abbasbusafwan@gmail.com

زمام المبادرة: نجاح المقاطعة والاستفتاء الشعبي وخيبة الانتخابات الحكومية

بكل موضوعية، وبعد تدقيق كبير، ومراجعة للكثير من شهود العيان، والمواطنين العاديين، في العديد من مناطق البحرين، يمكني القول إن الاستفتاء الشعبي، الذي نفذته الهيئة الوطنية المستقلة للاستفتاء الشعبي، يومي 21 و22 نوفمبر الجاري، كان ناجحا على نحو غير متوقع.

نعم، كان نجاحا ملفتا، يحسب للجماعات الشبابية النشطة، التي تؤكد يوما بعد آخر، أن المسار الذي يختاره النظام، الرافض للتسويات، يقود إلى بناء مسار آخر، يأمل أصحابه أن يكون قادرا على كسر الصنمية القائمة.

ولا أود أن أكرر ما قتله في مقالي السابق: مأسسة الانقسام في البحرين: المقاطعة والاستفتاء الشعبي في مواجهة الانتخابات الحكومية ، لكن من المؤكد أن تنظيم كل خطوات الاستفتاء على الأرض، بما في ذلك التصويت وفرز الأصوات واعلان النتائج في العاصمة المنامة المحاصرة، أمر يدعو للدهشة والفخار.

كما أن الطوابير الشعبية الملحوظة، التي اصطفت في العديد من المناطق (سترة، الدراز، الدير وغيرها)، رغم الظرف الأمني الخانق، وأدلت بصوتها في صناديق شفافة، مطالبة برفع قضية البحرين إلى الأمم المتحدة، أو ما سمته ورقة الاقتراع: حق تقرير المصير، تشير إلى أن الرفض عارم للنظام القائم، وللأسس الأحادية التي يرتكز عليها، وليس فقط لسياساته الاحتكارية وغير الإنسانية، المدمرة لكل ما هو خير في الجزيرة العريقة: عروبة وإسلاما.

حسنا، هل هذا جديد؟ أعني: هل الرفض للنظام الخليفي جديد؟ الجواب: لا، فقد خرجت الغالبية الشعبية، عن بكرة أبيها، قبل 45 شهرا، وتجمعت في دوار اللؤلؤة، رافعة شعار: “الشعب يريد اسقاط النظام”، وتغييره إلى نظام ملكي دستوري، أو إلى نظام جمهوري.. لكن هذه ليست هي النقطة الجوهرية، وإنما الرسالة الأهم، لكل من الاستفتاء والاعتصامات الحاشدة، ان الجمهور يقول: كفى للدكتاتورية السائدة، والشعب يريد أن يحكم نفسه بنفسه.

ورغم إن البعض تمنى أن تنخرط الجمعيات السياسية في الاستفتاء الشعبي، بصورة أوضح وأجلى، وحتى وكون ذلك لم يحدث، لأسباب معروفة ومقدرة، فإن دعوة أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان إلى إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، مدعاة للقول بأن الفرصة مازالت متاحة لتوحيد الجهود المعارضة لتبني مبادرات سياسية وميدانية، قادرة على إظهار وجهة النظر الشعبية، بدل انتظار الخط الأخضر الحكومي لكل خطوة نقوم بها. (لست متفائلا بجهود التوحيد والتنسيق، وأخشى العودة إلى الثنائيات المعارضة مع انتهاء الانتخابات الحكومية التي وحدت المعارضين مؤقتا، أنظر مقالي: المقاطعة تغيّب مؤقتا الثنائيات المعارضة.. لكن لا تنهيها )

وفي الواقع، فإن القدرة الباهرة التي أظهرتها الجمعيات المعارضة، في قيادة الرأي العام لافشال الانتخابات النيابية، تتعدى كونها خطوة جريئة، وتمثل تعبيرا صارخا لرفض المشروع الحكومي، لكنها تظل ذات طابع سلبي (الامتناع عن فعل، وليس القيام بفعل)، فيما الحاجة تظل حاسمة لبرنامج إيجابي مبادر وفاعل.

حسنا، أدرك أن الاستفتاء الشعبي ليس له مترتبات قانونية، وإن بعده الرمزي هو الطاغي، لكن المسيرة التي يخلقها، قد تفتح أفقا لبناء مشروع أكثر عنفوانا ونضوحا، بدل الأدبيات المهمة الكثيرة، التي تقترحها أطياف المعارضة، مثل وثيقة اللؤلؤة ووثيقة المنامة، والتي قد تتحول إلى مجرد حبر على ورق، إذا ما افتقرت إلى دعائم ومرتكزات، وخطة عمل ميدانية ودبلوماسية.

وإذا مضى برنامج الاستفتاء، أو أي برنامج معارض جدي آخر، على الوتيرة التي ينادي بها القائمون على الاستفتاء، فقد يرسم ذلك مسارا يجعل من رفع وتيرة التصادم مع النظام، وجها لوجه، على أكثر من صعيد، وعلى نحو أكثر سفورا، ليس إلا مسألة وقت.

لكن، لندرك أيضا أن الصدام (السلمي طبعا) يفترض أن يكون بابا للوصول إلى تسويات ومخارج، فالنضالات/ التصعيدات تقام أصلا من أجل الوصول إلى سلام وعدالة، ومثل هذه الخطوات المؤلمة، والتي تترافق عادة من تضحيات، قد تكون جسمية، ليست ـ البتة ـ هدفا في حدا ذاتها.

ومن المهم التأكيد على أنه لا يمكن لخطاب يفتقد المبادرة السياسية والميدانية، الداخلية والخارجية، أن يقنع العائلة الخليفية الحاكمة بأهمية النزول إلى طاولة الحوار. وحدها الضغوط الشعبية، يمكن أن تحرك المياه الراكدة في الداخل والإقليم، وتجر الذهنية الحاكمة، وحتى وهي متشددة ومتعالية، للذهاب إلى صيغة حوار لمنع حدوث تدهور غير محسوب العواقب، كما جرى في فبراير ومارس 2011، حين قدم ولي العهد، كبير مديري العلاقات العامة للنظام، والأمين لنهج والده، مبادرة النقاط السبع، استجابة لضغوط اعتصامات دوار اللؤلؤة. وليس صدفة أن النقاط السبع قد أطيح بها، حين أطيح بنصب الدوار الشهير، والذي سيظل علامة فارقة في نضال شعب البحرين.

المقاطعة والاستفتاء الشعبي، وقبله اعتصام دوار اللؤلؤة، إضافة إلى استمرار الحراك الشعبي الميداني والحقوقي والسياسي والإعلامي، تشير إلى قدرة القطاعات الشعبية على الابتكار وفتح ثغرات في جدار النظام الأمني السميك، لكنه يقول أيضا أن اليد الغليظة الأمنية يمكن أن تطيح بالآمال التي تلوّح بها الخطوات الشعبية المنادية بالإصلاح، إذا ما اعتقدت المعارضة – لحظة – أنها لا يمكن أن تفعل أكثر.

ومجددا، أعتقد بأنه ينبغي تكسير مقولة العجز المعارض، التي يرددها البعض، وإشاعة فكرة القدرة والانجاز والممكن، فذلك أمر لا غنى عنه لتحقيق الآمال والتطلعات لشعب البحرين، فالقول بالعجز وقلة الأوراق وضعف الحيلة أولى بنود وصفة الفشل.

المصدر: زمام المبادرة: نجاح المقاطعة والاستفتاء الشعبي وخيبة الانتخابات الحكومية

انشر وشارك

مقالات ذات صلة