abbasbusafwan@gmail.com

المستقبل السياسي لنجل ملك البحرين في مهب الريح

 

1eebbe5c2d9407f891c083f09bc0b8f4_M

ناصر بن حمد آل خليفة

قضت المحكمة البريطانية العليا على آمال الأمير ناصر بن حمد آل خليفة بتبوؤ موقع قيادي رفيع في المؤسسة الحاكمة في البحرين، وذلك حين قررت في 7 أكتوبر الجاري، أن النجل الرابع للملك البحريني لا يتمتع بحصانة دبلوماسية تحول دون محاكمته في قضايا تعذيب مزعومة، تقدم بها مدع يسمي نفسه (ف.ف) إبان الأولمبيات التي استضافتها لندن صيف 2012.

ورغم كل الدعم الذي يلقاه الابن المدلل من والده، فإنه قد يبدو صعبا بعد الآن أن يتولى ناصر في منصب ولاية العهد، أو منصب رئاسة الوزراء، أو حتى منصب وزير الدفاع، وهي المناصب التي يعمل الملك حمد وأعوانه من “الخوالد” (بقيادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد) على تهيئة ناصر إليها منذ عقد خلا، في ظل الشكوك العلنية، الخليفية الغربية السنية الموالية، في قدرة ولي العهد سلمان بن حمد على قيادة حكم آل خليفة إلى بر الأمان. ولهذا السبب أيضا يمكن القول إن ولي العهد يبدو أبرز الشخصيات الخليفية السعيدة بالحكم الصادر ضد أخيه غير الشقيق، المنافس الأبرز له من بين إخوته الستة الذكور، الذين أنجبهم الملك حمد من زوجاته الثلاث (أنظر: الصراع المكتوم: مستقل ولاية العهد في البحرين: http://www.bcsl.org.uk/ar/studies/royal-confilct/1531-royal-confilct?start=6 )

 وبدون مبالغة، يمكن وصف القرار القضائي البريطاني بأنه تاريخي، كونه الأول من نوعه الذي تنتزعه أطراف معارضة ضد إحدى المشايخ الخليجية الوثيقة الصلة بالتاج البريطاني، من دون أن ننسى أن السلطات البريطانية استطاعت تأخير إجراء محاكمة ناصر بتهم التعذيب نحو ثلاث سنوات، ادعت خلالها أن نجل ملك البحرين يتمتع بحصانة تمنع مثوله أمام القضاء، كونه أحد أفراد العائلة الخليفية الحاكمة، وهو الأمر الذي فنّده حكم المحكمة البريطانية الأخير.

ويفتح الحكم القضائي، الذي انتشر في الإعلام الدولي كالنار في الهشيم، الطريق الإجرائي لمحاكمة الابن المدلل للملك في محاكم المملكة المتحدة، ولكن أيضا في المحاكم الأوروبية، ذلك أن حكم المحكمة العليا في لندن، يمكن أن تستند إليه محاكم القارة العجوز في قبول النظر في الاتهامات الموجهة لناصر بالتعذيب، وربما يفتح القرار القضائي البريطاني أيضا فرضية صعبة لكنها جديرة بالدراسة بأن يتم تسليم ناصر إلى شرطة لندن من قبل دول أخرى.

ومع ذلك يتوجب القول، إن الشوط طويل قبل الركون إلى أن ناصر سينتهي به بالأمر في السجن، وأن يلقى القصاص الذي يليق به متهما في قضايا تعذيب، بسبب الثغرات القانونية الكثيرة التي قد ينفذ منها الادعاء البريطاني، فيما العلاقات الخليجية البريطاينة ستكون على المحك للحؤول دون أن تذهب القضية إلى منتهاها في إنصاف الضحايا.

لكن ما حدث حتى الآن يسبب وجعا لا يمكن إخفاؤه للأمير ناصر، ولوالده، وأيضا لعم الأمير ناصر، والد زوجته، محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، ورئيس مجلس الوزراء في الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدعائم التي يرتكز عليها ناصر في أحلامه بدور قيادي في البحرين.

بيد أن الداعم الرئيسي لناصر هو والده حمد، الذي عمل على مدى سنوات على الدفع بابنه الرابع ليكون شخصية معروفة محليا وعالميا، عبر سلة متنوعة من حفلات العلاقات العامة الباهضة الكلفة، والمناصب الشرفية “الرفيعة”. وقد حاولت البروباغدا الإعلامية المثيرة للجدل تلك تقديم ناصر شخصية شبابية  قيادية واعدة، لكن خطأ في التقدير، في ظل هيجان أمني، ورد فعل جنوني ضد المطالبين بالديمقراطية، أصاب أحلام الشاب وأبيه في مقتل.

الخطأ الذي تم توريط ناصر به يتعلق بادعاءات ترتقي إلى التواتر بقيامه بعمليات تعذيب ضد معتقلين سياسيين معارضين لحكم والده الاستبدادي، ويشار هنا تحديدا إلى المعارضين محمد حبيب المقداد، وعبدالله المحروس، المعتقلين منذ مارس 2011، إثر التدخل السعودي إلى البحرين، واستخدام القوة لفض اعتصام دوار اللؤلؤة (14 فبراير – 16 مارس 2011)، والقيام بعمليات تعذيب مشينة على نطاق واسع إبان حالة الطوارئ (15 مارس – 30 مايو 2011).

وقد يقول قائل ان ادعات المحروس والمقداد لا تستند إلى شبهات من جماعة معارضة، وهنا يأتي الخطأ الأكبر الذي قام به ناصر، حين تحدث علنا، بمبادرة منه، على تلفزيون البحرين مهددا بالانتقام من المنادين باسقاط النظام، (http://www.youtube.com/watch?v=ioEkV_XWfNc).

ليشكل ذلك معطى ماديا جليا شجع المحامين البريطانيين المرموقين لقبول الترافع في قضية وجدوا لها أساسا متينا.

وصحيح أن الموقف المتشدد الذي ابداه ناصر ضد دعوات الديمقراطية، قد عزز تحالف الشباب الغر مع قوى العسكر والخوالد ومواقع النفوذ في النظام، وكذا مع المتطرفين من الموالين، ومع جمعيات الأصالة وتجمع الفاتح، والأهم مع السعودية قائدة الثورات المضادة، بيد أن ذلك قدّم ناصر على المستوى الدولي على أنه شخصية متهورة، وغير قادرة على ضبط انفعالاتها، ويمكن أن تقتل في وضح النهار، وتسفك الدم أمام عدسات التلفزيون، في حين ينصح المستشارون الغربيون أصدقاءهم الخليفيين بالقمع بطريقة أقل علنية ووضوحا.

ولعله لم يبق أمام الملك حمد الآن إلا القبول بالهزيمة، والتخلي عن آماله بأن يكون لابنه المدلل مكان في مملكة أراد أن تكون برأسين: رأس ولي العهد سلمان، ورأس ناصر. بيد أن ذلك لا يعني مطلقا أن الدرب صار مفروشا لولي العهد، الذي لا يحظى بثقة الموالين السنة، ولا يجد في المؤسسة العسكرية سندا بيّنا.

المصدر: المستقبل السياسي لنجل ملك البحرين في مهب الريح

انشر وشارك

مقالات ذات صلة