abbasbusafwan@gmail.com

الانتخابات تضع البحرين على أعتاب أربع سنوات أخرى من التوتر

  • 1.مقدمة
  • 2.خيبة أمل متجددة
  • 3.ما وراء الرفض لدوائر انتخابية متوازنة
  • 4.المعطى الإقليمي: الانتخابات المدخل للأسوأ
  • 5.الاعتدال يقود المقاطعة
  • 6.الحكومة تبحث عن الحل الخطأ

113bf3ee8d2a01727d45bdca32af9aa23_L .مقدمة

يبدو أن البحرين مقدمة على أربع سنوات أخرى من التوتر بعد فشل الحكومة في تقديم برنامج تصالحي مع المعارضة التي بات شارعها ممتدا ولعله يمثل أغلبية سياسية، رغم ما يبدو من قبضة أمنية حديدية.

وقد توقع متفائلون أن تجري السلطات الرسمية في البحرين تعديلات معقولة على الدوائر الانتخابية، من أجل استقطاب جمعية “الوفاق” وجمعيات المعارضة الأخرى للمشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية المرتقبة في 22 نوفمبر 2014، وأن تشمل الإجراءات الإيجابية الأخرى تحسين شروط العملية الانتخابية، بما في ذلك الإعلان عن هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.

لقد خاب هذا الظن كليا، في 22 سبتمبر 2014، بعد صدور جملة من القرارات والمراسيم، التي حددت موعد الانتخابات، وإعادة تشكيل الدوائر الانتخابية على نحو تمنح الجماعات الموالية للنظام 22 مقعدا من أصل 40، أي أغلبية واضحة في مجلس النواب المنتخب، مقابل 16 مقعدا للمعارضين، يمكن أن يضاف إليهم مقعدان آخران، في دائرتين يرجح أنهما قد تشهدان منافسة بين المعارضين والموالين.

وبطبيعة الحال، يجب أن ندرك أن مجلس النواب لا يمثل إلا نصف المؤسسة التشريعية، اما نصفها الثاني مجلس الشورى المعين المكون من 40 عضوا، فعادة يقوم الملك حمد، ذو الصلاحيات المطلقة، باختيارهم من الأجنحة الموالية للنظام، ولا يوجد خلال تجارب مجلس الشورى المتتالية أي استثناء لهذه القاعدة.

ولذا، فإن العدد الفعلي لمقاعد الموالين في البرلمان هو في حدود 62 مقعدا، وللمعارضين 18 مقعدا، في أحسن الظروف، من أصل 80، هو مجموع أعضاء مجلسي الشورى والنواب.


2.خيبة أمل متجددة

في الواقع، يفترض أن تكون خيبة المتفائلين قد أصيبت في مقتل، حين أعلن ولي العهد سلمان بن حمد، وثيقة الوجهاء والأعيان، دون أي مشاورة أو نقاش، إنما خطب ولي العهد في الحضور وطلب منهم البصم على الوثيقة، التي هي عبارة عن تعديلات دستورية مقترحة من طرف الديوان الملكي، يفترض أن يتم تمريرها من خلال البرلمان المقبل، لكن هذه التغييرات لا تغير من تركيبة المؤسسة التشريعية، ولا تعلي من شأن المنتخبين على المعينين، ولا تضيف أي صلاحيات ذات مغزى لمجلس النواب المنتخب.

كما لا تغير “الإصلاحات” المفترضة من هيكلة السلطة التنفيذية التي ستظل تحت هيمنة الأسرة الخليفية الحاكمة. وكذا لا تلامس الوثيقة موازين القوى في المؤسسة الأمنية التي يحتكرها النظام، وعمادها من المجنسين. ولا تقترح الوثيقة أي تعديلات  تدعم استقلال القضاء، أو تخفف من كونه أداة بيد الأسرة الحاكمة.

إن وثيقة الأعيان، والفرمانات التي تلتها، قد حسمت شكل البرلمان المقبل، كما حددت مسار العملية التشريعية، ومخرجاتها، في بلد تتم فيه أغلب التدخلات في العملية الانتخابية ليس في يوم الانتخابات، وإنما قبلها عبر (1) التحكم في رسم الدوائر، التي تمنح أقلية عددية للمعارضين، و(2) السيطرة على مدخلات المرشحين المحتملين من الموالين، لمنع وصول صوت على شاكلة أسامة التميمي من جديد، وقلما يتم التلاعب أو التزوير في أصوات الناخبين في يوم الانتخابات، إلا في عدد محدد من الدوائر عبر الزج بالعسكريين والسعوديين وغير السعوديين المجنسين.

وإن كانت الانتخابات المرتقبة استثناء لأنها يرجح أن تشهد  مقاطعة واسعة، ولعل النظام سيكون معنيا بزيادة وتيرة المشاركين، وتزوير نسبة المشاركة، ولذا لن نستغرب وجود رقمين لنسب المشاركة كما حدث 2002، و2011، أحدهما تتبناه وسائل الإعلام العالمية والمعارضة، وآخر تروج له السلطة، التي تريد القول أن المشاركة فوق  50%، في محاولة لمنحها شرعية مفقودة.

ومع ذلك، فإن بعض أطراف المعارضة، خصوصا تلك القوى المحدودة التأثير، لكنها المعبرة عن مزاج مهم، داخل “الوفاق” التي تنادي بـ “اغتنام الفرصة، وعدم تضييع المتاح”، عبر المشاركة في الانتخابات، وعدم ترك فراغ في المؤسسة التشريعية، على علاتها.

ورغم ان الكثيرين يلومون جمعيات المعارضة على موقفها المثير للجدل ذاك، فإني أظن أن الخطاب الرئيسي للجمعيات، الذي يعبر عنه الشيخ علي سلمان أمين عام “الوفاق”، لا يهدف من تكرار دعوات الحوار إلاّ إلى رمي الكرة في ملعب السلطات، وينطبق ذلك على الرسالة التي بعثتها الجمعيات إلى ملك البلاد في سبتمبر 2014 [1]، تحمله مسئولية الأزمة المتفاقمة، وتدعوه للبحث عن توافق سياسي، تم فقدانه منذ اختار الشيخ حمد آل خليفة، في 2002، أن يصدر دستورا دون مشاورة القوى السياسية، واستفتاء الشعب.

3.ما وراء الرفض لدوائر انتخابية متوازنة

صدر مرسوم رسم الدوائر الانتخابية وتحويل البلاد إلى 4 محافظات بدل 5، بإلغاء المحافظة الوسطى، لتفاجئ الجميع في البلاد: معارضين، وكذا موالين اعتقدوا للحظة أنهم قد يكونون شركاء في القرار. وفي الواقع، فإن أطراف النظام تكاد تكون مجمعة على رفض تشكيل دوائر انتخابية عادلة، ومبنية وفق مبدأ “صوت لكل مواطن”، لأسباب عدة:

أولا، أنها ستتيح انتخابات عالية الوتيرة والسخونة، وذات نبرة وطنية جلية. وقد تدفع مثل هذه الدوائر القوى السياسية المختلفة، الشيعية والسنية، الإسلامية والليبرالية/ الوطنية، للتحالف في بعض الدوائر، وإعلان مرشحين مشتركين (قائمة انتخابية واحدة) من أجل الفوز بأصوات الناخبين الذين سيكون بالضرورة في دوائر مشتركة، إذا ما رسمت دوائر وفق اعتبارات وطنية.

إن ذلك يعني أن يتحالف الشيعي مع السني على برنامج وطني، وبذا يبدأ مسار قد يفضي إلى سقوط ذرائع الطائفية المقيتة، أحد أهم بنود الثورة المضادة، التي تروج كذبا بأن المطالب الديمقراطية في البحرين ليست أكثر من مقولات طائفية.كما يمكن أن يفضي برنامج الإصلاح المشترك الشيعي السني إلى عزل النظام داخليا.. وخارجيا.

ثانيا، إن وجود دوائر عادلة، سيعني تلقائيا بروز أغلبية شيعية في مجلس النواب، وهو أمر يمقته النظام، الذي يحاول مرارا ـ من دون أن ينجح ـ يحاول نفي ما هو متعارف عليه عالميا، وما تثبه جميع الدلائل، من إن البحرين لها هوية مشتركة شيعية سنية، وأغلبية سكانية من المسلمين الشيعة.

ولمن يعتقد أن إجراء تعديلات في الدوائر تقل حيوية عن تعديلات في البرلمان، فلعله لا يدرك عمق الإشكال الديمغرافي الذي يؤرق الملك حمد، والذي يدفعه لاتخاذ إجراءات تودي بالبلد إلى الهاوية، بما في ذلك القيام بعمليات تجنيس بوتيرة متصاعدة، زادت من حنق الشيعة والسنة، ودفعت الموالين السنة للهجرة إلى قطر، فيما لا يجد الكثير من الشيعة خيارا إلا الدعوة لرفع شعار “يسقط حمد”.

في ظل ذلك، لعل المعارضة تكون مشغولة بتفعيل مقولات المقاطعة، وجمع أوراقها للضغط على  النظام، والاستعداد لفترة طويلة تكون فيها البحرين تحت الأضواء.

4.المعطى الإقليمي: الانتخابات المدخل للأسوأ

إذاً، تجرى الانتخابات البحرينية في ظل خلاف داخلي بيّن، لكن أيضا في ظل إقليم يسوده الاضطراب والفوضى والعنف وعدم اليقين.

ويمكن للمراقب القول إن الوضع غير المستقر ذاك لم يمنع السلطات المستبدة، أو المختلف بشأنها، في غير بلد عربي (مصر، الأردن، ليبيا، اليمن، الكويت، العراق، سوريا، الجزائر..)  من المضي في إجراء انتخابات لم تتمكن من إخراج تلك الدول من الأزمات التي تعيشها. وفي حالات عدّة أدى إجراء الانتخابات دون توافق سياسي إلى تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية على نحو يجعل الفترة التي سبقت الانتخابات فردوسا.

“نجاح” الانتخابات الليبية، التي نظمت في يوليو الماضي، كان مقدمة لزيادة وتيرة العنف والانقسام الوطني، ونشوء برلَمانَين أحدهما في طبرق والآخر في طرابلس.

وفي العراق، التبشر بـ “نجاح” الانتخابات، التي أجريت في ابريل الماضي، لَم ولا يفترض أن تعني أن الجيش والأجهزة الأمنية  والمؤسسات الدستورية والنخبة السياسية لم تكن غارقة في عالم آخر، أفضى أن تحتل داعش ثلث أراضي العراق في ساعات.

وما سُمي “التوافق” على “انتخاب” عبدربه منصور هادي في اليمن، في فبراير 2012، كما اقترحت المبادرة الخليجية، ما منعت أبدا أن تسير البلد، المصنف كدولة فاشلة، خلاف بنود الاقتراحات الخليجية المدعومة دوليا، وأن يطيح الحوثيون، من اراقة الدماء، بالعسكر وحزب الإصلاح والقبيلة المتغولة، والسعودية، والمبادرة الخليجية التي ولدت ميتة.

أمّا الانتخابات “الناجحة” في مصر، التي أوصلت المشير عبدالفتاح السيسي إلى القصر الجمهوري في يونيو الماضي، لا تعني إلاّ تعزيز القطيعة بين الفرق السياسية المتصارعة، والاختلاف حول الجيش بعد إن كان محل اتفاق وطني، وامتلاء السجون بالإخوان المسلمين وأولئك الحقوقيين الرافضين لتغوّل العسكر، واستمرار التدهور الاقتصادي والسياسي في بلد يشتكي قطاع واسع من مواطنيه من الفقر والأمية، والمضي في اتكاء القاهرة على وعود الرياض، الغارقة هي الأخرى في وحل إقليم يتراقص أطرافه خوفا وطمعا لتقلّص النفوذ السعودي في غير مكان.

لا أعرف جدوى إجراء انتخابات من هذا النوع، تشرّع أبواب سيناريوهات عدم الاستقرار على مصاريعها، فيما لم يثبت أبدا أن أيّا من السلط العربية قادرة على التعلم من تجارب مريرة حولها، وكأن النظام العربي برمته يقاتل مستميتا محاولا منع تغيير بدا للحظة قريب المنال.

في البحرين، الحال لا يختلف. ولا يوجد في الأفق ما يؤشر إلى أن السلطات الخليفية بصدد البحث عن صيغة سياسية تحقق بعض مطالب الجماهير التي ملأت الساحات منذ فبراير 2011، أو أن تعلن جدولة زمنية للإصلاحات، تُرضي الجمعيات المعارضة، علّ ذلك يشتت جهود الأطراف المعارضة: السياسية و”الثورية”، في الداخل والخارج، والتي تبدو متوحدة، في مشهد لا يتكرر كثيرا، في الموقف السلبي من الانتخابات المرتقبة في 22 نوفمبر المقبل.

وبينما كانت “الوفاق”، كبرى جمعيات المعارضة، قد قاطعت الانتخابات النيابية، وشاركت في البلدية، في 2002، ثم شاركت في الاثنتين في 2006، و2010، فإن التقليص المستمر لصلاحيات المجالس البلدية، وابتلاع وزارة البلديات لصلاحياتها المحدودة أصلا، وإلغاء مجلس بلدي العاصمة، في الصيف الماضي، والذي كانت تسيطر عليه المعارضة منذ 2002، واستبداله بـ “أمانة العاصمة” المعيّنة[2]، فضلا عن الرسم غير العادل للدوائر الانتخابية في ثوبها الجديد شكلا والقديم مضمونا، والتي أحبطت آمال المتفائلين في أن يقدم النظام جزرة للمعارضة إلى جانب الكومات المتراكمة من العُصي والعنف غير المسبوق، كل ذلك يدفع “الوفاق” والجمعيات المعارضة الأخرى إلى مقاطعة الانتخابات البلدية، إلى جانب الانتخابات النيابية.

صحيح إن الموقف الوفاقي قد لا يدفع المراقب، أو على الأقل لا يمنعه من التريث، قبل الجزم بأن تغيّرا جوهريّا قد حدث في نظرة الوفاق للسلطة الحاكمة وطبيعة الصراع المحتدم في البحرين، خصوصا إذا قورن ذلك بخطاب الداعين لتحول البحرين إلى النظام الجمهوري، بيد أن تغيّرا مهما يجدر ملاحظته، ويمكن قراءته بوضوح في خطاب الوفاق التغييري، والذي يبدو مدفوعا بالمتغيرات الداخلية الملهمة منذ فبراير 2011، وبالمتغيرات الإقليمية الكبرى، التي وإن استمرت ترسل إشارات متقلبة بين زرع الأمل بالإطاحة بالهياكل الدكتاتورية القائمة، وبين استمرار تغولّها، فإن الحصيلة الكلية لمجمل هذه الإشارات الصاخبة لا يمكن أن تخفي أن الإقليم الساخن والمشتعل يخبئ بين جنباته الكثير، قد يكون من بينها انهيارا أسرع مما نتوقع للنظام العربي البائس، وللامبراطورية السعودية المترنحة، وحينها يبدو تحقيق التغيير في البحرين تحصيل حاصل.

إن الانتخابات البحرينية، وهي تجري متحدية دما غزيرا تم سفكه في الجزيرة الصغيرة، تحمل في ثناياها كل خصال عدم الاستقرار. ولعل على الجميع الاستعداد إلى وَضْعٍ لا يمكن أن تهنأ فيه القلّة على حساب المجموع، وللبحرين عبرة في الجوار الحامي.

5.الاعتدال يقود المقاطعة

يصعب على حكومة البحرين والغرب اقناع “الوفاق” (كبرى جمعيات المعارضة) بالمشاركة في الانتخابات النيابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، لأسباب عدة. قائد المقاطعة هذه المرة أمين عام الوفاق ذاته الشيخ علي سلمان، الموصوف بالاعتدال، والذي قد يكون كفَر بإمكان قدرة “النظام الدستوري” القائم على إصلاح ذاته بذاته، وهي النظرية التي اختبرها سلمان بين 2006- 2010، في مجلس نيابي كان هو عضوا فيه، ولم يتمكن من تحقيق أي منجز حقيقي، لا بخصوص الإطاحة بالوزير المتشدد أحمد عطية الله، ولا بإحداث تغيير دستوري هش اقتُرح في نهاية عمر المجلس النيابي السابق، وهو التعديل الذي أُقرت بعض بنوده في مايو 2012، بعيد نحو عام من حدث 14 فبراير 2011 المدوي. [3]

الجانب الأهم، من وجهة نظري، فيما يتعلق بالشيخ علي سلمان يتعلق بمقولات ومطالب أطلقها في 2011، تتلخص في التحول نحو المملكة الدستورية، بما هي حكومة منتخبة يتم تشكيلها من خلال البرلمان المنتخب، الأمر الذي يعني الإطاحة، أو وضع خطة عمل متفق عليها (جدول زمني/ تزمين الإصلاح)، من أجل الإطاحة بهيكلة الحكم الراهن، الذي تحتكره العائلة الحاكمة، ويلعب فيه مجلس الشورى المعين دور المعطل لمجلس النواب المنتخب.

لم تكن مقولات سلمان تلك محسوبة على ما يوصف بالمجموعات الثورية في المعارضة، كي يمكن له بسهولة التخلي عنها، وهذه نقطة مركزية، أزعم أن كثيرين في الحكومة والغرب وفي الوفاق ذاتها لا يدركونها. فلم يُطلِق مطلب المملكة الدستورية الأستاذ عبدالوهاب حسين أو الأستاذ حسن مشيمع أو الدكتور سعيد الشهابي أو عبدالهادي الخواجه، هؤلاء كانوا أبعد من ذلك، وتحدثوا عن الغاء النظام الملكي والتحول نحو الجمهورية.

في 16 فبراير 2011، أي بعد نحو 24 ساعة من بدء الاعتصام في دوار اللؤلؤة، عقدت المعارضة مؤتمرا صحافيا، شارك فيه سلمان وشريكه زعيم “وعد” إبراهيم شريف، وأعلن سلمان مطلب الحكومة المنتخبة، التي هي أصلا بند من بنود النظام الأساسي للوفاق، المعدل في 2008.

لقد تحولت مقولة المملكة الدستورية مطلبا رسميا للجمعيات المعارضة بشكل معلن، قبل نحو ثلاثة أسابيع من إعلان تحالف الجمهورية (7 مارس 2011). وقد تبلور المطلب الجمهوري، الذي لم نعد نسمعه كثيرا الآن، كصيغة أكثر وضوحا لمطلب “الشعب يريد اسقاط النظام” الذي رفع في دوار اللؤلؤة، ذلك أن المطالبة بالإسقاط لم تكن تطرح بديلا واضحا، أقصد لم تكن الإجابة واضحة قبل إعلان الجمهورية: ماذا بعد الإسقاط؟، وإن كانت فكرة “تقرير المصير” التي يرفعها الداعون للمطلب الاسقاطي تفتح الباب أمام صيغة الجمهورية أو أي صيغة أخرى تستبعد العائلة الحاكمة من سدة القرار.

في 2002 تبنى الشيخ علي سلمان فكرة المشاركة في المجلس النيابي. كان بإمكانه طرح مبررات كثيرة، منها أنّ ما يسميه البعض “خطأ التصويت بالإيجاب على الميثاق” لم يكن من صنعه، وأن الداعين للمقاطعة يريدون البناء على خطأ قاموا به للقيام بخطأ آخر.

حينها، كان الشيخ علي أكثر قدرة على التحلل من أي قضية مثيرة للجدل كان اتخذها قادة معارضون، كانوا يتصدون للعمل اليومي في 2001، وأبرزهم الشيخ عبدالأمير الجمري، والأستاذان حسين ومشيمع.

حاليا، سواء تم التنظير إلى مطلب الحكومة المنتخبة كخطة كانت أعدتها “الوفاق” من أجل إطلاقها قبل أن يفاجئها الربيع العربي، كما يقول بعض الوفاقيين، أو نظر إلى الحكومة المنتخبة على أنه مطلب منطقي وفقا للآمال التي بشر بها الربيع العربي في 2011، أو اعتُبر أقل من المنشود، كما يعتقد دعاة الاسقاط، أو اعتبر مغاليا، كما يعتقد البعض في داخل الوفاق وخارجها، فإنه يصعب على أمين عام الوفاق التبرؤ من هكذا مطلب، بعد كل هذا العنف الرسمي غير المسبوق، والتضحيات الشعبية الكبيرة. وبالنسبة لشخصية معتزة بنفسها كالشيخ علي، (وتواضعها جم دون شك)، لا يمكنه بسهولة قبول المشاركة، ودفق ماء وجهه أمام جمهوره في قبال وعود حكومية سبق تجربتها، ويصعب الثقة بها.

الأسباب الأخرى التي تُصعّب الدفع بمقولات المشاركة هو هشاشة تموضع الداعين إليها داخل المنظومة الوفاقية، التي تضم مراكز قوى داخل الجمعية وخارجها لا يتبوأ فيها دعاة المشاركة مواقع مركزية. ففي 2006 كان الشيخ علي ندا للأستاذين حسين ومشيمع، حاليا لا توجد رؤوس قادرة على رفع الصوت بالمشاركة، وإذا فعلت فإنها تقوم بذلك همسا، أو من وراء حجاب، إلا ما ندر.

هذا لا يعني أن احتمالات انشقاق هؤلاء غير متوافرة، لكن لعل سيناريو انزواء الداعين للمشاركة أكثر ترجيحا، إلا إذا مضت السلطات في برنامج أكثر جدية لاستقطاب وفاقيي المشاركة.

يمكن الإشارة إلى عناصر أخرى، لعله يتوجب على أمين عام “الوفاق” مطالعتها وهو يمضي في قراره الحاسم بعدم المشاركة، من بينها الموقف الغربي، الذي قد نفرد له نقاشا آخر، لكن لعل أكبر ما يساعد الشيخ علي على المضي في برنامجه هو ذهنية الآلة الأمنية الخليفية، التي تصر على اختيار منهج العضلات في حل مشكل سياسي معقد.

6.الحكومة تبحث عن الحل الخطأ

هل تفتح إزاحة الشيخ علي سلمان من زعامة “الوفاق” الباب للمشاركة في الانتخابات؟ ذاك ليس بسؤال افتراضي، بل يمكن القول إنه سيناريو يتم تداوله في مطبخ الحكم، في الديوان الملكي، الذي يعتقد راسخا أن الشيخ علي سلمان، أمين عام “الوفاق”، بات يتخذ مواقف يصفها النظام بالمتشددة.

ويعتقد فريق السلطة القابض على زمام الأمور، أن سلمان يقف حجر عثرة دون مشاركة “الوفاق” والجمعيات السياسية في الانتخابات النيابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، هذه الانتخابات التي يُراد لها أن تُعلِن عمليا دفن مطالب دوار اللؤلؤة، وكأن مياه لم تجر تحت الجسر.

هذه الرؤية الأحادية تجاه سلمان تبلورت منذ فبراير 2011، حين اندفع أمين عام “الوفاق” نحو مطالب ذات توجه استراتيجي في تغيير بنية النظام الذي تسيطر عليه العائلة الخليفية الحاكمة، ومنذ ذاك الوقت لم يهدأ النظام في خلق إشكالات لشخصية لها بصمة واضحة على نهج “الوفاق” وخطابها، بما لها وعليها.

لا يعترف النظام أنه صاحب المشكلة، وعليه واجب الحل، وأنه دفع بالجمعيات المعارضة دفعا، جماهيرا ورموزا، لاتخاذ مواقف كانت الجمعيات تتحاشاها طوال نحو عشر سنوات (2002 – 2010)، بل ومازالت هذه الجمعيات حذرة في الذهاب أبعد مما تسمح به لعبة الشد والجذب القائمة، وتتفادى الإخلال بلعبة التوازنات التي يجيدها سلمان، ورغم ذلك لا يرى النظام سلمان إلا عنيدا، ورافضا للنهج الملكي “الإصلاحي” المزعوم.

ومنذ 2002، عادة ما اعتبرت السلطات سلمان على أنه شخصية معتدلة، بيد أن فشلها (السلطات) في الوفاء بالحد الأدنى من وعودها، بل والمضي في سياسات ذات تأثير استراتيجي سلبي على هوية الجزيرة ومستقبلها، زاد الزخم الذي تبنته حركتي “الوفاء” و”حق” منذ 2005، وحين جاءت ثورة 14 فبراير 2011، انضمت “الوفاق” لقافلة عدم الاستمرار في لعب دور “المحلل” لبرلمان غير شعبي، لكنها مضت أيضا على نحو فاجأ الكثير ين بالدعوة إلى “ملكية دستورية”، يجد سلمان الآن أنه لا يمكن التخلي عنها، وأنه يتوجب تبني سياسة النفس الطويل بديلا للرضوخ لتسويات هشة، وإن كانت هذه السياسة بحاجة إلى مزيد من الجهد لتتبلور برامج أكثر فاعلية على الأرض، وعلى المستوى الخارجي.

وبنظر السلطة، فإن استمرار سلمان على رأس “الوفاق” يعني استمرار رفض مسار الانتخابات التي يلهث النظام للترويج لشرعيتها، وكذا استمرار خطاب “الوفاق” الرافع لمقولة المملكة الدستورية التي يراها الملك حمد تهديدا لحكمه الاستبدادي، ولذا يعتقد فريق في النظام بأنه يتوجب عمل شيء ما تجاه سلمان، إما  الإطاحة أو الإضرار به، أو خلق بديل له داخل “الوفاق”، أو انشاء “وفاق” جديدة، أو العمل على تأسيس “وفاقات” متحاربة، أو شل “الوفاق” من خلال مقصلة القضاء، وذلك من أجل فتح الطريق أمام احتواء الجمعيات السياسية المعارضة.

ومثلا، فإن احتمالات تجميد جمعية وعد” تظل قائمة، إذا رفضت تغيير أمينها العام إبراهيم شريف، المعتقل منذ 17 مارس 2011، فيما سيناريوهات “ما العمل” تجاه “الوفاق” قيد الإعداد.

وأظن أن ذلك التفكير الأمني الأهوج، الذي سيطر على ذهنية الحاكم الخليفي في الثلاث سنوات الماضية، يفتح سيناريوهات عدة ضد أمين “الوفاق”، بعضها خطير.

وأذكّر بأنه في صيف 2012 سجلت محاولة علنية لإطلاق النار تجاه سلمان، كانت يمكن أن تودي بحياته، لولا أن الطلقة أصابت علي الموالي، الذي سقط جريحاً، ويكفي هذه الحادثة لتغيّر من مسار ورؤية الشيخ علي، وتجعله في غير وارد المشاركة في انتخابات يمكن تفسيرها على أنها تتناسى جرح الموالي وأكثر من مئة شهيد سقطوا ضحايا عنف النظام. وأظل أكرر هنا أن من يرى أن بإمكان سلمان التراجع عن مواقف تبناها طوال الشهور الـ 40 الماضية، عليه أن يعيد النظر في ذلك، وأن يقرأ سيكولوجية السياسيين وتجارب قادة الأحزاب.

لن أدعو ولن أوصي بشيء، ويكفيني وصف الحالة موضوعيا بقدر الممكن، وكل يعي تكليفه، لكني انهي بالقول: بأن موقف أمين عام “الوفاق” السلبي من البرلمان المقبل يستند إلى تجربة سلبية مع السلطة زعزعت أي ثقة في رموزها، وعهود قطعها أمام جمهوره يبدو عصيا على من بنى رأسمال تاريخي أن يهدمه مقابل لا شيء، لكني لا أتوقع أن يدرك الملك أنه في حفرة وعليه التوقف عن الحفر، ذلك أن داء العظمة يجعله يمضي في سياسات من المرجح أن تفاقم المأزق في البلاد.

# الورقة نشرت على شكل مقالات في وكالة أنباء البحرين اليوم.

الملحق رقم 1

رسالة الجمعيات المعارضة إلى ملك البحرين، سبتمبر 2014

“بسم الله الرحمن الرحيم
جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة “حفظه الله
ملك مملكة البحرين

كان عام 2001 عامَ الإجماع الوطني على إنهاء حقبة أمن الدولة، وحيث تلاقت تطلعات الشعب مع الحكم في بدء صفحة جديدة تكون فيها المشاركة الشعبية أوسع في اتخاذ القرار عبر مجلس منتخب كامل الصلاحية التشريعية والرقابية وعبر المجالس البلدية ذات الصلاحيات، ومع مضي عام 2001 بدأ تبدد الإجماع الوطني ابتداء من إصدار الدستور بطريقة مختلف على صحتها، وقد جائت التجربة النيابية والبلدية محبطة لطموح الشارع البحريني جميعاً، وكلما مر دور انعقاد زاد كفر الشعب بالتجربة النيابية والبلدية لافتقادها للصلاحيات التشريعية والرقابية، وتلّمس الشعب بيده استمرار الفشل في سياسيات الحكومة المعينة، وتمدد الفساد الإداري والمالي، وتكريس سياسة التمييز والتجنيس المدمر للوطن.

جلالة الملك؛
تزامن هذا الشعور بالإحباط الشديد مع رياح التغيير التي ضربت الوطن العربي ولا زالت، فخرج الشعب معبراً عن تطلعاته التي وصفتموها شخصياً بأنها “مطالب عادلة ومشروعة“.

جلالة الملك؛
إن هذه “المطالب العادلة والمشروعة” لازالت تنتظر الاستجابة من جلالتكم، هذه الاستجابة التي تشكل الطريق الوحيد بعد الله تعالى في إخراج البحرين من هذه الأزمة المستعصية ومن دائرة الأزمات المتكررة، وتُحقق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة للبحرين. وتعيد رسم صورة البحرين ونظامها السياسي وتعيد له الاعتبار الدولي والموشرات الايجابية

جلالة الملك؛
إن بلادنا العزيزة البحرين تعيش وسط إقليم شديد الاضطراب ومرشح لمزيد من العواصف ومهدد بالإرهاب التكفيري، مما يستدعي أكثر من ذي قبل رصّ الصف الداخلي لمواجهة هذه الأوضاع الإقليمية وهذا التهديد، والعمل على انهاء الانقسام السياسي الحاد أو التوافق في الحد الأدنى على إدارته بطريقة متحضرة لا تؤثر على مقدرة البحرين في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعاظمة.

جلالة الملك؛
ان اصدار دستور 2002 بصورة مختلف عليها والتجربة البرلمانية المحبطة في ادوارها الثلاثة الماضية والفشل الواضح لحكومة التعيين قد أدت إلى انقسام سياسي حاد وفاقمت الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإن ذهابنا بدون اجماع سياسي وطني في انتخابات 2014 من الواضح انه سيزيد من هذه الانقسامات ويكرس الازمات مما يجعل البحرين عرضة للتجاذبات والتقلبات الاقليمية وهذا مالا يرغب فيه عاقل محب لوطنه.

جلالة الملك؛

إنّ القوى الوطنية الديمقراطية تمد يدها صادقة وتتمتع بالمرونة الكافية إلى إيجاد توافق وطني يجعل من البحرين نموذجاً ناجحاً في المنطقة، وسيلقى هذا التوافق بمساندة ودعم إقليمي ودولي متعطش لتطورات إيجابية سلمية.

هذا وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير

القوى الوطنية الديمقراطية”

جمعية الوفاق الوطني الإسلامية

جمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد

جمعية المنبر التقدمي

جمعية التجمع القومي

جمعية الإخاء

7.الهوامش

1.الملحق رقم (1)

2.إلغاء بلدي المنامة.. أم الاستئثار بالعاصمة، مركز البحرين للدراسات في لندن، 16 يونيو 2014: http://www.bcsl.org.uk/ar/reports/revoking-the-elected-municipal-council-of-manama-or-an-attempt-to-monopolize-the-capital/

3. البحرين: تعديلات دستورية هشة.. لا تجد صدى محليا او دوليا، مركز البحرين للداراسات في لندن، 29 مايو 2012: http://www.bcsl.org.uk/ar/reports/bahrain-fragile-constitutional/1571-bahrain-fragile-constitutional?showall=1.

المصدر: الانتخابات تضع البحرين على أعتاب أربع سنوات أخرى من التوتر

انشر وشارك

مقالات ذات صلة