل الملاحظتين التاليتين:

الملاحظة الأولى: فشل برنامجه الاقتصادي وتردي أداء المؤسسات التي أنشأها وتلك التي يشرف عليها، وانتشار الفساد فيها. وأكسبه ذلك ابتعاد الطبقة الخليفية وازدراء الفئات المالية والتجارية النافذة. كما خيب ولي العهد آمال المعارضين، وأولئك الليبراليين من الموالين الذين يتعشمون في الحصول على حصة في كعكة المصالح المالية التي توزعها السلطة على مريديها، ويتطلعون إلى برنامج إصلاحي جاد، وإن على الطريقة الصينية، إن صح القول، حيث نجاح اقتصادي دون انفتاح سياسي.

الملاحظة الثانية: لا أريد الحديث عن فشل برنامجه السياسي، فلا أظن هذا البرنامج حتى هو قيد البروز، مع وجود برنامج الملك المحدد المعالم والابعاد، لكن يمكن أن أتحدث عن نجاحه الباهر في خسارة ثقة التيار النافذ والمتشدد في السلطة، ونعني الخوالد، وكذلك نجاحه الباهر في خسارة ثقة تيار المحافظين بزعامة رئيس الوزراء، بالاضافة الى نجاحه في خسارة ثقة الموالين السنة، وإلى تصاعد شكوك المعارضين الشيعة في قدرته على تغيير ميزان القوى داخل العائلة الحاكمة أو في المجتمع، والذين لا يجدونه بديلا قويا للتعلق به.

تموضع الوفاق/ الشيعة في منظومة الحكم

ذلك عن ولي العهد، أما الطرف الآخر في معادلة التحالف التي تتحدث عنها هذه الورقة، فهي المعارضة الشيعية، المستبعدة كليا من هياكل السلطة وادارة مصادر الثروة جميعها دون استثناء. وفي الواقع، فإن السلطة تعتمد استراتيجية اقصائية بامتياز مع المعارضين تعتمد اسلوب معالجة المصابين بالطاعون، وابعادهم الكامل عن دائرة التفاعل مع المجتمع وحرق ممتلكاتهم وتصفيتهم في النهاية معنويا وماديا. بينما تعتمد درجة أخرى من التعامل الاستبعادي حتى مع الموالين الشيعة، وتعاملهم كمصابين بالجذام يتوجب عزلهم من محاور التأثير الاقتصادي ومفاصل الدولة وحصارهم ومعالجتهم بالمضادات المختلفة حتى الموت البطئ. وذلك واضح للعيان خصوصا بعد استقالة غالبية الوجوه الشيعية الرئيسية في مارس 2011 على خلفية الهجوم الدامي على دوار اللؤلؤة بعيد التدخل السعودي العسكري في المنامة(1).

ودونكم الإحصاءات التي نشرتها جمعية الوفاق مؤخرا، حيث السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء؛ وفيها يشكل الشيعة نسبة 15%، فمن بين 20 وزيرا سنيا (يشمل آل خليفة) هنالك 6 وزراء شيعة، ومن بين 28 وكيل وزارة يوجد 2 شيعة فقط، وغيابهم شبه الكامل في مجال التمثيل الدبلوماسي. أما نسبة الشيعة في الهيئات والشركات الحكومية الكبرى فتبلغ 10% فقط مقابل 90% يسيطر عليها آل خليفة والطائفة السنية؛ وفي السلطة القضائية يوجد 28 قاضيا شيعيا بنسبة 12%، من مجموع القضاة البالغ 230 قاضيا.

كما أن الوجود الشيعي في المؤسسة العسكرية والأمنية يقترب من الصفر فيما حضور ولي العهد في هذه المؤسسة شكلي وهش، كما أوضحت ذلك مقال “علاقة الخليفيين المتشددين في الغرب”(2)، والذي أوضحت فيه أيضا أن قوة المتشددين من آل خليفة في المؤسسة العسكرية والأمنية يجعل ولي العهد ورقة غير مضمونة في نظر الغرب.

إذا، فإن ولي العهد والشيعة (1) في وضع هش داخل منظومة مفاصل الحكم ومصادر الثروة، فيما (2) تحالفاتهما مع النخبة الخليفية والتجارية والسنية هشة وغير محددة المعالم. (3) وترتكز علاقة ولي العهد بالغرب على فرضية أنه ملك محتمل، أكثر من تعبيرها عن ثقة في قدرته على تطوير قاعدة نفوذه داخليا (4) أما علاقة الغرب بالوفاق فتقوم على نهج الاحتواء المزدوج لنفوذها ويستند على محورين، الأول فتح خطوط التواصل كنوع من الاستعداد لاحتمالات تغير الوضع بطريقة غير متوقعة ودراماتيكية (كما حدث لحسني مبارك، أو شاه إيران)، والمحور الآخر هو التأثير الانجلوسكسوني الفعال في تشكيل ابعاد ومستويات القرار الوفاقي في اضعاف ضغطها على السلطة، وإخراج قوى اسقاط النظام من دائرة الفعل السياسي، وتحييد موقفها أزاء معادلة موازين القوى الاقليمية. أما حصيلة التواصل الدبلوماسي الجيد الذي حققته الوفاق مع الغرب، فمازال بحاجة إلى فعالية أكبر بمقاييس النزاع الداخلي، وهو ما يزال يتحرك في حدود دائرة تبادل وجهات النظر ولم يتحول بعد إلى جدول أعمال لرسم خريطة طريق محددة للخروج بالمأزق البحريني وتعقيداته الى بر الأمان.

خارطة التحالفات الشيعية السنية الخليفية

يمكن الحديث عن مجموعتين ذات تأثير فعّال على مسارات الوضع الداخلي: فصيل الوضع القائم الذي يضم العائلة الحاكمة والموالين السنة، المتحالفين مع السعوديين والغرب. وفصيل المعارضة بزعامة “الوفاق” ذات حضور الفاعل شعبيا والذي يصنفه البعض على جبهة إيران.

فما فرص ولي العهد في التحالف مع أي من المجموعتين، أخذا بالاعتبار حاجته الملحة إلى ذلك بافتراض هشاشة تموضعه داخل العائلة الحاكمة، وبالنظر إلى ما يمكن اعتباره إعادة التشكل الآخذة في التبلور إقليميا ودوليا.

خيار تناغم ولي العهد مع الوضع القائم

في حال اختار ولي العهد التلاؤم بمرونة مع الوضع القائم، فإن ذلك قد يضمن له البقاء في الحكم، مقابل التخلي عن جزء مهم من صلاحياته بهدف تأمين ثقة فئات واسعة من المحافظين يضم (1) العسكر و(2) الخوالد (التيار النافذ في العائلة الحاكمة) و(3) الجمعيات السنية الموالية (المنبر الإسلامي والأصالة وتجمع الوحدة الوطنية)، و(4) على الأرجح يمكن أن يضم هذا التحالف قطاع مهم من التجار النافذين، الذين يشعرون بخيبة أمل من برنامج الإصلاح الاقتصادي لولي العهد في الفترة الماضية؛ الذي لو نجح لكان صب في خانة خدمة المواطنين الشيعة الأكثر تهميشا في سوق العمل، والأقل حضورا في المناصب العامة بسبب سياسات التمييز.

إذا، باستثناء القطاع التجاري الذي قد يكون لولي العهد بعض الموالين فيه، والذي قد لا يسيطر عليه الملك بشكل كامل، ولرئيس الوزراء حصة مهمة فيه أيضا، فإن العناصر الثلاثة الأخرى المذكورة ولاؤها للملك، فقد أبرزتها على السطح ورسختها ومكنتها من السلطة استراتيجية الملك، ومكنته هي بالمقابل أيضا، وأعني المؤسسة العسكرية والأمنية، خصوصا الجيش، وتيار الخوالد، إضافة إلى الجمعيات السياسية السنية الموالية التي بناها الخوالد بزعامة خالد بن أحمد وابن شقيقته أحمد عطية الله.

وفق هذا الخيار، يَفترِض ولي العهد أنه سيرث المُلك من أبيه، كما سيرث ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية، وجمعيات الموالاة، وأباطرة المال.. بيد أن هذا افتراض حالم، فلن تقدم هذه المؤسسات الولاء صاغرة دون مقابل. (3)

وعليه، فإن الصفقة هي أن يقايض ولي العهد السلطة واحتكار مصادر الثروة بالولاء، أي أن يمنحهم بعضا من السلطة ودور متزايد في السيطرة على الفوائض الاقتصادية مقابل ولاء له ملكا مقيدا.

وبافتراض أن ذلك قد يكون مرحلة أولى حتى يتمكن ولي العهد من فرض إيقاعه، فإن الانتقال للمرحلة الثانية (سيطرة ولي العهد) لن تكون بالسهولة المتصورة في ظل ضعف أجنحة ولي العهد، وقد يحتاج أن يخوض حروبا على كافة الجبهات، دون استثناء، كي يضمن قدرا معقولا من السلطة، ولا يبدو أن ذلك سيكون متاحا بالفعالية والسرعة المتوقعة. حيث يجب أن يأخذ ولي العهد في الاعتبار الجوار الإقليمي، خصوصا السعودية، التي تسيطر على مداخيل النفط في البحرين. وتمنح النظام 150 ألف برميل يوميا من حقل أبوسعفة الحدودي، فيما ينتج حقل البحرين نحو 40 ألف برميل يوميا، أي أن ثلاثة أرباع الخزانة العامة تعتبر هدية من الرياض!، ويعد ذلك أكبر سيف مسلط على حكام البحرين، فضلا عما بات يُعرف بمشروع المارشال الخليجي وقدره مليار دولار سنويا يُقدم من قبل أربع دول خليجية (قطر، الكويت، الإمارات، السعودية) على شكل منحة قدرها 250 مليون دولار سنويا على مدى عشر سنوات، للنهوض بالخدمات في البحرين.

إذا، السؤال هنا أيضا، فيما إذا كان ولي العهد قادر على أن يجد دعما من قبل الإقليم في حال قرر تهميش الفاعلين الحاليين في النظام. وعلى الأقل، فإن السعودية والإمارات لن يتحمسا لذلك.. بيد أن قطر وعمان وربما الكويت قد يجدوا في ولي العهد قوي، فرصة لاختبار فرضية أخرى (التحالف مع الشيعة) علها تكون قادرة على الانتقال بالبحرين من سياق عدم الاستقرار المؤدي إلى زعزعة أمن دول مجلس التعاون الخليجي.

أما الغرب، فأظنه ميال لحاكم قادر على فرض الاستقرار والمحافظة على مصالحه، بثوب ديمقراطي شفاف، في إطار سياسته الموسومة بازدواجية المعايير والنفعية المباشرة، ولعل الثانية يمكن أن يلعبها ولي العهد، أما الأولى فستظل محل شك.

خيار تحالف ولي العهد مع النخبة الشيعية

التحالف مع المعارضين يقتضي من ولي العهد القيام بأكثر وأعمق مما قام به والده في 2001، والذي لم يقم إلا بإعلان نوايا الإصلاح، وهو سيناريو يصعب على ولي العهد إعادة تطبيقه.

حين تسلّم الملك حمد السلطة في مارس 1999، وجد نفسه في وضعية شبيهة بوضع ابنه سلمان الهش، فقام بإعلان ما سمي بالمشروع الإصلاحي، خصوصا ميثاق العمل الوطني كرافعة لتغيير توازن القوى داخل العائلة الحاكمة وفي المجتمع، مستندا في ذلك إلى ولاء الجيش، والمؤسسة الأمنية التي اكتمل سيطرته عليها في 2004 بتعيين وزير الداخلية الحالي راشد بن عبدالله بدلا من خليفة بن محمد المحسوب على جناح رئيس الوزراء. (4)

التحدي الرئيسي أمام ولي العهد في أي خطوة يخطوها هو افتقاده لأرضية صلبة، كالمؤسسة العسكرية (الدفاع+ الحرس الوطني) أو الأمنية، التي استند إليها والده، لفرض قبضته على السلطة، هذه القبضة المغالية أدت على أي حال إلى موجة ثورية كادت تطيح به (الملك) في فبراير 2011، لأنه لم يأخذ بالاعتبار مصالح الطائفة الشيعية، نخبا ومواطنين.

إذا، في 2001، وجد الملك حمد المعارضة مرهقة ومستنزفة وتواقة للخروج من تراكمات مأزق بدأ قبل استقلال البحرين (1971). وفي الواقع فإن فترة 1973ـ 1975 حيث دامت الحياة النيابية لم تكن إلا فاصلا إيجابيا مؤقتا ضمن مسار مستمر من عدم الاستقرار. لذا يمكن تصور حجم العبء والمسؤولية الملقى على عاتق معارضات دام نشاطها عقودا من الزمن.

بمجرد إعلان الملك عن نواياه في الإصلاح، رحبت المعارضة ومضت في التصويت على الميثاق بالإيجاب، معتقدة أن ذلك سيؤدي إلى انتخاب برلمان كامل الصلاحيات، بيد أن ما تم هو خداع استراتيجي أخرج للوجود سلطة تشريعية عاجزة عن دعم التحول الديمقراطي المنشود ومنقوصة الصلاحيات ومقيدة.

وطفح إلى السطح القلق السني من ان يمضي الملك في دعم قاعدة تحالف شيعي موازية ويدير ظهره للاعتماد الكامل على قاعدة الحكم السنية. لكن بمجرد أن شعر الملك أن المعارضين قد بلعوا الطعم، نسي وعوده. وهنا وضح بصورة جلية أسلوبين في العمل حيث سادت ذهنية “صائد الحمام” على عمل المعارضة، واعتمد الديوان الملكي تكتيكات “صائد السمك”. الأولى صاخبة، ملفتة للأنظار، عشوائية، قد تخطئ مرة أو تصيب مرات. بينما كان الملك مبادرا ويضع سنارته جاهزة لاصطياد كل من يقترب منها.

ومن دون شك، فإن أحد أهم أخطاء المعارضة أنها لم تتحرك أو تقاوم، في الفترة الفاصلة بين إصدار الدستور والميثاق (من فبراير 2001 ـ فبراير 2002)، باعتبارها معارضة متوجسة من سلطة اعتادت احتكار القرار وعدم احترام المواثيق والعهود، وإنما حرصت على تعزيز صورتها كمعارضة وطنية ملتزمة بتأمين الاستقرار لضمان خروج دستور تعاقدي. وقد منح ذلك التباطؤ والتردد والارتباك وغياب خطة بديلة (الخطة ب) لتفعيل الساحة السياسية فرصة استثنائية ليكون الملك اللاعب الوحيد في المشهد، فيما كان يتوجب على الشارع الانتظار، بطلب من المعارضة، ليتسنى اختبار صدقية الملك في فترة أطول!

حاليا، لا يمكن لولي العهد أن يكرر المسرحية ويقدم مبادرة فضفاضة، ومن دون أن يدفع ثمنا معقولا، كي يقنع المعارضين الشيعة بالدخول معه في تحالف ضد الطاقم المحافظ في السلطة، كما فعل والده، وكما فعل هو أيضا في مشاريع إصلاح الاقتصاد وسوق العمل.

ويزداد موقف ولي العهد تعقيدا إذا قام والده بمبادرة سياسية حمالة أوجه لكسر حالة الجمود الحالية، فإنه سيستند في ذلك بصورة أساسية على دعم المؤسسة العسكرية والأمنية، التي ستنتصر له عند أي منعطف، فقائديها خليفة بن أحمد (قائد الجيش) وراشد بن عبدالله (وزير الداخلية) يعدان ذراعا الملك العنيفة، ويعرفان نواياه الحقيقية في الاستفراد بالسلطة واحتكار الثروة.

إذا، فإن تطلع ولي العهد إلى تحالف مع النخبة الشيعية المعارضة لن يكون سهل المنال، وحتى وهم متعطشون لمراكز القرار، فإنهم خبروا النظام ومناوراته، ويواجهون صعوبة حقيقية في تسويق أي اتفاق أو صفقة مع النظام لا تتناسب مع التضحيات أو مع الحد الأدنى من شعارات جماهير انتفاضة ميدان اللؤلؤة، خصوصا مع وجود رموز تحالف الجمهورية في السجون، الذين لن يكون من السهل تجاوزهم.

أما فرص ولي العهد في تعزيز تحالفه مع النخبة الشيعية التقليدية والدينية (غير المعارضة) فسيكون ممكنا، وتكاليفه أقل، بكثير، بيد أن ذلك لن يضمن له تحالفا مع جبهة نافذة شعبية.

بين السعودية وإيران

يجدر أن يعي ولي العهد أن تحالفه مع الشيعة المعارضين قد يعني خسارة مواقعه الضعيفة اصلا في اوساط السنة، كما خسارة دعم السعودية، وبعض أطراف الإقليم. وقد يتوجب على إيران حينها اتخاذ موقف عملى تمنح بموجبه البحرين 150 ألف برميل يوميا، وتوفير غطاء سياسي للحكم فيها، وتضع ضغوطا مباشرة على المعارضة الشيعية لدعم النظام الجديد.

التغير المرتقب في خارطة التحالفات في المنطقة في حال مضى نحو تقارب إيراني أميركي عميق، قد يفضي إلى رفع الفيتو الغربي بشأن وجود نظام في البحرين قريب من طهران التي يفترض أن تكون شريكا لواشنطن في إدارة شئون الخليج، عكس ما كان وسيكون عليه الحال إذا ما استمرت الجمهورية الإسلامية محورا للشر. (5)

لقد أدى التموضع الأميركي في 2003 إلى أن تكون العراق حليفا لطهران، بيد أن الرد السعودي كان داميا في بغداد على مدى عقد كامل، وهو سيناريو ممكن التحقق في حال لم يتم حفظ مصالح السعودية في المنامة. (6)

لقد فشل التطرف السعودي في التفاهم حول بغداد، وها هو يدمر مصر وليبيا. كما فشل النهج السعودي في اليمن، الذي تمدد فيه الإيرانيون على نحو أذهل المنطقة والعالم. الخطوة الإيرانية العاجلة لن تكون البحرين، بيد أن المنامة تبدو على سكة طهران الصاعدة، والعلاقة بين الطرفين أعمق من مجرد مصالح سياسية. وأظن أن المجال قد ضاق للحديث أكثر، وأعد القارئ بقراءة عن علاقات البحرين وإيران، بيد أني أشير إلى أن الملك حمد قد بالغ جدا في الاساءة لعلاقته بطهران وأميركا معا، وأظنه مضطر لدفع ثمن لذلك، سيكون أزيد من إزاحة وزير الخارجية الذي سيكون لزاما عليه مغادرة موقعه بعد استخدامه تعبيرات تفتقر للدبلوماسية في تعاطيه مع طهران وحزب الله وأميركا.

وسواء اختار الخليفيون التحالف مع السعودية والموالين السنة، أو إيران والمعارضين الشيعة، فإنهم لن يكونوا حكاما مطلقين. وعليهم أن يختاروا بين ثلاثة بدائل صعبة (1) بأن يسلموا السلطات إلى المؤسسة العسكرية والأمنية والموالين السنة المدعومين سعوديا، بما يؤدي إلى تقهقر الحالة البحرينية وإحالتها نموذجا فاشلا كما هي النماذج الني ترعاها الرياض. أو (2) أن يرسي آل خليفة حلفا مع المعارضين الشيعة لكسبهم في إطار اتفاق برعاية إقليمية ومباركة غربية بما قد يؤدي إلى تهميش الطرف السني، أو (3) اللجوء إلى الخيار الأصعب لكنه المستدام في إطار صيغة دستورية ديمقراطية تحقق للجميع فرصا من التوازن والتكافؤ والعدالة والمساواة ـ في السلطة، وتضمن مصالح السعودية وإيران.. وأميركا أيضا.

المصدر: فرص التحالف الشيعي الخليفي في البحرين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة