abbasbusafwan@gmail.com

المقاطعة تغيّب مؤقتا الثنائيات المعارضة.. لكن لا تنهيها

لعله منذ 2002، لم تشهد المعارضة توحّدا كالذي تشهده إزاء مقاطعة الانتخابات الحكومية المرتقبة في نوفمبر المقبل. لا أود أن أنكأ الجراح بالحديث عن الخلافات السابقة، لكن إشارة سريعة ستذكّر بأن الصراعات البينية طالما كانت لازمة لنشاطات الفرقاء المعارضين، استنزفتهم كثيرا، وأفاد النظام منها أكثر. وسهّل عليه ذلك تسويق مشروعه وكأنه صيغة إصلاحية، كما سهّلت تلك الخلافات قيام النظام بضرب الجماعات المعارضة التي اتخذت منذ البداية خيارا رافضا للمسار الذي تشكل منذ 2001. باختصار لقد أدت تلك الصراعات الصاخبة، التي انتقلت إلى الجمهور، والإقليم، إلى زيادة الخلل “الاستيراتيجي” لصالح النظام على حساب المعارضة، التي باتت معارضات.

في 2002، بينما تبنى الشيخ علي سلمان، أمين عام “الوفاق” فكرة المشاركة في الانتخابات، اختار رئيس اللجنة التحضرية لتأسيس “الوفاق” الأستاذ عبدالوهاب حسين خيار المقاطعة. دخل الرجلان تحديا مريرا في السنوات اللاحقة في ضوء هذا الخلاف، والخلافات غير الظاهرة إبان الانتفاضة في التسعينيات، ولم يكن يرصد خلاف يذكر بين سلمان وحسين بشأن التصويت على الميثاق، لكن حسين تم تحميله مسئولية التصويت على الميثاق، الذي قاد إلى إصدار دستور 2002، وخطاب كهذا سيظل يستخدم ضد حسين من بعض أطراف الوفاق.

ورغم اتخاذ قرار رسمي بمقاطعة انتخابات 2002، لم تتوحد القوى الوفاقية تجاه ذلك القرار، وبدا أن المزاج الوفاقي منقسم للغاية، بين رأي الرمزين حسين وسلمان. اتضح ذلك بجلاء في الفعاليات التي ارتسمت تحت عنوان اسقاط دستور 2002. صحيح أن المعارضة تتوحد في رفض الدستور الذي أصدره الملك حمد من طرف واحد، لكنها تختلف في التعاطي مع إفرازاته، هذا الخلاف تفاقم بصورة حادة في أكتوبر 2005، حين قررت الجمعية العمومية للوفاق التسجيل ضمن قانون الجمعيات السياسية، كمقدمة للمشاركة في انتخابات 2006.

التحدي بين سلمان وحسين بات علنيا. كان أشبه بتحدٍّ على اثبات الذات والرؤى والجماهيرية. وقد “فاز” حسين بجولة 2002 بحسم خيار المقاطعة، بينما “حسم” سلمان الموقف لصالحه في 2006، بتصويت الوفاق للمشاركة في الانتخابات التي كان يتحمس لها.

لكن بينما تمالك الشيخ علي قواه وبقي داخل الوفاق، رغم تصويت الجمعية العمومية ضد رؤيته في 2002، فضّل الأستاذين حسين ومشيمع الاستقالة، في 2005، من الجمعية التي كانت تأسست في 2001، لتجمع شتات التيار الإسلامي الشيعي، لكنها أخفقت في ذلك، على ما يبدو، وهو اخفاق تتحمله النخبة الشيعية من مختلف الاتجاهات.

مضت الوفاق نحو المشاركة في البرلمان، على اعتباره أنه أداه لاختبار فرضية الإصلاح من الداخل، بينما اختار حسين ومشيمع الدعوة لتقرير المصير وكتابة دستور جديد منذ 2005.

مضى سلمان متسيدا المشهد الوفاقي بلا منازع، بينما أسس مشيمع حركة حق في أكتوبر 2005، وأسس حسين تيار الوفاء في 2009، لخلق جبهة “شرعية/ علمائية” لتيار المقاطعة، وهو أمر استفز كثيرا قيادة الوفاق التي ترى في آية الله عيسى قاسم مرجعية رائدة.

لاحقا، سارت الأوضاع المعارضة نحو الأسوأ، وبينما كانت الوفاق تواجه غول الحكومة من تحت قبة برلمان كسيح، وفق نظرية “فن الممكن”، تم اعتقال مشيمع وعبدالجليل السنكيس والشيخ محمد حبيب المقداد في يناير 2009، وفي 2010 تم اعتقال 23 ناشطا، بما فيهم السنكيس والمقداد، لكن ذلك لم يمنع مشاركة الوفاق في انتخابات 2010، كدليل على حجم الهوة بين أطراف المعارضة، وهو “نصر” آخر ترى الوفاق أنها حققته في 2010 بدخول البرلمان رغم الوضع الأمني المختنق.

واعتبرت جماعات اسقاط النظام أنها “انتصرت” في 2011 حين تجمعت الجماهير بعشرات الآلاف في دوار اللؤلؤة، وقد اتضح عقم النظام السياسي، وتوّج ذلك بتقديم النواب الوفاقيين الاستقالة من البرلمان بعد الضربة الأمنية العنيفة للمحتشدين في الدوار.

وعلى عكس ما يشاع، فإن الخلافات إبان اعتصامات الدّوار لم تنته، بل لعلها تفاقمت على نحو غير مسبوق، بإعلان تيار المملكة الدستورية وتيار تحالف الجمهورية، والوثائق التي تعبر عن كل طرف، وعلى الأرجح فإن هذا الانقسام سيحكم مسارات المعارضة طويلا.

إن المرحلة الحالية (أكتوبر/ نوفمبر 2014) تبدو استثناء، فالجميع متفق على المقاطعة، وقد خفت الصراعات بين الأطراف، التي يريد كل منها إنجاح المقاطعة لأهداف مختلفة، ومع ذلك فإن غبطة الجمهوريين لمقاطعة الوفاق للانتخابات لا يمكن أن تخفى، فذلك “نصر” جديد يضاف إلى “نصر” 2002، و2011، في قبال “انتصارات” الوفاقيين في 2006، و2010!

ولذا، ورغم ما يبدو من توافق على المقاطعة، فإن الخشية جدية من أن يكون هذا التحالف مؤقتا، وأن عقده سينفرط بعد 22 نوفمبر المقبل. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المقاطعة الحالية لم تتم بعد تشاور بين الجمعيات السياسية وتحالف الجمهورية، وغني عن القول إن المقاطعة الوفاقية تخضع إلى حسابات داخلية وخارجية معقدة، بينما يقول الجمهوريون أنهم تجاوزوا ثنائية المقاطعة/ المشاركة، منذ اختاروا تأسيس هياكل تنظيمية بعيدا عن قانون الجمعيات.

وترى الوفاق إن مسألة المقاطعة، أو أي إجراءات مضادة للنظام لا تحتاج إلى توافق مع جماعات اسقاط النظام، فيما لا يمكن التنسيق معهم في الخطوات التصالحية مع النظام، لأن الجمهوريين يرفضون النظام كليا.

ويعزز ذلك القول بأن الخلافات ستبرز على السطح بمجرد انتهاء الانتخابات التي توحد المختلفين، ذلك أن الوفاق قد تستأنف اللقاءات مع الجهات الحكومية مطلع العام الجديد، إذا ما وجهت لها دعوة بذلك، وقد تبادر من تلقاء نفسها بطلب الحوار، كما تدعو دائما. ويعيد ذلك المعارضة إلى المربع الأول، في ظل تمسك تحالف الجمهورية برفض التواصل مع النظام، ومؤسساته السياسية والأمنية.

العقدة حقيقية إذا، وطوال السنوات الأربع الماضية لم تُجر الجماعات المعارضة أية حوارات جدية بشأن تنسيق عملها. وصحيح أن الجمهوريين يرحبون بحوار معارض معارض، لكن الوفاق ترفض ذلك عمليا لسبب تراه وجيها، إذ تعتقد أن الأرضية التي يستند إليها جماعات الاسقاط لا تساعد في انضاج رؤية عملية، كما تعتقد الوفاق أن أي اتفاق مع الجمهوريين قد يحد من مساحتها التفاوضية.

لقد أضرت الحرب البينية بالثقة بين أطراف المعارضة، وهذا يستدعي نقاشا هادئا، لست متفائلا بحدوثه، لكني سأظل أدعو له، تفاديا لعودة الثنائيات التي حكمت المشهد المعارض طوال السنوات الأربعة عشر الماضية، وما استفاد منها إلا النظام، وما انتصارات المعارضات على بعضها البعض إلا تأكيدا لعقم الحالة الراهنة .

إن الحاجة ماسة جدا، اليوم قبل الغد، لحوار معارض معارض، طويل النفس، بوجود وسيط موثوق، يفضي إلى تقارب الرؤى والاستيراتيجيات، فالوحدة شرط لازب ولازم وثابت لانجاز انتصار حقيقي.

المصدر: المقاطعة تغيّب مؤقتا الثنائيات المعارضة.. لكن لا تنهيها

انشر وشارك

مقالات ذات صلة