abbasbusafwan@gmail.com

هل تمضي الحكومة في حل “الوفاق” واعلانها منظمة إرهابية؟

تنطلق الإجراءات الحكومية ضد “الوفاق“، كبرى جمعيات المعارضة، من فرضية الحاجة إلى إحداث التغيير في الجسم المعارض ليكون أكثر استجابة وتماشيا مع برنامج السلطات الخليفية. وتعتقد السلطة إن “الوفاق” أمام خيارين: إما أن تحدث تغييرا في قيادتها Change management، وتفرز قيادة جديدة أكثر مرونة، أو إن عليها الخروج من اللعبة السياسية   Change or get out of the way، وهذه مصطلحات شائعة في علوم الإدراة، وقطاع الأعمال.

يتنبى تلك النظرية الديوان الملكي، ويعمل حثيثا على تطبيقها مستخدما أدوات متنوعة، بما في ذلك ولي العهد الأمين لنهج والده وكبير مدير العلاقات العامة للنظام، والقضاء الذي بات إدارة حكومية صرفة، والغرب الداعم للنظام عمليا والمجامل للمعارضة لفظيا، وبطبيعة الحال اليد الغليظة والحل الأمني الذي تعتمد عليه العائلة الخليفية في إدامة حكمها في ظل فقدانها المشروعية الشعبية.

تلك التوجهات المتشددة انتهت إليها السلطات في ضوء تمسك “الوفاق” وقيادتها الدينية والسياسية بمقولاتها منذ 2011، رغم محاولات أمين عام كبرى جمعيات المعارضة الشيخ علي سلمان ابداء مرونة لفظية كبيرة، وتكيّف أكثر تجليا في الإطار الإجرائي (شكل طاولة الحوار المختلة لصالح النظام مثلا)، وتفهم علني لرغبة السلطات في علو سياساتها القانونية أو ما يسمى هيبة الدولة (عدم تسيير تظاهرات إلا بتوافق مع السلطة مثلا)، وتفادي استهداف رأس الدولة (رفض شعار يسقط حمد مثلا)، لكن جوهر المطالب (برلمان كامل الصلاحيات، حكومة معبرة عن الإرادة الشعبية) ظلت على الطاولة، على الدوام.

لقد اختبرت السلطات خلال السنوات الثلاث الماضية فرضية تشكيل قوة سياسة شيعية تكون بديلا أو منافسا لـ “الوفاق”، واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الفكرة غير قابلة للتحقيق، وإن الذين روّجوا لذلك، من المحسوبين على المعارضة يوما، قد فشلوا فشلا ذريعا في تكتيل شخصيات ليبرالية أو محافظة تتولى زمام المبادرة لإعلان جمعية سياسية جديدة.

وحين رفع البعض شعار عدم جواز أن تحتكر “الوفاق” تمثيل الطائفة الشيعية، لم يجد هذا التبرير أرضية للولوج إلى قلب الشارع. والحقيقة هي إن الطائفة الشيعية، التي تمثل الأغلبية السكانية في الجزيرة الصغيرة ، منقسمة أصلا بين تيار صغير موالي للنظام (تيار الشيخين العصفور والمدني رحمهما الله)، وتيار يطالب بتحول البحرين لجمهورية، فضلا عن تيار “الوفاق” الأكثر بروزا في البلاد.

أما خيار أن تنتخب “الوفاق” بديلا للشيخ علي سلمان، يكون مسايرا لخطاب النظام، فلم يجد له من يروجه، سواء تحت شعار الحاجة إلى دماء جديدة في الجسم الوفاقي، أو تحت مقولة الحاجة إلى تطبيق تداول السلطة داخل “الوفاق”.

وفي هذا الإطار، فإن أكثر ما تحقق هو مزيد من عزلة  بعض “الليبراليين” والمحافظين في الوفاق، وانزواءهم، من دون أن يمنع ذلك تبرمهم من النهج القائم الذي يصفونه عقيما وشعاراتيا وغير عملي، لكن دون أن يتحول ذلك التبرم إلى موجة علنية، في ظل مزاج شعبي يزداد رفضا لسياسات الحكومة، ولا تجد إدراة الوفاق بسببه بدا من التمسك بخياراتها.

وبفشل تلك الخيارات، تمضي السلطات في بدائلها الأخرى، محاولة اخراج الوفاق من تحت مظلة قانون الجمعيات السياسية، الذي تم تدشينه يوما من أجل اجبار القوى المعارضة على العمل تحت مظلة دستور 2002، وقد أدى ذلك إلى انشقاق تيار تقرير المصير من الوفاق، بقيادة الأستاذين عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع.

ولذا، فإن خطاب الموالين للشيخ علي سلمان يجادل في رده على السلطة، بأن استهداف نهج “الوسطية” الذي يعبر عنه سلمان، لن يعني مزيدا من الاعتدال الشيعي، بل لعله يزيد من قوة تيار اسقاط النظام، الذي أعلن في دوار اللؤلؤة، وليس في لندن كما يعتقد البعض.

من هذه الزاوية، وفي ضوء الإعلان عن تجميد عمل “الوفاق” لمدة ثلاثة اشهر، وإذا افترضنا أن النظام قد يمضي في خطوات أخرى للضغط على الجمعيات المعارضة التي تقاطع الانتخابات المرتقبة في 22 نوفمبر المقبل، وبالنظر إلى تبادل الدول الاستبدادية في الإقليم لاستيراتيجيات العنف، يقدّر البعض أن السلطات الخليفية قد تمضي في حل “الوفاق” وإعلانها منظمة إرهابية، كما فعلت مصر العسكر ضد الإخوان المسلمين.

ورغم إن البعض يشكك في ذلك، فإن حجم التحدي الذي يواجه السلطات بسبب رفض الجمهور المعارض التخلي عن أمله في العدالة والمساواة، يدفع السلطة لوضع كل الخيارات على الطاولة، من دون استبعاد أي خيار، حتى مع الإقرار الحكومي بأن هذه التكتيكات لا تجلب الاستقرار، لكنها تقلص القوة المعادية للنظام.

حتى اللحظة، لا مؤشر على جنوح النظام نحو حل تفاوضي، في ضوء تمسك القوى المعارضة بسقف مطالب يراه النظام عاليا، ولذا فإن السيناريوهات الأسوأ تظل تحوم حول البلاد، فكل خيارات النظام على الطاولة، ولعل هذا يستدعي أن تكون كل خيارات الشعب على الطاولة أيضا.

المصدر: هل تمضي الحكومة في حل “الوفاق” واعلانها منظمة إرهابية؟

انشر وشارك

مقالات ذات صلة