abbasbusafwan@gmail.com

نواب 2014 بلا أحزاب أو قيادات شيعية أو إخوانية أو سلفية.. مفعم بالولاء للحكومة ويدار برموش العي

لا يقتصر الغياب في مجلس النواب المقبل على القيادات الوفاقية (جمعية الوفاق = كبرى جمعيات المعارضة) والوعدية (جمعية وعد = الشريك الأبرز للوفاق)، وإنما يمتد إلى القيادات السلفية والإخوانية الموالية للنظام، والتي تغيب هي الأخرى عن المشهد الانتخابي والنيابي لأنها أصبحت “ورقة محترقة”!بنظر السلطات.

كما تغيب الأحزاب السياسية عن البرلمان المرتقب، وهي (الأحزاب) التي يفترض بها تولي العمل النيابي، بحسب ما هو سائد في الدول الديمقراطية (البحرين ليس من بينها حتما)، فيما يتوقع أن يسيطر المستقلون على مجلسي الشورى (40 عضوا معينا) والنواب (40 عضوا منتخبا، لكن السلطات تتحكم في عملية الانتخاب عبر المال السياسي، ورسم الدوائر، والتحكم بالقوانين والعملية الانتخابية برمتها).

ويطرح ذلك سؤال متجددا عن الطريقة التي تستخدم بها العائلة الخليفية الحاكمة الجماعات الموالية لتنفيذ أغراضها، كما يطرح سؤالا عن الكيفية التي تنظر بها السلطات إلى أحزاب المعارضة، والتي في ظني لا تختلف في جوهرها عن نظرتها للموالين. فالجميع (موالين ومعارضين) يؤدون أدوارا في منح العائلة الحاكمة شرعية مفقودة، وتدرك المعارضة ذلك كما الموالين، لكن في حين يختار المعارضون مقاطعة الانتخابات، يفضل الموالون التحالف مع النظام القائم، عوضا عن البحث عن تسوية توافقية، خشية أن تمنح المهمشين الشيعة أدوارا في النظام السياسي على حساب الموالين السنة، وفي ذلك تسجيل متواصل لفشل القطاعات الشعبية في التحالف ضد الأحادية الخليفية السائدة.

تغييب أم غياب الإخوان

تغيب أبرز ثلاث شخصيات إخوانية عن المشاركة في الانتخابات، وعن مجلس النواب 2014، وهم: علي أحمد، رئيس جمعية المنبر الإسلامي (الذراع السياسي الإخواني في البحرين، ذراعها الديني: جمعية الإصلاح)، ورئيس كتلتها النيابية في البرلمان المنتهية ولايته، كما يغيب رئيس الجمعية السابق د. عبداللطيف الشيخ، وكان خسر مقعده في انتخابات 2010.

الشخصية الإخوانية الثالثة التي تغيب عن مجلس النواب: صلاح علي، الذي ترأس جمعية المنبر في بداية تأسيسها، وتحطمت آماله في الحصول على ترقية أكبر في الحكومة، بعد أن فشل فشلا ذريعا في إدارة وزارة حقوق الإنسان، التي تولى مهامها منذ 2012، في محاولة رسمية يائسة لتحسين صورة الأوضاع الحقوقية، في الجزيرة المنكوبة.

ويعد علي أحد أذرع وزير الديوان الملكي المتشدد خالد بن أحمد. وكان علي عضوا في مجلس النواب في دورتين متتالين (2002 ــ 2010)، وعين عضوا في مجلس الشورى في 2010، بعد استحالة انتخابه، في ضوء تدهور شعبيته، ونمو قدراته المالية دون مبرر واضح، في بلد لا يرتفع فيه شعار: “من أين لك هذا؟”.

في ابريل 2012، عٓيّن ملك البحرين صلاح علي وزيرا لشئون حقوق الإنسان، في خطوة تقديرية للإخوان المسلمين على مساندتهم المستميتة للنظام الخليفي ضد مطالب الإصلاح والديمقراطية. كما اعتبر ذلك التعيين تقديرا شخصيا ل علي، نظير “الخدمات الجليلة” التي قدمها للأسرة الحاكمة.

ويرجح البعض أن يخسر علي منصبه في التعيينات الحكومية المرتقبة في ديسمبر المقبل (٢٠١٤)، في ظل بورصة تعيينات من المتوقع أن تزداد سخونة بعد الانتخابات النيابية، التي تتسم بالبرودة الشديدة، لأسباب تتعلق بغياب المنافسين، وأخرى تعود إلى فقدان الجمهور الموالي الثقة في قدرة البرلمان بغرفيته (النواب والشورى) على إحداث فارق في حياة الناس ومستقبلهم، فيما لا ترى المعارضة جدوى من البرلمان المحدود الصلاحيات، وتطالب ببديل نيابي حقيقي، وترفض المشاركة في “انتخابات الدم”، على حد وصفها، في إشارة لعنف السلطات العاري ضد معارضيها.

وتقديري، بأن غياب الشخصيات الإخوانية الثلاث المذكورة وغيرهم، لا يُعزى إلى الضربات الموجعة التي تلقاها تيار الإخوان المسلمين في المنطقة، ذلك أن إخوان البحرين تيار موالٍ تقليديا للنظام، وقد وقف بقوة مع الحل الأمني الذي اتبعته السلطات الخليفية في كل المراحل السابقة، بما في ذلك تأييد التدخل العسكري السعودي في المنامة، واقتحام دوار اللؤلؤة (فبراير ــ مارس 2011)، وقتل المعتصمين السلميين، وما أعقب ذلك من عمليات قمع يندى لها الجبين. (راجع: الإخوان المسلمون البحرين.. النموذج المرضي عنه عربيا )

الأمر المهم الآخر، أن الثقة الشعبية في المنبر الإسلامي تعرضت للاهتزاز الكبير قبل اندلاع ما سمي بـ “الربيع العربي”، فقد حصلت الجمعية الإخوانية، في انتخابات 2010، على نسبة 4,2 في المئة من أصوات الناخبين، سجلت لصاح نائبيها السابقين علي أحمد ومحمد العمادي، فيما خسر مرشحو الإخوان الآخرين: عبداللطيف الشيخ (كان حينها رئيس الجمعية)، طارق الشيخ، عدنان بومطيع، عبدالرحمن الحسن، عبدالباسط الشاعر، وإبراهيم الحادي.

ولا يمنع ذلك من القول، بأن السلطة (المتحكمة بالانتخابات) حين يتعلق الأمر بالاختيار بين الشخصيات المستقلة السنية الموالية، أو الإسلاميين السنة الموالين، فإنها تفضل المستقلين في حالات واضحة، بيد أن تدخلا فجّا من السلطة، قد تم لصالح الإخوان في انتخابات 2006 و2010، عبر الزج بالعسكريين والمجنسين للتصويت قسرا، دعما للإخواني صلاح علي ضد المُعارضة الليبرالية البارزة منيرة فخرو، والإخواني علي أحمد ضدإبراهيم شريف القيادي المعارض المعتقل منذ 2011، وذلك إحدى الدلائل الجلية لافتقار الانتخابات المتتالية للنزاهة والشفافية المطلوبة.

غياب قيادات السلف

يمكن أن نشير إلى أربع شخصيات سلفية رئيسية، يعدّون قيادات في جمعية الأصالة: الواجهة السياسية لسلفيي البحرين، (التربية الاسلامية واجهتم الدينية)، ستغيب عن مجلس النواب 2014، أولهم: الشيخ عادل المعاودة، الذي ينظر إليه كأحد الوجوه السلفية البارزة، وكان عضوا في مجالس النواب المتعاقبة منذ 2002 ــ 2014. وقد انسحب من الانتخابات المرتقبة قبل نحو عشرة أيام من يوم التصويت المقرر في 22 نوفمبر الجاري (٢٠١٤).

ولم يقدم المعاودة تفسيرا لانسحابه، لكن البعض فسر ذلك الانسحاب تعبيرا عن عدم رغبة الحكومة في إبراز نواب سلفيين متورطين في دعم الجماعات المسلحة في سوريا، لكني لا أذهب إلى ذلك (عبدالحليم مراد أحد السلفيين الممولين للإرهاب في سوريا، مازال مرشحا، ووصوله الى قبة المجلس ممكنة)، وأظن أن انسحاب المعاودة يعود إلى وجود منافسة في دائرته الانتخابية (الأولى بالمحرق)، ما يجعل فوزه على المحك، وتجد السلطات من الأفضل عدم استهلاك ما بقي من رأسماله الشعبي.

وكان الديوان الملكي (الذي يتحكم بمفاصل البلاد) قد تدخّل، بشكل سافر، لحسم فوز المعاودة، بالتزكية، في انتخابات 2010، حيث استقبله ملك البحرين قبيل الانتخابات بأيام، وأبرزت صحيفة “الوطن”، ذات الخطاب المعادي للمعارضة والشيعة، خبر الاستقبال على صدر صفحتها الأولى، في نصف صفحة، وكأن أمرا استثنائيا قد حدث، فيما تم الضغط على منافسي المعاودة للانسحاب من السباق الانتخابي (2010).

ويبدو أن السلطات تقدّر أن تلك الخطوات الداعمة للمعاودة، غير مناسب تكرارها حاليا. ومع ذلك فإن سهم المعاودة “في البايت وليس الفايت”، أي إنه يرتقب تعيينا جديدا، ربما عضوا في مجلس الشورى، رغم أن المعاودة يرى نفسه أحق بمنصب وزاري، أكثر من غيره، لما قدمه من “خدمات جليلة” للنظام.

الشخصية السلفية الثانية التي لن نشاهدها في نواب 2014: رئيس جمعية الأصالة السابق، غانم البوعينين، الذي كان عضوا في الغرفة النيابية بين 2002 ــ 2012، وقد عيّن في ابريل 2012 وزيرا للدولة للشئون الخارجية، كدلالة أكيدة على مدى ارتباط السلف بالحكومة.

الشخصية السلفية الثالثة الغائبة، وربما إلى الأبد عن المجالس النيابية المقبلة، وليس فقط عن مجلس النواب 2014، هو حمد المهندي، الذي فاز في انتخابات 2002، و2006، وكان مقدرا له الفوز في 2010 لولا تدخل السلطات الفج لصالح العضو المستقل عبدالله بن حويل، وكان ذلك سببا جوهريا في هجرة المهندي وأفراد من عائلته إلى دولة قطر، ويلاحظ وجود خطأ شائع في بعض الإعلام، حين يتحدث عما يسمى تجنسين الدوحة لبعض مواطني البحرين، فيما الحقيقة هي أن السنة الموالين للنظام اختاروا طوعا الرحيل من البحرين هروبا من أوضاع غير مستتبة، وبحثا عن حياة أفضل. (راجع: ما وراء الهجرة السنية من البحرين إلى قطر  ، راجع:  موقف الرأي العام السني من هجرة البحرينيين إلى قطر )

الشخصية السلفية الرابعة التي تغيب عن مجلس النواب المرتقب، هو السلفي إبراهيم بوصندل، الذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات المرتقبة، لأن تأثير الإسلاميين في البرلمان محدود، لكن بوصندل ظل في ذات الوقت قاسيا على المعارضة، رافضا لمطالبها في العدالة والمساواة وبرلمان حقيقي.

إضافة، إلى غياب الرموز السلفية والإخوانية، لن يترشح زعيم تجمع الوجدة الوطنية (الفاتح) عبداللطيف المحمود، باعتبار شخصيته “أكبر من عضوية مجلس النواب”، كما يروج بعض مناصريه، في محاولة لاظهار نفسه قائدا على غرار زعيم “الوفاق” الشيخ علي سلمان الذي لم يترشح لبرلمان 2010.

إن غياب المعارضة وبعض الرموز الموالية، سيجعل من مجلس النواب 2014 بلا طعم ولا لون ولا رائحة، سوى طعم مفعم بالزحف نحو إرضاء السلطة.أما تغييب الأحزاب السياسية، الهشة أصلا عن البرلمان، وطغيان المستقلين على أعضاء النواب والشورى، فسوف يمكن الحكومة من تحريك “المؤسسة التشريعية” برموش العين.

المصدر: نواب 2014 بلا أحزاب أو قيادات شيعية أو إخوانية أو سلفية.. مفعم بالولاء للحكومة ويدار برموش العين

انشر وشارك

مقالات ذات صلة