abbasbusafwan@gmail.com

البحرين في ظل رئيس وزراء معمّر: القضاء والقدر لا يحل محنة الاستبداد

حتى رئيس تجمع الوحدة الوطنية د. عبداللطيف المحمود يعتقد أن ملك الموت (عزرائيل) بيده اخراج البحرين من أزمتها الخانقة، عبر أخذ روح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة.

المحمود عبّر عن هذا الرأي في خيمة المناضل الوطني الراحل عبدالرحمن النعيمي، الزعيم التاريخي لحركة “وعد”، أثناء استقبال النعيمي لضيوفه المهنئين بعودته من منفاه، في فبراير 2000.

ومما أشار إليه المحمود في كلمته تلك، التي ألقاها على الملأ، إن البحرين مرت بظروف صعبة، ويفترض أن تصبح في وضع أفضل، بعد أن قبض ملك الموت روح “واحد”، يقصد الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي وافاه الأجل المحتوم في مارس 1999، وقد فتح رحيله الأمل بأن تكون الشعارات الإصلاحية التي يرفعها حمد بن عيسى آل خليفة قد تجد طريقها للتنفيذ، حينها كان حمد أميرا، ولم يعلن نفسه ملكا بعد، وقد ساد شعور استثنائي بدخول البلاد مرحلة جادة من المصالحة الوطنية، بيد أن ذلك الحلم البحريني قد انقلب كابوسا.

وأضاف المحمود، في كلمته التي ألقاها بدعوة من النعيمي، بأن البحرين لن ترتاح، على نحو كامل، إلا إذا زارها ملك الموت مرة أخرى، و”أخذ روح بعض الناس”، مشيرا بذلك إلى رئيس الوزراء، الذي كان الحاكم الفعلي للبلاد.

الحضور كان كبيرا في الخيمة التي نُصبت في منطقة عراد، ليس بعيدا عن منطقة الحد التي يقطنها المحمود. وكان من بين الحاضرين عبدالله مطيويع، وعبدالنبي العكري، والكثير من قيادات تنظيم “وعد” (إبراهيم شريف يفضل تسمية تنظيم على جمعية)، ولست متأكدا إن كان المحامي المعروف عبدالله هاشم حاضرا الجلسة، وقد كان قياديا بارزا في الجبهة الشعبية التي ورثتها “وعد”، وأنا أذكر أسماء بعض الحضور كشهود لحادثة لا ينساها العشرات ممن تواجدوا في الخيمة العامرة بالنقاش الوطني.

في أكتوبر 2004، مضى الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجه أبعد من ذلك، ورفع يديه بالدعاء: اللهم من كان في موته فرج لنا ولجميع المؤمنين فأرحنا منه وأبدلنا به من هو خير لنا منه، وذلك في مداخلة شهيرة، ألقاها في نادي العروبة، حمّل فيها رئيس الوزراء مسئولية الفقر في البحرين، ودعا إلى إزاحته وموته. ورغم أن دعوة الموت مثيرة للجدل، وقد لا يتفق حولها البعض، بيد أن ذلك الطلب/ الدعاء/ الرغبة كان ولا يزال مزاجا عاما في البحرين، يتفق بشأنها د. عبداللطيف المحمود وعبدالهادي الخواجه، رغم اختلافها في كل شيء آخر تقريبا.

افتح قوسين هنا لأقول: إن الخواجه كان حقوقيا استثنائيا، وقد استثمر الإطار الحقوقي للإعلاء من شأن الأهداف السياسية المشروعة لشعب البحرين، في العدالة والمساواة وتداول السلطة، وليس كما يفعل بعض الحقوقيين، الذين يكاد بعضهم لا يقول ولا يفعل شيئا ابداعيا، خارج إطار النص الجامد للمواد الحقوقية. أما الخواجه، الذي يتوجب دراسة تجربته، فحين شعر أن الإطار الحقوقي يعيقه عن عمله، رمى ببطاقته الحقوقية جانبا، وانخرط في اعتصامات 14 فبراير العارمة. وأظن بأن فهما تقليديا لحقوق الإنسان يسود في البحرين، يحتاج كسر تابوهاته إلى انتفاضة بل ثورة، من دون أن ننكر وجود نماذج حقوقية بارزة ويشار لها بالبنان.

أعود إلى رئيس الوزراء، حيث يشغل وضعه الصحي بال الكثيرين، معتقدين أن رحيله بفعل قرار إلهي قد يريح البلاد والعباد، ويفتح أفقا للتسوية السياسية في البحرين.

ويكاد يكون هذا التصور محل إجماع داخل العائلة الحاكمة، والموالين، والمعارضين، والإقليم، والغرب، فالكل يرى في تدخل القضاء والقدر وأخذ أمانة رئيس الوزراء مخرجا مهما للحالة المتأزمة في الجزيرة الواقعة في منطقة استيراتيجية.

حسنا، بداية أدعو للجميع بطول العمر، ورغم إني افترض أن رحيل رئيس الوزراء، بقرار سماوي أو أرضي، قد ينفّس الاحتقانات الراهنة، فإني أشكك في أن يشكل ذلك مدخلا استثنائيا لأفق أرحب للبحرين، وذلك للأسباب التالية (باختصار):

أولا، إن رئيس الوزراء ليس صاحب سلطة تذكر في البلاد، وقد كتبتُ عن ذلك الكثير، خصوصا في كتابي “بنية الاستبداد في البحرين: دراسة في توازنات النفوذ في العائلة الحاكمة”، الذي بُني على فرضية أن حمد، وليس خليفة، هو المأزق والإشكال، باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد، وليس رئيس الوزراء، كما يحاول البعض التصوير.

ثانيا، لما كان الأمر كذلك، فإن رحيل رئيس الوزراء قد يخلق تنفيسا مهما وضروريا للوضع الملتهب، لكنه يظل تنفيسا مؤقتا، فرحيل خليفة لا يغير بنية النظام الدستوري، حيث السلطة مركزة في يد رأس الدولة، وليس في يد رئيس الوزراء، بعكس الحال في دستور 1973، الذي يمنح مجلس الوزراء “هيمنة” على سياسات الدولة، وقد تحول مجلس الوزراء في ظل حمد إلى لجنة تنفيذية لا أكثر، فيما القرار قابع في القصر.

ثالثا، إن بنية الاستبداد عميقة الجذور، ومتأصلة داخل هياكل العائلة الحاكمة، متجاوزة الأشخاص، إنها أشبه بمرض مزمن، عضال، وشائع في أوساط النخبة الحاكمة.

رابعا، إن المطلب الشعبي طموح، بل يكاد يطيح بالحكم من يد العائلة الخليفية، حيث تطالب المعارضة بحكم الشعب، وليس الشراكة في السلطة.

ومع ذلك، فإن رحيل رئيس الوزراء قد يفتح بابا للتنفيس، لكنه يفتح أبوابا كبرى للسلطة، ولداعميها الإقليميين والغربيين، قد تكون أشبه بأبواب جهنم ضد الشعب، وذلك عبر المضي في مزيد من تمييع الوضع الراهن، من خلال حوارات العلاقات العامة والإجراءات الشكلية.

كما قد يمنح رحيل خليفة بعض المعارضة فرصة الولوج في بعض المسارات المسماة إصلاحية، تحت دعاوى اختبار التغيير المقترح، أو عبر ادعاء أن رئيس الوزراء كان مشكل البلد الجوهري، فيما الحقيقة الساطعة أنه بعد: 15 عاماً من حكم الملك حمد: البحرين في حالة يرثى لها.

إيمان الأمة البحرينية بالله وقضائه عميق وأصيل، لذا ليس غريبا على البحرينيين الاعتقاد بأن القضاء والقدر، وحده سيكشف الغمة عن هذه الأمة، فيما النص القرآني واضح بـ “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفهسم”، فيما تفيد التجارب أن تغيير الحكام ورؤساء الوزارات والوزراء والمدراء لا يغير الشيئ الكثير، إلا إذا استند تبديل الأشخاص إلى منهج جديد.

المصدر: البحرين في ظل رئيس وزراء معمّر: القضاء والقدر لا يحل محنة الاستبداد

انشر وشارك

مقالات ذات صلة