تناقش هذه الورقة مستقبل الذراع البحرينية لجماعة الإخوان المسلمين، بُعيد إعلان السلطات المصرية الجماعة منظمة إرهابية، وقيامها بمخاطبة دول مختلفة، والأمم المتحدة والجامعة العربية من أجل إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب.
السؤال المحوري هنا يتعلق بالكيفية التي ستتعاطى بها السلطات البحرينية مع القرار المصري المثير للجدل، ومع الضغوط السعودية والإماراتية على الجماعات الإخوانية في الخليج والدول العربية، وكيف سيكون موقفها من ذراع الجماعة البحرينية، التي طالما عُدت حليفة للسلطة، والتي تنامت مع مجيء الملك حمد للسلطة.
المقاربة الخليجية للإخوان
أشير بداية إلى وجود مقاربات خليجية مختلفة بشأن العلاقة مع الجماعة التي كانت تدير مصر قبل الانقلاب العسكري منتصف العام الماضي، وما تلاه من إجراءات عنيفة ضد ما كان يعتقد أنه أكبر تيار إسلامي سياسي في المنطقة.
لم تخف السعودية استياءها الشديد من سقوط الرئيس حسني مبارك. وبعد محاولات لامتصاص الضربة، انتقلت الرياض إلى موقع الهجوم، ولم تكن تتصور أن عزل الرئيس مرسي سيكون بهذا القدر من «السلاسة» الإقليمية والدولية، فلم تحرك الأذرع الإخوانية، المشغولة بنفسها، في الدول العربية المختلفة، ساكناً بعد قتل الآلاف في رابعة العدوية، ويبدو لي أن الضجة ـ الشيعية وغير الشيعية ـ التي واكبت فضّ اعتصام دوار اللؤلؤة في المنامة على يد الجيش السعودي والبحريني في مارس/ آذار 2011، كانت أعلى من الضجة التي أعقبت الفتك برابعة العدوية. العداء السعودي لكل من هو آخر لا يخفى، فيما الإضرار بموقع مصر لم يكن ضمن الحسابات التي تضعها القيادة السعودية المتطرفة في الاعتبار، وهي تطيح نموذجاً لم يكن واعداً على أية حال.
الموقف الإماراتي كان الأكثر تعبيراً عن رفض وصول الإخوان للسلطة، واتخذت السلطات الاتحادية إجراءات غير مسبوقة ضد تيار الإخوان الإماراتي، يراها كثيرون أنها تستند إلى مخاوف، أكثر من استنادها إلى وقائع. كذلك رفعت أجهزة المخابرات الإماراتية الصوت عالياً متصدرة حملة خليجية وإقليمية ضد نهج الإخوان، الذي بدا غير مستوعب حجم المؤامرة التي تحاك ضده، ومضى في خط استئثاري داخل مصر، ونهج طائفي ومشتت خارجها.
الإخوان في الكويت كانوا قد فكّوا ارتباطهم التنظيمي مع المظلة الدولية للجماعة، إثر ما عُدّ تفهماً إخوانياً لغزو الكويت من قبل صدام حسين في صيف 1990. لكن الذراع الكويتي ظل نشطاً داخلياً، ومضى داعماً مطالب المعارضة بتكليف رئيس وزراء شعبي، أي من خارج أسرة الصباح الحاكمة، وهو المطلب الذي أصيب بانتكاسة، ولو مؤقتاً على الأقل. وفي الواقع، إن مجمل أحلام الربيع العربي ما زالت بعد ثلاث سنوات من انطلاقته، غير قريبة التحقق.
وقد تفادت الكويت الرسمية اتخاذ إجراءات عنيفة ضد معارضيها من الإخوان على الطريقة الإماراتية أو المصرية، ونأت بنفسها عن القرار المصري بحظر جماعة الإخوان واعتبارهم جماعة إرهابية، ونقل عن متحدث رسمي باسم وزارة الداخلية الكويتية، أن ذلك القرار «يخص مصر، وهم لهم ظروفهم الأمنية والسياسية الخاصة بهم، وهو أمر يختلف عن الموجود في الكويت من أمن مستتب ومواطنين ولاؤهم لوطنهم الكويت».
من جانبها، ما زالت قطر تحافظ على علاقتها الوطيدة بالإخوان المسلمين، وتقدم العون المالي والسياسي للجماعة المُطاحَة، وما زال الخبر المصري الأول على شاشة الجزيرة القطرية، رغم أن الزعيم الأبرز لإخوانيي الخارج د. يوسف القرضاوي قد تهشمت صورته، بعد أن برز في السنوات الثلاث الماضية، وكأنه أحد وعاظ السلاطين، وقد تورط في المعركة الطائفية على نحو أطاح هيبته رئيساً لاتحاد العلماء المسلمين، ومن دون شك، فإن ذلك أفقد الجماعة المصرية عنصر «القوة الناعمة»، الذي يعد أحد أهم عناصر المعركة.
من ناحيته، قام ملك البحرين في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بأول زيارة خليجية للقاهرة بعد تسلم عدلي منصور منصبه رئيسا مؤقتاً لمصر، معبراً عن دعمه مسار الجيش بإطاحة الإخوان المسلمين. وكان الملك حمد قد أرسل إلى مصر، في 8 فبراير/ شباط 2011، وزير استخباراته السابق خليفة بن عبد الله، دعماً للرئيس مبارك الذي كان يشهد أقوى حملة شعبية أدت إلى خروجه وحزبه الوطني من الحياة السياسية، لكن العسكر وطاقم مبارك القديم تمكنوا من استعادة الحكم في مصر، لأسباب يعود بعضها إلى أخطاء الإخوان المسلمين، الذين عليهم أن يدركوا حجم المأساة التي سببوها لربيع مصر، والربيع العربي.
وبينما وقف الملك حمد ضد إخوان مصر، مسانداً السعودية والإمارات، ظلت يده دائماً ممدودة إلى إخوان البحرين، الذين شجعوا الإرهاب الخليفي، ومضوا داعمين لنهج الفساد والدكتاتورية القائم. وعلى الأرجح، إن مصر الرسمية، ومعها الرياض وأبو ظبي، تؤيد التحالف الخليفي مع إخوان البحرين، وتتفهم جوهر السياسات التي تنتهجها الذراع الإخوانية البحرينية، التي طالما كانت مضاداً للتحولات الديموقراطية في البحرين والمنطقة، كما سيتضح.[1]
إخوان البحرين
ينضوي تيار الإخوان المسلمين البحريني في جمعية الإصلاح، الدينية الاجتماعية الخيرية، الواسعة الانتشار والنفوذ، التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي. ومن اللافت أن من يسمون في البحرين «الهولة» يتجمعون في هذه الجمعية. والهولة في البحرين إما عرب كانوا يتنقلون بين ضفتي الخليج، أو سنّة من أصول فارسية. وتعد جمعية المنبر الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين.
أما العرب السنّة (القبائل) فإنهم ينضوون تقليدياً في جمعية التربية الإسلامية، وذراعها السياسية جمعية الأصالة. إذاً، الانقسام السني يتضح عرقياً، بين عرب وهولة، في تشكيلة هاتين الجمعيتين، ويمثل الهولة أغلبية السنّة في البحرين، فيما يمثل العرب أغلبية الشيعة في البحرين، وينتمون إلى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فيما ينضوي الشيعة البحرينيون من أصول فارسية، الذين يسمون «العجم»، إلى جمعية الإخاء الإسلامي.
أحياناً، قد يصح استخدام مصطلحي الإخوان المسلمين والهولة باعتبارهما يؤديان إلى معنى واحد هنا. صحيح أنّ ليس كل الهولة إخواناً مسلمين، لكن الموضوع هنا شبيه بكون جمعية «الوفاق» الممثل الأبرز للشيعة في البحرين، رغم أن ليس كل الشيعة وفاقيين.
السيطرة على إدارة القطاع المالي
تحولت البحرين إلى مركز مالي مرموق إثر اندلاع الحرب اللبنانية في بيروت في 1975. ورغم أن دبي وقطر أظهرتا منافسة ملحوظة للمنامة في العقدين الأخيرين، ما زال إسهام القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي جيدة، وتبلغ 16.8%.
وتحتضن البحرين نحو 110 مؤسسات مصرفية، بموجودات تبلغ 193.5 مليار دولار أميركي، منها 26.2 مليار دولار أميركي تحسب كموجودات لـ24 مصرفاً إسلامياً، بحسب إحصاءات أغسطس/ آب 2013.
ويبلغ حجم التمييز الطائفي في القطاع المالي درجة لا يضاهيها إلا التمييز في القطاع العسكري. في القطاعين، لا تكاد تجد قيادياً شيعياً، فيما وجودهم محدود أو مفقود في الرتب الصغيرة، وكموظفين عاديين. ويُدير الجيشَ السنّةُ العرب بقيادة آل خليفة والقبائل المتحالفة معها، فيما يدير القطاعَ المالي السنّةُ الهولة الممنوعون تقريباً من العمل مسؤولين مرموقين في الجيش.
وبينما ركز رئيس الوزراء على التمييز في القطاع المالي، الذي أشرف على بنائه، خالياً من الشيعة، ركز الملك حمد على خلو الجيش من العنصر الوطني الشيعي، وهو يشرف على بناء المؤسسة العسكرية منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي.
ولن يواجه المتابع صعوبات كبيرة في اكتشاف سيطرة الهولة والإخوان المسلمين على إدارة القطاع المصرفي، وبمجرد قراءة أسماء رؤساء مجالس إدارة البنوك، سواء المصارف التي تملك الدولة فيها نسبة كبيرة، أو المحسوبة على القطاع الخاص، وسواء بنوك تجزئة أو جملة، أو البنوك ذات الصبغة الإسلامية.
وكمؤشر ـ غريب ـ على حجم التمييز في المؤسسات المالية، كان عدد المفصولين على خلفية احتجاجات فبراير/ شباط 2011 من القطاع المالي 24 مفصولاً بحسب وزارة العمل، من عدد المفصولين الكلي البالغ 4400 بحريني، منهم 2000 من القطاع العام الحكومي، و2400 من منتسبي شركات القطاع الخاص، بحسب تقرير بسيوني، ذلك أنه لا يكاد يسمح للمواطنين الشيعة بالعمل في القطاع المالي، كذلك لا يسمح لهم بالالتحاق بالقطاع العسكري. يذكر أنّ 572 بحرينياً لم يعودوا بعد إلى أعمالهم، بحسب إحصاءات مايو/ أيار 2013.
النفوذ الواسع في قطاع الخدمة المدنية
بحسب تقديرات صلاح البندر ـ الذي كتب تقرير البندر الشهير ـ فإن نحو 70% من قيادات الجهات الحكومية المدنية (وكلاء الوزارات، الوكلاء المساعدون، مديرو الإدارات، رؤساء الأقسام…) هم من الإخوان المسلمين، وهذه تقديرات تعود إلى عام 2006.
كان البندر حينها يشتغل مباشرة مع أحمد عطية الله، وقد أتاح ذلك له فرصة فريدة للاطلاع على مختلف المعلومات الحكومية. وقت ذاك، كان عطية الله وزير شؤون مجلس الوزراء، مسؤولاً عن ضبط إيقاع السلطة التنفيذية الذي أعلن الملك سيطرته الكاملة عليها في 2005[2] وكان عطية الله مسؤولاً أيضاً عن قطاع الاتصالات الذي بدأ تواً يشهد تنافسية مع السماح لشركات إضافية بالعمل في السوق، وكان أيضاً مسؤولاً عن ديوان الخدمة المدنية المعني بموظفي الحكومة، ومسؤولاً عن الجهاز المركزي للمعلومات (بنك المعلومات الحكومي الواسع النفوذ)، ومسؤولاً عن جهاز إدارة الانتخابات. كل تلك المعلومات كانت تحت يد البندر، ما يعطي صدقية للتقديرات التي يعرضها.
ولا توجد عندي تقديرات راهناً عن حجم الإخوان المسلمين في الإدارة الحكومية العليا، النسبة زادت الآن دون شك، القليل من المسؤولين السنّة غير محسوبين عليهم. وقد نشرت «الوفاق» أخيراً إحصائية موثقة تفيد بأن الشيعة يمثلون نسبة 15% في مجلس الوزراء؛ فمن بين 20 وزيراً سنياً هنالك 6 وزراء شيعة، ومن بين 28 وكيل وزارة يوجد 2 شيعة فقط، فيما غيابهم شبه كامل في قطاع التمثيل الديبلوماسي. أما نسبة الشيعة في الهيئات والشركات الحكومية الكبرى، فتبلغ 10% فقط مقابل 90% يسيطر عليها آل خليفة والطائفة السنية. وفي السلطة القضائية يوجد 28 قاضياً شيعياً بنسبة 12%، من مجموع القضاة البالغ 230 قاضياً.
الأيادي السوداء الإخوانية
يكشف «تقرير البندر» أن العناصر الإخوانية تبتغي السيطرة على مختلف مراكز القوى في الدولة، ضمن رؤية أشمل للتوسع في الدول الخليجية والعربية. وهذا سبب حماستها للاشتراك بفعالية في الخلية السرية التي كشف تفاصيلها التقرير، الذي أعلن في صيف 2006، وعلى أثره رُحِّل كاتبه من البحرين إلى لندن، ومنع نشر أي من محتويات التقرير في الصحافة المحلية.
يوضح البندر أنّ نحو 80 مسؤولاً من 96 يصنفهم أعضاءً ضمن الخلية السّرية التي يرعاها الديوان الملكي في البحرين للإساءة لتجربة التعايش الشيعي ـ السني، وللإضرار بالمعارضة، وتحجيم دور الطائفة الشيعية اقتصادياً وسياسياً، هؤلاء الـ80 إما قيادات أو أعضاء في جمعية «الإصلاح»، التي تعتبر نفسها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
موقف إخوان البحرين من حدث مصر
شجّع إخوان البحرين الربيع العربي في تونس ومصر، وشجعوا التدخل العسكري في ليبيا، رغم إدانتهم للتدخل العسكري في العراق، ودعمهم عمليات الإرهاب فيه، بدعوى طائفية الحكم العراقي. كذلك دعم إخوان البحرين التدخل العسكري في سوريا، لكنهم ناصروا النظام الحاكم في البحرين، ومضوا يثنون على عنفه ضد المعارضين، وقد تأثر موقف إخوان مصر بذلك، وبدوا سلبيين إزاء مطلب التغيير الديموقراطي في دوار اللؤلؤة. ولم يختلف موقف حكومة مرسي عن حكومة العسكر وحكومة مبارك من حدث البحرين، جميعهم دعموا النظام الدكتاتوري في المنامة.
براغماتية الإخوان المسلمين البحرينيين، جعلتهم يعضون على جراحهم بسقوط الرئيس مرسي، وكانوا قد أظهروا فرحاً غامراً بفوزه. ولم يسجل في البحرين صدور بيان من جمعية الإصلاح أو المنبر الإسلامي، يستنكر الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، والهجوم الدامي على رابعة العدوية، على أمل أن يؤكد ذلك للسلطات الخليجية أن إخوان البحرين، مستعدون لتفهم المخاوف الخليجية من الإسلام السياسي، ومن الانتقال للديموقراطية.
وعموماً، يتميز إخوان البحرين بكونهم جزءاً من النظام الخليفي بدكتاتوريته وفساده وعنفه وتمييزه وتجنيسه السياسي، الخطير على تركيبة البلد. كذلك يتميز هذا الفرع بكونه، تاريخياً، موالياً للسلطة، على خلاف الأذرع الإخوانية في مصر والأردن والكويت، التي سُجّلت لها مشاهد تاريخية عدة بمناداتها بالديموقراطية والإصلاح.
ويعارض الإخوان والسلفيون الإصلاح في البحرين، ولعلهم يتجهون للعنف إن اتجه البلد نحو ديموقراطية كلاسيكية[3] .
آثار الحدث المصري على إخوان البحرين
على الأرجح، إن النظام العربي لن يدرج إخوان البحرين ضمن قوائم الإرهاب. سيظل الترحيب بهم واسعاً في البحرين الرسمية، والسعودية ومصر وأبو ظبي أيضاً.
ويشترك إخوان البحرين في مجلس الوزراء في شخص صلاح علي، الذي كان يرأس جمعية المنبر الإسلامي، (الواجهة السياسية للإخوان، جمعية الإصلاح هي الواجهة الأم). ويتبوأ علي موقع وزير حقوق الإنسان، ويؤدي دوراً صفقاً في الدفاع عن الانتهاكات، التي وثقها تقرير بسيوني والجهات الدولية المرموقة.
كذلك يشترك السلفيون في مجلس الوزراء، في شخص غانم البوعينين، الذي كان يرأس جمعية الأصالة، ويتبوأ موقع وزير الدولة للشؤون الخارجية. وعلى الأرجح، يأمل النظام العربي أن تكون جميع التيارات الإسلامية على شاكلة إخوان البحرين: موالين لآل خليفة طوال ستين عاماً من نشاطهم السياسي، ومشجعين للتقارب مع الكيان الصيهوني، ما دام ذلك يدعم الحكم الخليفي ضد المعارضين، وأغلبهم من الشيعة، مؤججين للطائفية، ومدافعين شرسين عن النهج السعودي التدميري في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس، وفي كل ذلك فإنهم يذكرون اسم الله ثلاث مرات وهم يفعلون ذلك.
* كاتب وصحافي بحريني ـــ لندن
رأي
العدد ٢١٩٦ الاثنين ١٣ كانون الثاني ٢٠١٤
المصدر: الإخوان المسلون في البحرين: النموذج المرضيّ عنه عربياً