abbasbusafwan@gmail.com

خطاب عاشوراء: هل تدشن الوفاق برنامج الفراق مع الملك؟

“كل من يحاول الوقوف ضد (الإمام الحسين)، أخذ طريقه إلى مزبلة التاريخ، (حسين كامل) حارب مشهدَك، وسرعان ما قُتل شرّ قَتله، ولحق به صدام حسين الذي منع زيارتك وضيّق على معزيك، وسيلحق به كل من يتعدى عليك. إن رايتك (الحسين)باقية خفاقة وتسقط راياتهم واحدة تلو الأخرى، ويتجاوزهم الزمن. كل من يحاول أن يسقط لك راية، فسيسقط هو، وستبقى رايتك عالية خفاقة في البحرين وفي كل أرجاء المعمورة”. (أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان، خطاب عاشوراء، المنامة 3 نوفمبر 2014)

المتحدث

لم يكن ذاك كلام خطيب في مأتم حسيني مفجوع بما ألّم بالحسين وأهل بيته من مصائب؟ ولا هو بكلام سياسيٍّ مهووس بالأضواء، أو حديث عهد بالسياسة.. إنه كلام لرجل في قلب الحدث السياسي منذ مطلع التسعينيات، والذي بات يتصدر الواجهة الرئيسية للمعارضة منذ اختير أمينا عاما للوفاق في 2001. وبطبيعة الحال، فإنه لم يعد أمينا عاما للوفاق فحسب، بل زعيمها بلا منازع، ويمكن أن أضيف إلى ذلك المكانة المرموقة التي يتمع بها سلمان في الأوساط المختلفة، بنفسِه المعتدل والمنفتح.. لذا فإن كلامه ليس ثرثرة لسان لا يعتد به.

المناسبة

ذاك فيما يخص المتحدث، أمّا فيما يخص المناسبة التي أعلن فيها الكلام المثبت أعلاه، فهي ليست اجتماعا داخليا، وغير معلن يقال فيه ما يراد، ولا هي بمناسبة عابرة، أو مفاجئة.. ولا بندوة إعلامية، أو نخبوية، ولا هي مناسبة سياسية تقليدية.. إنها أهم المناسبات الدينية في البلاد على الإطلاق وبلا منازع (ليلة العاشر من محرم)، والتي تستعد لها كل مؤسسات الدولة الأساسية، فيما تكاد تنحصر الجهود الشيعية خلال الأيام العشرة من شهر محرم الحرام في احياء الشعائر واخراجها بما يليق بثورة ابن بنت رسول الله: الحسين (ع) ومكانته العظيمة في نفوس المسلمين.. من هذه الوجهة، فإن ما يقال في الصلاة المركزية من على منبر عاشوراء، من قبل زعامة الطائفة الشيعية، التي تمثل الأغلبية السكانية في البلاد، يتجاوز أهميته بكثير أي حديث أو بيان سياسي معتاد.

المكان

هناك بعد آخر يتعلق بأهمية الكلام الذي أدلى به أمين عام الوفاق في ليلة عاشوراء، تتعلق بالمكان: قلب المنامة. وأزعم أن مناسبة عاشوراء تكاد تكون المناسبة الوحيدة التي يتسنى فيها لقيادات المعارضة السياسية في البلاد حشد جماهيرهم في العاصمة، ذلك أن السلطات تمنع تنظيم أي تجمع في المنامة.. وهذا الأمر (الثالث) يعطي خطاب عاشوراء ميزة عن أي خطابات أخرى.

التوقيت

يأتي الخطاب في ظرف سياسي حساس للنظام والوفاق. فالنظام يجري انتخابات يريد من خلالها استعادة شرعيته المفقودة، فيما يصر سلمان على أن الانتخابات فاشلة كليا، وأن أي إجراءات أحادية الجانب غير مقبولة.. وهذا ما يجعل النظام يلوح بحل الوفاق، ويظهر من خطاب عاشوراء أن ذلك التهديد لا يؤرق سلمان، أو يعيقه عن عمله، فقد بدا متحديا، قائلا: إنه صوت المعارضة سيعلو مهما كانت الضغوط، و”الشعب سوف ينتصر”.

الأرضية

لفت نظري الثقة والهدوء التي تحدث بها الشيخ علي، دون بيت زجاجي. ولا أدري إن كان عند سلمان أرضية لا نعلمها، لكن من دون شك، فإن الصمود الشعبي فاق كل تصور، فيما الدعم الإقليمي لسلمان لا يخطئه حتى الأعمى، ويكفي ذلك كي يبدي سلمان كل هذه الصلابة ويتحدث بلغة الواثق في النفس والشعب والشركاء.

المضمون

لا يسمح المجال بالتفصيل أكثر، سواء فيما سبق من نقاط، أو فيما سيأتي. وباختصار، أقول: إن خطاب سلمان يكاد يكون قد لامس مختلف الوجع في البلاد: المطالب السياسية، التداعيات الحقوقية، ورسائل إلى مختلف الأطراف الداخلية والخارجية.

وتكاد الخلاصات المهمة عن حال البلاد، التي انتهى لها سلمان، ترسم طريق افتراق واضح مع رأس النظام، وكأنها تقول للملك حمد: العاصفة قادمة إذا لم تقم بإنجاز الإصلاح، وإذا كان عند النظام قوى إقليمية يرتكز عليها، فللمعارضة أصدقاء إقليميين لا يمكن تجاوزهم، ولعل هذا جانب جدير بالاستفاضة مرة أخرى.

أما مسألة أن سلمان يقصد رفع مقولة أو مطلب “يسقط حمد”، حين قال: فلتسقط راية كل من يُسقِط راية الحسين، فجوابي: إن الفراق مع الملك صار واقعا فعلا، بل وقد تحوّل برنامجا سياسيا منذ تم رفع شعار المملكة الدستورية التي تحيل صلاحيات رأس الدولة إلى المؤسسات المنتخبة، ومسألة أن يتصالح أمين عام الوفاق، وملك البحرين، الندين الآن، بل الخصمين اللدودين، فيبدو صعب المنال، ولذا ليس المهم ما قاله سلمان، بل ما لم يقله، وعلينا أن ننتظر رد فعل الملك، الذي لم يظهر حكمة، إلا وتكشّف إنه يبغي الفساد والإفساد.

المصدر: خطاب عاشوراء: هل تدشن الوفاق برنامج الفراق مع الملك؟

انشر وشارك

مقالات ذات صلة